الأحد 2018/07/08

آخر تحديث: 08:47 (بيروت)

موظفون متوفّون ووهميّون.. يتقاضون الرواتب

الأحد 2018/07/08
موظفون متوفّون ووهميّون.. يتقاضون الرواتب
رواتب موظفي الدولة تُلامس 10 مليار و400 مليون دولار سنوياً (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
في وقتٍ يتطلّع عددٌ كبير من اللّبنانيّين إلى بلوغ زمن المحاسبة ومكافحة الفساد، لا يزال مسلسل الفساد وهدر المال العام والمحاصصة، الذي ينخر إدارات الدولة منذ سبعينيّات القرن الماضي، مستمرّاً تحت عباءة وحماية المرجعيّات الدّينيّة والسّياسيّة. وآخر فصوله الواقع الوظيفي السيّء في الوزارات والجهات الحكومية.

لم يكد يبلغ السن القانونية للتقاعد ويطلب إنهاء خدمته للتفرّغ لعائلته، قبل نحو عشرة أعوام، حتى مرضت زوجته وفارقت الحياة. مرّت أربعة أعوام قبل أن يقرّر فادي الارتباط من جديد والزواج من مريم، آملاً أن يمضي معها ما تبقى له من العمر، لكن أيامه كانت معدودة، وما لبث أن توفي بعد مرور نحو العام على زواجه الثاني. فما كان من مريم إلا أن قصدت المراجع المختصّة وتمكّنت، عبر استخدام "الواسطة"، من منع حذف اسمه من بند الوظيفة الحكومية. بالتالي، استمرّ مرتّب الراحل ومستحقاته المالية تصرف شهرياً وتودع في حساباته المصرفية، كأنّه لا يزال على قيد الحياة.

وضع مريم، وللأسف، ليس فريداً من نوعه في لبنان، بل يشكّل عيّنة لأكثر من ألفي حالة مشابهة، وفق ما يؤكد رئيس مؤسسة "لابورا" الأب طوني خضرا لـ"المدن"، كاشفاً عن "صرف مرتّبات لأشخاص متوفين، فيما يتقاضى نحو 30 ألفاً رواتبهم من دون التوجّه إلى مراكز عملهم، فضلاً عن موظّفين وهميّين في الإدارات وبعض الوزراء يُقدمون على إدخال 200 إلى 300 موظّف دفعةً واحدة".

ويوضح خضرا أنّ "رواتب موظفي الدولة تُلامس 10 مليار و400 مليون دولار سنوياً، إضافةً إلى 3 مليارات و600 مليون دولار كتعويضات وحوافز للموظّفين لنصل إلى حدود 14 مليار دولار، إضافة إلى 7 مليارات دولار كموازنات للمؤسّسات التي تقدّمها الدولة كالجامعة اللبنانيّة ووزارتي الصحة والزراعة وغيرها. بالتالي، فإنّ الشعب اللبناني يدفع 20 مليار دولار للدولة سنويّاً"، مشيراً إلى "بلوغ عدد موظّفي الدولة 400 ألف موظّف ومئة ألف متقاعد ونحو مئة ألف شخص في السّلك العسكري ونحو مئتي ألف في السلك المدنيّ".

وشدّد خضرا على أنّ "المشكلة تكمن في النظام الحالي الذي لا يمكن أن يستمر"، منتقداً "غياب الرقابة على التزام الموظفين وغياب الرقابة على الانتاجية، وعدم إقرار آليات واضحة ومشدّدة لمعاقبة المتنفّذين، وأصحاب المصالح الشخصية، والراغبين في التنفيع من وراء مكتسبات الدولة اللبنانية التي هي ملك عام للشعب اللبناني".

هذه القنبلة التي فجّرها الأب خضرا، لم تمرّ مرور الكرام، بل حازت انتباه وزير المال علي حسن خليل الذي وجّه إلى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم كتاباً اعتبر فيه أنّ ما ورد على لسان الأب خضرا إخبار للتحقيق فيه، داعياً إلى اتّخاذ الإجراء القانوني بشأنه في حال ثبوته.

وأفادت مصادر مطّلعة "المدن" أنّ "127 رئيس دائرة ممّن نجحوا في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، يتقاضون رواتبهم منذ نحو سنتين و8 أشهر، رغم أنهم لا يزالون في منازلهم بانتظار توظيفهم. مع العلم أنّ مجموع هذه الرّواتب التي صرفت حتى الآن يقدّر بـ4 ملايين و800 ألف دولار". وإذ رأت المصادر أنّ "الموضوع أصبح في حكم الإخبار، ويتابعه حالياً وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي لإحالته إلى الجهات المختصّة لإجراء المقتضى اللازم"، كشفت أنه "تم أخيراً توظيف 17 شخصاً منهم من قبل عددٍ من الوزراء المعنيّين، فيما لا يزال 110 من دون توظيف".

من جهتها، لفتت مصادر التفتيش المركزي لـ"المدن" إلى أنّ "اكتشاف المخالفات والتجاوزات مستمرٌّ، لكن هذا وحده غير مجدٍ ولا يكفي، ما لم تُقرّ إجراءات مشدّدة لمنع الفساد ووقف التنفيع ومعاقبة المخالفين والمعتدين على المال العام. فتقارير المخالفات كثيرة ومتراكمة منذ سنوات، حتى أنها أصبحت مجرّد روتين سنوي، لكن لا محاسبة حقيقيّة للمخالفين والمتورطين في التلاعب وهدر المال العام. وهذا بدوره يغري كثيرين على التعدّي والمخالفة وكسر اللّوائح والقوانين".

وإذ حمّلت المصادر مجلس الخدمة المدنيّة جزءاً من مسؤوليّة الفلتان والتسيب والفوضى في هذه الادارة، أشارت إلى أنّه "على سبيل المثال، عمَد المجلس في الآونة الماضية إلى إدخال 23500 شخص بواسطة الامتحانات إلى السلك المدني". وسألت المصادر عن "سبب تغاضي وزير مكافحة الفساد نقولا تويني عن هذا الكم الضخم من الفساد المستشري في ادارات الدولة ومرافقها، والذي كتم عنه خلال عامين من ولايته".

وفي المحصّلة، يبقى السّؤال: "هل تسلك القضية طريقها في اتجاه إنجاز الاصلاحات التي اشترطها مؤتمر باريس على لبنان في سبيل الحصول على المساعدات المالية من الدول المانحة، بحيث تحال إلى القضاء ويتم التحقيق فيها فوراً، أم أنّ مصيرها سيكون كما مصير فضائح كثيرة غيرها؟".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها