السبت 2018/08/04

آخر تحديث: 00:18 (بيروت)

تشكيل الحكومة: المواطن والدستور في أزمة

السبت 2018/08/04
تشكيل الحكومة: المواطن والدستور في أزمة
"فترة تصريف الأعمال لا يمكن أن تطول" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

"بحكومة وبلا حكومة، لا فرق!"، يقول المواطن طوني، معتبراً أنه "سواء تألفت الحكومة اليوم أو بعد شهر أو بعد عام، لا شيء سيتغير في حياة الناس، التي لا تنفك تصاب بخيبات أمل متواصلة، وآخرها بعد الانتخابات النيابية، التي علقّ عليها كثيرون آمالاً عريضة، لتأتي بنسخة مطابقة لما كانت عليه صورة المجلس القديم، مع تغيير بسيط في بعض الوجوه والأسماء".

ثلاثة أشهر مرت منذ إنجاز الانتخابات النيابية وتكليف رئيس الحكومة سعد الحريري تأليف حكومة جديدة، ولا تزال الحكومة الحالية تصرف الأعمال، ولا يزال الغموض يلفّ مصير الحكومة المرتقبة وموعدها. لا شك أن عدم القدرة على تشكيل حكومة هو نظير أزمة في الانظمة الديمُقراطية. قبل اتفاق الطائف، وعندما كان الرئيس المُكلف بالتأليف يتأخر عن انجاز مهمته لمدة طويلة، غالباً ما كان رئيس الجمهورية يلجأ الى إجراء انتخابات نيابية مُبكرة تفرزُ كتلاً نيابية جديدة، ولكن بعد الطائف لم يَعُد ذلك من صلاحية رئيس الجمهورية.

فالمادة 64 من الدستور اللبناني، المعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990، تنص على أنّه "ينبغي على المكلّف تأليف الحكومة أن يجري استشارات نيابية لتأليفها، ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم التأليف". يضيف البند الثاني من المادة المذكورة أنه بعد ذلك "على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال". ويشير النص الدستوري إلى مهلة 30 يوماً لتتقدم الحكومة المؤلفة ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب، وسط غياب إشارة واضحة إلى أي مهلة تقيّد بموجبها الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يجوز استمرار التعطيل الحكومي؟ وهل من مفرَّ من وجود سلطة تؤمن استمرار الحياة الوطنية وديمومتها؟

لا وجود في الدستور لنص واضح يجيب عن هذه التساؤلات. لكن، من الواضح أن "الدلائل التي تُستنتج من عملية التأخير في تشكيل الحكومات، ومن عدم الالتزام بمواعيد الاستحقاقات الدستورية، ليست طبيعية على الاطلاق"، وفق ما يؤكد النائب السابق المحامي بطرس حرب لـ"المدن". فقد تكون إطالة فترة تصريف الاعمال مُريحة للوزراء في لبنان لكنها ليست مُريحة للبلاد. فالوزراء يُصرفون اعمال الدولة التي تدير المرافق العامة، بينما الاعمال الخاصة التي تعتمدُ عليها استمرارية الدولة، شبه متوقفة، أو بالكاد تعمل بحدها الادنى، ومؤشرات التراجع في النمو والحركة الاقتصادية والمالية بدأت تتضح يوماً بعد يوم.

ويؤكد حرب أنه "اذا كان البعد السياسي لهذا التعطيل الحكومي يحتمل المدّ والجزر، فإن البعد القانوني لا يحتمل المراوحة. فالدستور وضع على أساس إدارة الحياة الدستورية العادية"، مشدداً على أنه "لا يجوز أن يستغرق تأليف حكومة شهوراً، بل يجب أن تشكل في وقت معقول لا يؤثر على حقوق الناس ومصالحهم. في وقت تصطدم هذه العملية للأسف، بعراقيل، بفعل الطريقة الجديدة في التعامل معها، والقائمة على المحاصصة".

واذ يلفت إلى أنه "من المتوقع أن يتعطل البلد، خلال هذه المرحلة حيث الحكومة مستقيلة، وغير قادرة على الاجتماع لاتخاذ القرارات، إلا في الحالات الاستثنائية"، يرى حرب أنه "من الطبيعي، في ظل غياب الحكومة، واستناداً إلى المادة الدستورية 69 التي تعتبر مجلس النواب في دورة انعقاد استثنائية فور استقالة الحكومة، ألا يتصرف وكأن لا مشكلة في البلد. لكن هذا لا يحد من سلطة البرلمان في الاقدام على العملية التشريعية، ضمن إطار يحدده المجلس وفقاً للمصلحة الوطنية من دون التوسع في هذا المفهوم. فلا شيء يمنع البرلمان من الاجتماع كهيئة تشريعية في جلسة يصدر فيها قوانين ويناقشها في غياب الحكومة، إلا في ما يخص ما نص الدستور على عدم جوازه في غياب الحكومة، كإضافة الاعتمادات إلى الموازنة، أو إلزام الدولة باعتمادات مالية لأنها قضايا مرتبطة بعوامل اقتصادية ومالية عدة. إذ يخشى أن يرتكب المجلس أخطاء في شأنها إن لم يطلع على رأي الحكومة. وباستثناء ذلك تكون جلسات المجلس دستورية. لذلك من الأفضل ألا يفقد سلطته التشريعية، من دون أن يتمادى في ممارستها، أي أن يقر القوانين المستعجلة والاتفاقات الدولية المستعجلة التي أرسلتها".

من جهته، يشدد وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل، في حديث إلى "المدن"، على ضرورة المسارعة إلى توضيح المواد الغامضة في الدستور، كي لا نقول تعديلها. وذلك في أقرب فرصة ممكنة درءاً لأي اجتهاد قانوني "مسيّس"، داعياً إلى تأليف لجنة نيابية تضم بعض الدستوريين والحقوقيين، لإعادة شرح وتوضيح بعض مواد الدستور اللبناني. والأهم من ذلك، إعادة تحديث القوانين التي أنجزت في ظروف وأسباب معينة، ومن ثم انتفت أو تغيرت هذه الظروف، وانتهت الأسباب أو حتى كبرت. فلسوء الحظ، يتابع شربل، لا نزال نستعمل قوانين وضعت في عهد العثمانيين وعهد الانتداب الفرنسي، في وقت يحتاج قانون العقوبات إلى نفضة.

واذ يرى أن "فترة تصريف الأعمال لا يمكن أن تطول، بل إن ضغطاً خارجياً سيدفع إلى تسريع تشكيل الحكومة الجديدة، يشدد شربل على "ضرورة أن نسارع إلى تشكيل حكومة اليوم قبل الغد، لأن الوضع الاقليمي يتغير، وقريباً يسستقر الوضع الأمني في سوريا فيتفرغ النظام لنا ويحاسب سياسياً كل من كان ضده، وتتعقد الأمور أكثر".

وتعليقاً على من يبكون على أطلال الدستور اللبناني قبل تعديله في اتفاق الطائف، يقول شربل: "صحيح أن نص دستور العام 1926 أعطى صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، ولم يلحظ في المقابل أي صلاحية لرئيس الحكومة في تأليف الحكومة، لكن إذا عدنا إلى التاريخ، نرى أنه في اوائل السبعينات وقبل الطائف، عندما عين رئيس الجمهورية سليمان فرنجية أمين الحافظ رئيساً للحكومة، ووجه بمعارضة شديدة من قبل ما يعرف باسم القوى الوطنية والإسلامية، وحصل اجتماع في عرمون برئاسة المفتي حسن خالد، مطالبين باستقالته، بذريعة أنهم هم من يعينون رئيس الحكومة السني، اضطر الحافظ إلى الاستقالة حتى قبل أن تضع حكومته بيانها الوزاري".

ويشير حرب إلى أن "التهويل بأن عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية يعرّض استقرار البلد للخطر، عملية يمارسها فريق يرفض قيام موالاة ومعارضة في البلاد، وقد مورست عندما لم تكن الأكثرية في يد هذا الفريق وأعني تحديداً حزب الله. وهذا انحراف خطير عن مبادئ الديموقراطية".

في المحصلة، يرى حرب أن "السبب الرئيس الذي يحول دون تشكيل الحكومة حالياً، هو النهج الذي اعتمده الرئيس ميشال عون وتكتله قبل انتخابه، والذي فرض وصوله إلى سدة الرئاسة تحت طائلة تعريض البلد للخطر، والذي لا يزال سائداً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها