الأربعاء 2018/06/06

آخر تحديث: 08:08 (بيروت)

هذا ما فعلته الراديكاليتان الشيعية والمسيحية بالطائف

الأربعاء 2018/06/06
هذا ما فعلته الراديكاليتان الشيعية والمسيحية بالطائف
ميزان القوى الذي فرضه اتفاق الطائف انتهى (الأرشيف، علي علوش)
increase حجم الخط decrease

كرّس اتفاق الطائف مبدأ انتصار المسلمين على المسيحيين، وفق المصطلحات اللبنانية. نفي قادة "الشرقية" أو سجنوا. فيما قاطع المسيحيون التسوية التي أبرمت ما بعد الطائف. تكريساً لتلك الهزيمة، أبرم مرسوم التجنيس في العام 1994. ولا يمكن إغفال أن إصدار هذا المرسوم كان جزءاً من تسوية لتمديد ولاية الرئيس الياس الهراوي. انطوى مرسوم التجنيس هذا على تفاهم ثلاثي برعاية دمشق. ضمّ مستحقين لبنانيين كانوا بلا هويات، مع بعض رؤوس الأموال، بالإضافة إلى آلاف السوريين الذين جنّسوا بمنطق "سياسي ديمغرافي" كان له أثر أساسي في الاستحقاقات الانتخابية. حينها، اتهم الرئيس رفيق الحريري بأنه يعمل على تغيير ديمغرافي في البلد، وبأنه يبرم تسويات مع رؤوس أموال ورجال أعمال، لتعزيز مرحلة ما بعد الطائف اقتصادياً.

نزولاً عند تقديرات الانتصار والهزيمة، فإن حزب الله والنظام السوري يحققان اليوم انتصاراً سياسياً في لبنان، تكرّسه الانتخابات النيابية الأخيرة. وهنا، يندرج مرسوم التجنيس الجديد، الذي يضم شخصيات بارزة في صلب القطاع الاقتصادي السوري، وشخصيات مقرّبة جداً من النظام. لم تعد المشكلة في استكمال المرسوم أو إلغائه. الواقعة وقعت. وهي تكريس منطق انتصار طرف على آخر، يريد تعزيز وضعية مرحلة حكمه بروافد مالية أساسية، سيكون لها انعكاسات سياسية مستقبلاً، مع فارق أن المجنّسين الحاليين سيكونون عنصراً مقرراً في أي استحقاق انتخابي مقبل، إن لجهة تركيب التحالفات ودعم المرشحين، أو لجهة الترشح بعد عشر سنوات. سيكون هؤلاء جزءاً من صانعي سياسة المرحلة المقبلة.

وإذ يعتبر البعض أن المرسوم يدخل في صلب صلاحيات رئيس الجمهورية، التي كرّسها اتفاق الطائف، فإن ما يراد من هذا الايحاء هو استمرار الالتزام بذلك الاتفاق. لكن، عملياً، لم يبق من الاتفاق سوى الإسم. في تاريخ ما قبل الطائف، اعترض رئيس الحكومة آنذاك صائب سلام أكثر من مرّة على أداء رؤساء الجمهورية. ذات مرة في عهد الرئيس فؤاد شهاب، وأخرى في عهد الرئيس سليمان فرنجية، وتركز اعتراض سلام على استدعاء رئيس الجمهورية وزيري الداخلية والدفاع، بدون التنسيق معه، ما اعتبره تخطّياً لصلاحياته. كان اعتراض سلام في حقبة الصلاحيات المطلقة للرئيس، بعكس الحال ما بعد اتفاق الطائف.

كل الممارسات التي بدأت مع بداية العهد الجديد، من قانون الانتخاب إلى عملية تشكيل الحكومة وصولاً إلى إقرار موازنة بدون قطع حساب، تمثّل خروجاً على اتفاق الطائف. يوم استقال رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، رفض رئيس الجمهورية الاستقالة، وكان ذلك خروجاً أول عن اتفاق الطائف الذي يعطي رئيس الحكومة صلاحية الاستقالة التي تعتبر نافذة فور تقديمها، مقابل حجب أي صلاحية للرئيس في رفضها. بعدها، جاءت صيغة التريث التي اعتبرها كثرون امتهاناً جديداً لموقع رئاسة الحكومة، لأن ليس في الصلاحيات أو الدستور أو العرف ما ينص على ذلك.

في أحد اشتباكات الرئيس سعد الحريري مع الرئيس نجيب ميقاتي، يتجلّى الكلام في الكواليس، عن تنازل رئيس الحكومة عن صلاحياته. ما يمثّل خروجاً على اتفاق الطائف. ذات جلسة لمجلس الوزراء في بعبدا، غادر رئيس الجمهورية موكلاً ترؤسها للحريري، حينها غرّد رئيس الحكومة شاكراً لرئيس الجمهورية ثقته. فسارع ميقاتي إلى "التنمير" على الحريري، بأن ما جرى خروج على الطائف، وتنازل لرئيس الجمهورية عن صلاحيات رئيس الحكومة، لأن الدستور ينص على ترؤسه للحكومة في السراي وليس في القصر الجمهوري، وترؤسه للجلسات ليس مكرمة تستحق الشكر، بل هي من صلب صلاحياته ومهماته.

في خضم النقاش بشأن عملية تشكيل الحكومة، يظهر أيضاً خروج على اتفاق الطائف. لا يتردد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في توجيه ملاحظات قاسية بشأن الخروج عن الاتفاق بالممارسة. ويتجلى ذلك أيضاً في محاولات تكريس أعراف، من الأثلاث الضامنة والمعطلة وصولاً إلى الحديث عن حصة رئيس الجمهورية. مطالبة الرئيس بحصة وزارية لا نص وزارياً يلحظه، بل درجت الأعراف على تكريسه حين لا يكون للرئيس كتلة نيابية تحظى بمقاعد وزارية. فيما هناك من يخرج معلناً أن الحصة حق دستوري.

في العام 1998، أدت الاستشارات النيابية إلى تكليف الرئيس رفيق الحريري. في حينها، ابتدعت نظرية دستورية كان عرّابها نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، بترك النواب خيار تسميتهم لرئيس الجمهورية. وهذا ما اعتبره الحريري بدعة جديدة في تفسير المادة 53 من الدستور، والتي أعطت الحق لرئيس الجمهورية التكلم بإسم عدد من النواب، لتسمية رئيس الحكومة. ما دفع الحريري إلى الاعتراض والاعتذار عن التكليف، حفاظاً على اتفاق الطائف الذي لا يمنح رئيس الجمهورية هذه الصلاحية. اليوم، جرى تجنب هذا الأمر، في استشارات التكليف، ومن لم يرد تسمية الحريري لم يسمّ أحداً. لكن المقصود هنا، هو اعتذار الحريري عن التكليف بسبب مساعي البعض للخروج عن اتفاق الطائف في حينها بهدف تكبيله. الأمر الذي يحصل عكسه مع الحريري الإبن الذي يتعرض لكل محاولات التطويق والتكبيل.

بالعودة إلى مرسوم التجنيس، وبمعزل عن صحته وصلاحية رئيس الجمهورية الدستورية، فإن الملاحظة الأولى تكمن في سبب عدم نشره. وفي معالجة التداعيات. كان يجب الطلب من وزير الداخلية إحالة الملف إلى مديرية الأمن العام للتدقيق به. بينما ما حصل، هو لقاء رئيس الجمهورية بنفسه مع المدير العام للأمن العام، لطلب ذلك. وهذا يمثّل خروجاً عن الطائف. وعودة الرئيس إلى صلاحيات ما قبل الاتفاق، حين كان بإمكانه استدعاء أي مسؤول في الدولة.

وفق القانون فإن أي مسؤول يشغل موقعاً في الدولة اللبنانية يجب أن يكون خاضعاً للمساءلة. ولكن، أن يعيّن رئيس الجمهورية بناته وأصهرته في مواقع القرار، فيه نوع من تجنب المحاسبة. وهو أيضاً يمثّل خروجاً عن روحية الدولة، وفي ظل وجود صهرين للرئيس في مجلس النواب وأحدهما من ثوابت الحكومة، يعني أن التركيبة تتحول إلى عائلية بدلاً من سياسية أو وطنية أو حتى حزبية أو طائفية في أسوأ الأحوال. تعيين رئيس الجمهورية مستشاراً للشؤون الدولية، فيه أيضاً عودة إلى ما قبل الطائف، ليحل هذا المستشار مكان وزراء، ويشارك في مؤتمرات، كمبعوث رئاسي، لا تنطبق عليه آليات المحاسبة، ولا يكون ملزماً في حضور أي مساءلة من جانب مجلس النواب.

هي مرحلة تآكل اتفاق الطائف. ميزان القوى الذي فرضه انتهى. ألغت الانتخابات النيابية الانقسامات السياسية، على قاعدة دفن حلف 14 آذار. التسوية التي سبقت الانتخابات كانت اعترافاً بالهزيمة. زوال طرف مقابل تسيّد آخر، يعني حكماً الدخول في مرحلة انتهاك الطائف، وصولاً إلى لحظة إنقلابية كبرى على الاتفاق، الذي حصل برعاية عربية، فيما اليوم انتقل لبنان إلى هيمنة إيرانية. فالانتقال الداخلي لمصلحة "الشيعية السياسية" بدلاً من المارونية السياسية في مرحلة ميثاق 1943. المرحلة الجديدة ستكون تحالفاً بين راديكاليتين شيعية ومسيحية، مع طرف ملحق هو القوة السنية المعتدلة. التدرّج بدأ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها