الجمعة 2019/01/18

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

لقاء بكركي.. كأنّ باسيل خسر معركة الرئاسة باكراً

الجمعة 2019/01/18
لقاء بكركي.. كأنّ باسيل خسر معركة الرئاسة باكراً
هدف سيّد بكركي اختلف عن حسابات ضيوفه (الوكالة الوطنية)
increase حجم الخط decrease

أكثر ما استوقف كلّ من تابع مجريات الاجتماع "الوجداني" الماروني يوم الأربعاء الماضي، هو غياب مصير الحكومة العتيدة، محور اللقاء، عن مشهديّة بكركي. ليطغى عليه الصراع الماروني على كرسي الرئاسة الأولى. وهو ما جعل من كلّ من الوزيرين جبران باسيل وسليمان فرنجية، مدعوماً من القوات اللبنانية والكتائب والمستقلين، نجمي الحدث، بعد سجال سياسي دار بينهما، دعا خلاله فرنجية "التيار الوطني الحر" إلى التخلّي عن "الثلث المعطّل"، لوضع حدٍّ للأزمة الحكومية.

التباعد
لا يختلف اثنان على أنّ البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي قد نجح بجمع القادة الموارنة على طاولة واحدة، إلا أنّ المتاريس السياسية، التي ارتفعت خلال اللقاء، أدّت إلى صدور بيان تقليدي لم يقدّم جديداً، مع مفارقة واحدة تمثّلت بوضع الراعي الإصبع على الجرح في كلمته الاستهلالية، و"التأكيد الماروني على الالتزام بالدستور واتفاق الطائف وتطبيقه نصاً وروحا"، وفق البيان الختامي.

ترى مصادر مطّلعة على مداولات اللقاء، أنّه " كشف باختصار، مدى التباعد بين الكتل المسيحية، خصوصاً بين تيار "المردة" و"التيار الوطني الحر"، وإن من كان البيان الذي صدر عن المجتمعين، والذي جاء بمثابة "إعلان نيّات شامل وجامع"، يمكن التعويل عليه للانطلاق في تحديد موقف مسيحي وطني أكثر وضوحاً في المرحلة المقبلة".

غير أنّه يمكن الحديث في اللقاء، وفق المصادر نفسها، عن ثلاثة رابحين، أوّلهم راعي اللقاء، الذي نجح في جمع الموارنة تحت سقف بكركي، فبات حديث الساعة، وخرج ببيان ختامي يؤكّد على ثوابت الكنيسة، وبلجنة متابعة تعطي طابع الاستمرارية للقاء ولدور البطريرك.

مصادر كنسية
في هذا الإطار، تعتبر مصادر كنسية أنّه "على رغم من الاختلاف في وجهات النظر حول مواضيع البحث، إلا أن جوّ النقاش كان هادئاً، وجرى التوافق خلاله على أن الخطر الذي يواجهه لبنان بات داهماً، ولا يحتمل ترف التأجيل والانتظار، وإن كان المشاركون يختلفون في توصيف أسباب التعطيل الراهن"، مؤكدة أنّ "اللقاء شكّل فرصة متاحة للاستماع إلى مختلف وجهات النظر، وبالتالي البناء على الأرضية المشتركة التي ظهّرها البيان الختامي. بحيث كان هناك إجماع على الدور التاريخي للمسيحيين عموماً، وبكركي خصوصاً، في تثبيت فرادة الصيغة اللبنانية وتأسيس دولة لبنان الكبير التي يُحتفل بمئويتها بعد عام". وهنا توضّح المصادر أنّ "معظم الكلمات ركّزت على أن لا يُمكن حلّ المشكلات التي تعصف بالبلد دفعةً واحدة، لأن لكل واحدة ظروفها ولاعبيها، إلا أنه متى عالجنا معضلة الحكومة، فلا شكّ أنّ ذلك سيساهم بحلّ الأزمات المعيشية الاقتصادية، المالية والاجتماعية تباعاً".

القوات اللبنانية
بدورها، خرجت "القوات اللبنانية" منتصرة من اللّقاء، حسب المصادر، وذلك من دون الصّدام مع "التيار"، ومع بيان ختامي يؤكّد ثوابتها الوطنية، وينسجم مع مشروعها السياسي. فكانت مداخلات نوابها مطابقة لنداء بكركي وكلام الراعي عن رفض تكريس أعراف جديدة. وبذلك تكون قد أسقطت أي احتمال بأن يشكّل اللقاء غطاء لطرف من الأطراف، بل أصرّت أن يكون الغطاء لكلّ من يلتزم بثوابت الكنيسة.

وفي هذا السياق، تشير مصادر القوات إلى أنّها "أثبتت بأنّها اللاعب الأقوى الذي يقف على مسافة واحدة من الوزيرين باسيل وفرنجية، من أجل تمرير المرحلة بوحدة موقف مطلوبة حفاظا على الدستور والدور الوطني المسيحي".

وإذ تؤكد أنّ "البيان الختامي أظهر أن بكركي تبقى صوت القضية اللبنانية في المنعطفات الوطنية، ووجود فريق رابح وخاسر لا يؤثر على جوهر البيان لجهة اتفاق الجميع على رفض أي تعديل دستوري"، تكشف أنّ "الهاجس الفعلي اليوم هو من تكريس الأعراف أو إسقاط المناصفة لمصلحة المثالثة كما أشار الراعي في كلمته، والخطر الفعلي في المثالثة أنها تعني الثلثين للمسلمين وثلث للمسيحيين، لافتة إلى أنّ "تشكيل لجنة متابعة أمر جيد لجهة أن اللقاء ليس لرفع العتب والمشهدية، بل لمتابعة التنسيق حرصا على وحدة الصف رغم التنوع، كما توجيه رسالة أن الخلاف في الأمور السلطوية لا يعني إطلاق الخلاف في الأمور الجوهرية."

جبران باسيل
أما رئيس تكتل "لبنان القوي" فتعتبره المصادر المتابعة الخاسر الأكبر، الذي لم يتمكن من تسويق طرحه بدعم رئاسة الجمهورية، لأن منطلقاته ذاتية وغير مسيحية، ولم ينجح بتقديم تصوّر جامع ولا الاستفادة من اللقاء من أجل توظيفه لمصلحته، في مواجهته التكتيكية مع "حزب الله". غير أنّ مصادر قريبة من التيار لا توافق هذا التوصيف بل تعتبر اللقاء "خطوة ممتازة ولم يقع خلاله أي اشتباك، بل شكّلت لجان للعمل على حل المشاكل المطروحة". وإذ ترى أنه " لولا موقف فرنجيه لكان لقاء بكركي نجح مئة في المئة"، تؤكد أن "الثلث ليس هدفاً، لكن الحصول عليه ضمانة للشراكة ولكل المسيحيين فيما بعد"، لافتة إلى "وجود أساسيات لا يجب أن نختلف عليها أهمها حصة رئيس الجمهورية في الحكومة وتكريسها كعرف في حكومات المستقبل، إضافةً إلى "نوعية" الرئيس، لناحية أن تكون له حيثية وتمثيل شعبيان". وتختم المصادر: "الاجتماع كان بداية مصارحة وجهاً لوجه، وسيصار إلى متابعة ما تم نقاشه، وان شاءالله تكون نتائجه ايجابية على المدى القريب".

سليمان فرنجية
في المقابل، تصنّف المصادرُ فرنجية رابحاً. وهو الذي فاجأ الجميع بصراحته المعهودة، وأعلن "أنّنا لم نأت لدعم الثلث المعطل لرئيس الجمهورية الذي لا يعترف بنا"، مبديا خشيته من أن "يستخدم هذا الثلث ضدنا"، ولافتا الانتباه إلى أن "العهد يكون قويا معنا وفينا، ولا يجوز زجّ رئيس الجمهورية في ملفات من هذا النوع". وتلفت المصادر إلى أن "موقف فرنجية هذا لاقى استحسان ودعم القوات والكتائب والنواب المستقلين، على اعتبار أنه كسر على باسيل في اللقاء، وأسقط بالمنطق السياسي حجّة أنّ الثلث المعطّل لباسيل مكسبا مسيحيا".

"الجلسة لم تشهد سجالاً حادّاً، تقول أوساط المرده، بل دار فيها نقاش بدا فيها الوزير باسيل يغرّد خارج سرب المجتمعين، مصرّاً على تصوير مطالبته بالثلث في الحكومة، نابعة من رغبة في تعزيز دور رئاسة الجمهورية، وبالتالي المسيحيين في لبنان، فيما هو يسعى جاهداً للحصول على ثلث الحكومة بغية الانقضاض على حقوق وأدوار بقيّة المسيحيين، لحسابات مستقبلية رئاسية باتت مكشوفة". وتشددّ الأوساط على أن "الوطن لا يُفصّل على قياس فريق واحد وانما بالشراكة المتوازنة بين مختلف اطيافه"، معتبرة أن "ما يُعطّل تشكيل الحكومة هو معارضة الثنائي الشيعي حيازة فريق الرئيس الثلث".

الكتائب اللبنانية
هذا الموقف تؤيّده أيضا "الكتائب"، التي تحدّث باسمها النائب سامي الجميل ،عارضاً للمخاوف من المرحلة المقبلة إذا ما بقينا "نتلهى" بالتفاصيل، مكرراً دعوته إلى تشكيل حكومة اختصاصيين تنشل البلد من الأزمة الراهنة. وتؤكد مصادر "الكتائب" في هذا الإطار، أن "الوجود المسيحي لم يكن يوماً بهذا الحجم الكبير في السلطة، ومع ذلك لم يشعر المسيحيون يوماً باليأس كما يشعرون به اليوم، لأن وجودهم في لبنان مرتبط مباشرة بوجود دولة سيدة حرة، مستقلة، حضارية ومتطورة، تتمتّع باقتصاد قوي وقضاء مستقل". وتكشف المصادر أن "كلمة البطريرك الراعي أيضا لم تخل من إشارات حول عدم رضاه عن حصول باسيل وتياره على الثلث المعطل، عندما تحدث عن رفض كل الأعراف المستحدثة، وذلك في إشارة إلى محاولة البعض إدخال حصة رئيس الجمهورية الحكومية في صلب الدستور اللبناني".

المستقلون
أما مصادر المستقلين الموارنة فتكفي بالقول أن "اللقاء كان بنّاء وموضوعياً، ونجح في النأي بنفسه عن القضايا السياسية الضيقة، فتجاوز سجال الوزيرين باسيل وفرنجية عن الاستحقاق الرئاسي والحصص الحكومية"، موضحة أنّه "على رغم من أن "اللقاء كان تشاورياً وغير موجّه ضد أي طرف سياسي، إلا أنه أعاد التشديد على أهمية دور المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً في حراسة هيكل الكيان اللبناني المتنوّع في وحدته، انطلاقاً من دورهم التاريخي في تثبيت دعائمه عشيّة مئوية إعلان دولة لبنان الكبير".

في المحصّلة، يمكن القول إن خلوة بكركي دفعت الفرقاء الموارنة إلى تأكيد التزامها بالثوابت، لكنها أدت في الوقت نفسه، إلى توسيع الهوة السياسية بين التيارات المسيحية. فكان واضحا أن هدف سيّد بكركي يختلف عن حسابات ضيوفه، فلم يخلُص المجتمعون إلى أيّ تقارب يمكن البناء عليه حكومياً، في حين دفعت المناكفات التي رُصدت على هامش اللقاء، إلى تسليط الضوء على الصراع الماروني الأزلي. وخير دليل على فشل الأفرقاء في الخروج بصيغة لخرق جدار الأزمة الحكومية، هو ما أعلنه النائب آلان عون عبر تويتر، فور انتهاء اللقاء، قائلا: "لقاء النواب الموارنة في بكركي: تقارب في المشكلة العامة للنظام، وتباعد في المشكلة الخاصة بالحكومة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها