الخميس 2018/07/05

آخر تحديث: 09:16 (بيروت)

العهد القوي يقوض علاقات لبنان الخارجية

الخميس 2018/07/05
العهد القوي يقوض علاقات لبنان الخارجية
increase حجم الخط decrease
لا يمكن القول إنّ علاقات لبنان بالعالم العربي والمجتمع الدولي على أفضل حال في هذه الأيام. فمع اقتراب عهد الرئيس ميشال عون من إتمام عامه الثاني، لا تبدو الأمور ذاهبة حتى الساعة باتجاه التطور الإيجابي، بل هي في حالة مراوحة إن لم نقل حالة تراجع. وإذا كانت التعقيدات على المستوى الإقليمي والمتغيرات على مستوى سياسات الدولة الكبرى لها دور في هذا التردي؛ إلا أن العامل الأساس يعود إلى المنهج المتّبع في السياسة الخارجية اللبنانية منذ بداية "العهد القوي"؛ وتفرّد وزير العهد ل"الخارجية" في كثير من المحطات بمواقف راكمت في أسباب التراجع. 

صحيح انه على المستوى العربي تغرق كل الدول في أزماتها الداخلية او الحدودية. لكن ذلك ليس مبرراً لتدهور علاقات لبنان بالعالم العربي. فملفات العراق الداخلية السياسية والعسكرية والاقتصادية لم تستجد في العامين المنصرمين؛ لماذا إذا بردت العلاقة ببغداد؟ أزمات الخليج في البحرين، وفي حرب اليمن، وفي الحصار على قطر، والمواجهة في مختلف الساحات مع إيران ليست وليدة اليوم؛ فلماذا إذاً علاقات لبنان بدول الخليج في أدقّ مراحلها إنْ لم نقل أسوأها: حتى الساعة لم تصدر حكومات دول مجلس التعاون قرارات بإعادة السماح لرعاياها بالمجيء إلى لبنان. لا دعم مالياً واقتصادياً. لا ودائع جديدة. لا حراك سياسياً يساعد لبنان في مشاكله. فيما خارجية لبنان لا توفر فرصة إلا وتزيد طين الأمور بلة؛ تذهب اكثر فأكثر باتجاه المحور الايراني؛ تتغاضى بشكل واضح عن كل ما يفعله حزب الله في  ساحات الصراع بل تغطيه، يجول قادة من الحرس الثوري في لبنان وعلى حدوده، دون موقف رسمي حيال ذلك، بل بالعكس تمعن خارجية لبنان في المواقف المناهضة لمصالح الخليج؛ ومنذ أزمة استقالة سعد الحريري من الرياض وما رافقها وما نتج عنها، تزداد الأمور دقة في العلاقة مع الخليج دون ظهور خيط أبيض يعطي أملاً بتطور إيجابي؛ حتى أن الحريري نفسه ورغم التسوية التي جمعته بالتيار الوطني الحر وأنتجت انتخاب عون رئيساً، بات يتململ من تمادي وزير العهد في شتى المجالات الخارجية والداخلية على السواء. 

والسؤال الأبرز لماذا أُسقطت سياسة النأي بالنفس عن الملف السوري عملياً في أكثر من محطة خارجية؟ لماذا بات التوجه نحو التعامل مع هذا الملف على قاعدة الانحياز العلني لنظام بشار الأسد؟ اذا كانت كفّة المعطيات الميدانية في سوريا تميل حالياً لمصلحة الحلف الروسي الإيراني وأتباعه؛ فذلك لا يعني أن ننحو باتجاه فتح الخطوط المباشرة رسمياً مع نظام الأسد. كما أن الموقف من عدم قدرة لبنان على تحمل ضغط وأعباء النزوح السوري لا يعني أن نرمي الهاربين من نار القتل من سوريا في فم الموت.  

العلاقة مع الأردن في تراجع أيضًا. وإذا كان الأردن منذ مدة يتدارك وضعه الاقتصادي وأزماته الاجتماعية، ويتشابك ذلك بالقضية الفلسطينية التي تشهد هي الأخرى حرب تصفية جديدة، فإن الأمر لم يكن يومًا سببًا لضعف روابط العلاقة كما هي اليوم. ثم أتت مزايدات باسيل في ملف القدس وفتح سفارات عربية فيها؛ ليعكّر العلاقات مع مختلف الدول العربية لا الأردن فقط؛ وتحديدًا مع مصر التي لا تزال تسعى للخروج من تداعيات الثورة والثورة المضادة؛ وتشهد العلاقات معها تقهقراً غير مسبوق ولا مبرر له. فالقاهرة التي لطالما عُرفت انها توأم بيروت؛ وكانت على الدوام تتدخل لمصلحة اللبنانيين في كثير من المراحل دون انتظار اي مقابل لبناني؛ بات تعاملها اليوم مع بيروت كتعاملها مع أي عاصمة أخرى على قاعدة الاكتفاء بالحد الأدنى، في ظل إمعان الخارجية اللبنانية بالخروج عن الخط الطبيعي لعلاقات لبنان. 

ومع المغرب العلاقة كذلك الى تراجع على خلفية ما حكي عن تورط حزب الله في دعم جبهة البوليساريو دون موقف واضح من الخارجية اللبنانية، ثم على خلفية عدم التصويت لملف الرباط في استضافة مونديال كرة القدم. 

دولياً، الأمور تسير باتجاهات مغايرة بل مناقضة لمصالح لبنان.

 لم تبذل الخارجية اللبنانية أي جهد في حماية لبنان من إنعكاسات السياسة الأميركية، التي تتصدّرها حالياً المسألة الكورية والملف النووي الإيراني؛ ولم تفلح في وقف المزيد من الضغوط والعقوبات المالية والاقتصادية والمصرفية الاميركية على لبنان بسبب غرقه أكثر فأكثر في التغطية على حزب الله. أما المفاوضات التي تبرعت واشنطن في الوساطة بها في ملف الغاز والنفط فلم يعرف حتى الآن في أي إتجاه تسير وما إذا كانت ستسفر عن الحفاظ على المصالح اللبنانية. 

مع روسيا العلاقة يجوز أن القول إنها عادية، ولربما ومن باب الإنصاف أن السبب يعود إلى أن الروس يكتفون بهذا النمط منذ ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، عينهم اليوم على سوريا وعلى تقوية أوراقهم في مواجهة الأميركيين والأوروبيين، وفي ملفات النفط والغاز، ولبنان ليس مدرجاً على حسابهم. 

أما أوروبا القلقة من ملف اللاجئين وعواقبه على دولها، فإن لبنان يضع نفسه في مواجهتها وفي مواجهة الأمم المتحدة، كما في مواجهة اللاجئين انفسهم؛ ويذهب بعيداً في تعزيز العنصرية على أرضه. تفرّد الوزير جبران باسيل بمخاطبة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دون الرجوع للحكومة وقراره منع الإقامات عن موظفيها، وغيرها من المحطات الأخرى ساهمت في زعزعة علاقات لبنان الخارجية وفرضت المزيد من العزلة على لبنان. 

قد يكون الاختراق الوحيد الذي نجح به لبنان خارجياً يتمثل في التعامل مع ملف استقالة الحريري في السعودية ثم خروجه وعودته عنها، لكن الفضل طبعاً لا يعود إلى حكمة السياسة الخارجية اللبنانية بقدر ما هو لغرابة ما حصل وعدم قبول المجتمع الدولي وتحديداً فرنسا بهذا الأمر، وتحرك بعض القوى السياسية اللبنانية عبر علاقاتها للمساعدة في حل هذه الأزمة. 

حتى مع تركيا الأمور تسير تراجعياً على خلفية اقتصادية. وبغض النظر عن أحقية قرار لبنان الاقتصادي او عدمه في فرض الرسوم على بعض المنتوجات التركية، فإن الوصف الدقيق للعلاقة مع تركيا أنها ليست بأفضل حال. 

في ظل كل ذلك يمكن القول إن لبنان في عهد الرئيس ميشال عون على علاقات جيدة وبدرجات متواضعة مع عدد محدود جداً من الدول الفاعلة في المشهدين الإقليمي والدولي: ربما مع روسيا، ومع إيران التي خرج أحد مسؤوليها ليقول إن لبلاده 74 نائباً موالياً لها في المجلس النيابي اللبناني؛ من دون أن يعترض أحد من المسؤولين اللبنانيين، او يطلب توضيحاً من طهران.
خلاصة القول أن لبنان الذي تميز على الدوام بسياسة خارجية حيوية، ساهمت في حمايته في الأزمات الكبرى، يفتقر اليوم الى الحد الادنى من التواصل الطبيعي مع العالم الخارجي، ما يساهم في تقويض حصانته كدولة حرجة في محيط مضطرب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها