الجمعة 2019/11/22

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

الشعب يريد إسقاط نظام غير نظاميّ

الجمعة 2019/11/22
الشعب يريد إسقاط نظام غير نظاميّ
النظام المقصود بإسقاطه هو نظام محاصصة مذهبيّ نِيو - إقطاعي (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
علت في ساحات ثورة تشرين اللبنانية وشوارعها هتافات وأناشيد كثيرة: منها مستحدث محلّيا للمناسبة، ومنها ما استعير من ساحات الثورات العربية.

النظام أو الفوضى؟
بعض هذه الأناشيد استجلب ردود فعل رافضة بقسوة أحياناً، كهتاف "كلّن يعني كلّن"، أو غيره من الأهازيج التي لحنت الشتائم وغنّتها. لكن إحدى الهتافات المتداولة خلقت مساحة نقاش في الشارع ولدى معارضيه: "الشعب يريد إسقاط النظام". والسؤال الذي يطرحه هذا الشعار المنشود هو: أي نظام يُراد إسقاطه؟

فالنظام اللبناني، وعلى عكس الأنظمة الأخرى التي خرجت عليها ثورات المنطقة، نظام دستوري برلماني، واضح البنود والآليّات، وليس بنظاماً رئاسياً يمكن اختصاره في بشخص امتهن (أو ورِث) حكماً دكتاتورياً يمكن إسقاطه في ترجمة إسقاط النظام.

هكذا دُفِع بالحجة، وإن أوردناها بشكل سطحي. هو دفع محق خلاصته أن مطلب إسقاط النظام بمثابة طلب الفراغ والفوضى، ومرفوض تالياً، إن لم نقل مشبوه.. فهل يريد الشعب المنتفض إسقاط هذا النظام، والذهاب بنا إلى المجهول المعلوم؟

في العام 2015، وعلى وقع التظاهرات في وجه أزمة النفايات، أنشد مغنّيا الـ "هيب هوب" (Hip Hop)، أد عبّاس وزيندّين (Ed Abbas & Zeinedin) أغنيتهما "نظامي مش نظامي". من كلمات الأغنية: "نظامي مش نظامي، الساعة لْبِتْديرو (أي التي تديره) عطلاني.. نظامي هو عصابي، أرطة جغّيلي (من كلمة جغل) طمعاني".

نجد في هذه الكلمات القليلة بعضاً من أوجه النظام كما يراه الشارع اليوم، والذي يهتف لإسقاطه، وهو كما تصفه الأغنية نظام غير نظاميّ. ورغم أن النظام اللبناني دستوري برلماني، هو في الواقع نظام هجين، تتساكن فيه مركزيّة الطائفيّة السياسيّة مع لامركزيّة القرار السياسي، وتنتظم فيه قواعد اقتسام الجبنة؛ ونسرد هنا الوجيز من الشواهد، كما عايشها الشعب اللبناني منذ العام 2005 وعلى امتداد 14 عاما.

توافق على التعطيل
لا شك في أن النظام المقصود في هتافات الشارع هو نظام محاصصة مذهبيّ نِيو - إقطاعي (neo-feudal). فمنذ العام 2005 نشهد لعبة تشكيل الحكومات والتي يُفرض عليها أن تكون حكومات أضداد، تتمثّل فيها جميع الكتل النيابيّة (العضويّة منها والمركّبة).. وحتى أضحت المناصفة المنصوص عليها دستوريّا مثلّثة، فمربّعة، فمخمّسة. وشهدنا تجميد تأليف حكومات عدّة: لا تتألّف إلا إذا كان فيها فلان أو علتان وزيراً، ومُشترط عليها أن تضمن ثلثاً يعطّلها. واشتُرطت نصوص محدّدة على صيغ البيان الوزاري، حتى قبل التأليف والتكليف.

واليوم نشهد تطوراً أبهى يتمثّل برفض الذهاب إلى الاستشارات الملزمة قبل الاتفاق على رئاسة الحكومة وأعضائها وبيانها وشكل الصورة التذكارية!

وفي الانتخابات الرئاسيّة نستذكر التسوية الرئاسية (والحكومية) بعد تعطيل مديد. وحصلت التسوية خارج أرض الوطن (المسمّى اتّفاق الدوحة في 21 أيار 2008)، تحت وطأة سلاح في يد حزب عقيدته السلاح. وقد عايشنا أطول مدّة فراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، امتدّت سنتين وخمسة أشهر (من 25 أيار 2014 إلى 31 تشرين الأول 2016)، نتيجة إصرار على عدم عقد جلسة انتخاب الرئيس، إلّا بعد التوافق على شخصه، ثم انتخابه، أو بالأحرى تعيينه في البرلمان.

هذه الإجراءات التي اتّبعت في تأليف الحكومات وفي الانتخابات الرئاسية لا تنبثق من مواد دستورية، وإن تلّطت خلفها لِشَرعنة نظام غير نظاميّ وأعراف وسوابق باتت مراجع فوق - دستوريّة.

أما في الانتخابات النيابيّة، ومن دون الغوص في تفاصيل اللوائح وتركيباتها وتحالفاتها الهجينة، نستذكر القوانين الانتخابية للدورات المتتالية، والتي وُضعت لتثبيت، أو تعيد توزيع الاقطاعات السياسيّة، التي تغذيها مذهبيّة ومناطقيّة مصدرها الاقطاعات نفسها. ففي آخر ثلاث انتخابات نيابية (2005، 2009، و2017)، وعلى الرغم من صوغها حسب قوانين مختلفة، فإنها صيغت خصّيصا لتحقيق الأهداف نفسها. جميعنا يتذكّر تمديد المجلس النيابي (المنتخب عام 2009) لنفسه مرّتين (في 31 أيار 2013 و5 تشرين الثاني 2014)، مجدّداً ولايته سنوات أربع كاملة، من دون الرجوع إلى مصدر السلطات الدستوري، أي الشعب. وهذه أيضاً صورة عن النظام كما يختبره الشعب على أرض الواقع.

أي نظام هذا؟!
هذا القليل القليل من الشواهد على العمل السياسي المؤسسّاتي في نظامنا القائم. ومن دون التطرّق إلى جانبه الاقتصادي: منظومات الزبائنيّة والصفَقات، والتهرّب الضريبي والتهريب المُشَرعَن والمُنَظّم، وعوالِم المناقصات والمضاربات. وقيل الكثير في هذه المسائل أخيراً. وما زال هنالك الكثير ليُكشف ويُقال.

وفي ثورة تشرين الراهنة، هتف الناس في الساحات والشوارع: "الشعب يريد إسقاط النظام". وجوبه هذا الهتاف بتساؤلات عن ذاك النظام المُراد إسقاطه. والجواب المقتضب: نظام النيو - إقطاعيّة المُتَمذهِبة، نظام المحاصصة والتشارك في الفساد والإفساد، هو نظام تفصيل قوانين انتخابية وقوننة أعراف سياسيّة فوق -دستوريّة، ونظام تنظيم محاضر الخطوط الحمر على امتداد الوطن ومَن عليه. وهتف الشعب لإسقاط نظام غير نظاميّ، وقال فيه مغنّيا الـ"هيب هوب" أد عبّاس وزيندّين (Ed Abbas & Zeinedin): "نظام فوق العادي، جامع أحباب وأعادي.. ما بيهمّو مين بيموت، المهم يموت بالتراضي".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها