السبت 2018/06/23

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

جبهة سرية إسرائيلية لبث الفوضى في لبنان

السبت 2018/06/23
جبهة سرية إسرائيلية لبث الفوضى في لبنان
سعى شارون إلى تهيئة الأجواء في لبنان للتدخل عسكرياً (النهار)
increase حجم الخط decrease

نشر الكاتب ريمي بيرلان مقالاً باللغة الفرنسية تحت عنوان "حين أسّست إسرائيل مجموعة إرهابية لبث الفوضى في لبنان"، تناول فيه تأسيس إسرائيل تلك منظمة قامت بالعديد من الهجمات الإرهابية في الفترة الممتدة بين العامين 1979 و1982. وعاد بيرلان في بحثه إلى الصحافي والمحلل الحربي الاسرائيلي رونن برغمان في كتابه: "انهض واقتل أولاً: التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية الموجهة".

وثق برغمان شهادات لعملاء في الموساد الإسرائيلي ومسؤولين إسرائيليين، في تلك الحقبة، عن جرائم قذرة وإبادات جماعية اقتُرفت بدعم من ارييل شارون، كاشفاً عن أن رئيس الاركان الجنرال رافييل إتان وبالتعاون مع مسؤول المنطقة الشمالية الجنرال أفدغور بن غال، والخبير في العمليات الخاصة الذي أصبح لاحقاً رئيس جهاز الموساد، الجنرال ماير داغان، اطلقوا منظمة تحت اسم "جبهة تحرير لبنان من الغرباء". وضمّت المنظمة عناصر من المناطق الدرزية والشيعية والمسيحية ممن يكنّون الكره للفلسطينيين، أوكل إليها القيام بعمليات إرهابية في الأراضي اللبنانية، بهدف القتل وبث الذعر والفوضى بين المدنيين دون ترك بصمات إسرائيلية.

وفي ما يتعلق بالحرب اللبنانية، نفّذت تلك المنظمة عشرات العمليات بواسطة السيارات المفخخة ضد الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين. حتى أن الصحف الاميركية غطّت آنذاك بشكل مسهب تلك العمليات واصفة تلك المجموعة بـ"الغامضة". وقد استخدمت متفجرات مخبأة في غالونات زيت ومعلبات صُنّعت في ورشة في كيبوتز ماحاناييم حيث يسكن بن غال. وقد طالت تلك العميات متعاونين مع منظمة التحرير الفلسطينية لا سيما في منطقتي صور وصيدا والمخيمات الفلسطينية وتسببت بسقوط عدد كبير من الضحايا.

ولفت الكاتب إلى أن مخطط الجنرالات احيط  بالسرية التامة وقد نُفّذت عمليات من دون أخذ موافقة الحكومة الإسرائيلية التي لم يكن لديها معلومات عن تأسيس تلك المجموعة. ورغم السرية التامّة لم يتمكن الجنرالات الثلاثة من ابقاء مخططهم سرياً، إذ إن بعض المسؤولين الكبار في شعبة الاستخبارات العسكرية، "آمان"، اعترضوا، لكنهم لم يتمكنوا من ايقاف المخطط. وقد احتج نائب وزير الدفاع مرداخاي تسيبوري، متهماً بن غال بالقيام بأعمال لم تأخذ الموافقة المسبقة من الحكومة، لا سيما بعد علمه باعتداء نفّذ بواسطة سيارة مفخخة في صيدا في شهر أيار في العام 1980 راح ضحيته العديد من النساء والأطفال.

أضاف الكاتب أن الهدف من تلك التفجيرات كان تحريض الفلسطينيين على الرد العسكري وقصف الاراضي الفلسطينية المحتلة، لتعمل إسرائيل على ادانتها باعتبار أنها عمليات إرهابية، وبالتالي استخدامها ذريعة لقصف الأراضي اللبنانية. فقد كان شارون يأمل أن تدفع العمليات الإرهابية ياسر عرفات إلى الرد الانتقامي ضد إسرائيل أو الكتائب اللبنانية. ما يعطي ذريعة لإسرائيل لاجتياح لبنان دفاعاً عن المسيحيين. لكن عرفات تنبه لهذه الاستراتيجية ولم يلجأ إلى الرد. ما افقد شارون صبره. لذا، عملت الجبهة على تكثيف عملياتها.

بدأ الجنرالات الثلاثة الإعداد لعملية تحت اسم "أولمبيا"، لكنها أُقِفت لأسباب مجهولة، ثم انتقلوا إلى مخطط "أولمبيا 2" لاستهداف مكان احتفال منظمة التحرير بذكرى انطلاقتها. وقد تمّ تجهيز شاحنة بنحو 1.5 طن من المتفجرات، وغيرها من السيارات المفخخة. وكان سيقود ثلاثة عناصر من الشيعة تلك السيارات يوم الاحتفال لركنها خارج مكان الاحتفال (ملعب لكرة القدم). لكن شارون والجنرالات لم يتمكنوا من الحفاظ على السرية التامة لهذه العملية. وكشف تسيبوري الامر وأبلغ رئيس الوزراء مناحيم بيغن الذي دعا إلى اجتماع طارئ فجر يوم الاحتفال وأوقفت العملية. فقد تخوف بيغن من مقتل السفير السوفياتي الذي كان مدعواً إلى الاحتفال. ما قد يؤدي إلى أزمة كبيرة جداً مع الاتحاد السوفياتي وفتح مواجهة معه.

وأشار الكاتب إلى أن التحقيقات المعاصرة حول الاعتداءات التي نفّذتها المجموعة بين العامين 1980 و1983، أظهرت أن المخطط حقق هدفه، ألا وهو تدخل إسرائيل عسكرياً في لبنان ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وجعل المجتمع الدولي يتبنى الاقتراحات الإسرائيلية بشأن مفهوم الإرهاب وفقاً للتصور الذي تمّ تبنيه في مؤتمرين عقد أولهما في القدس في العام 1979 حول "الإرهاب الدولي"، بينما عُقد الثاني في واشنطن في العام 1984 بتنظيم من معهد جوناثان المتصل بنحو وثيق بالحكومة الاسرائيلية. وشرح الكاتب أنه بحلول نهاية ولاية الرئيس الأميركي رونالد ريغن كان النواب الأميركيون قدّ تبنوا الخطاب الإسرائيلي بشأن الإرهاب. فالإرهابي هو الآخر غير الغربي، "غير المتمدن". وهذا ما يبرر استخدام القوة الشرعية الدفاعية كرد على التهديد الإرهابي.

واللافت، بحسب الكاتب، أن برغمان في كتابه لا يستخدم تعبير "إرهاب" حين يتناول هذه العملية السرية التي قام بها الجنرالات. بيد أنه في ملاحظة تابعة لمقدمة كتابه، يصف "جبهة تحرير لبنان من الأجانب" على أنها منظمة إرهابية أسستها إسرائيل في لبنان بين العامين 1980-1983". حتى أن مسؤولين في الموساد أكّدوا لبرغمان أن الاعتداءات التي قامت بها الجبهة تصبّ في خانة الإرهاب. وروى أحدهم لبرغمان كيف كان "يرى عن بعد انفجار سيارات تدمر حياً بأكمله"، مضيفاً: "علّمنا اللبنانيين مدى فعالية السيارة المفخخة. وكل ما رأيناه في ما بعد مع حزب الله كان سببه تداعيات ما بعد هذا المخطط.

ولفت الكاتب إلى أن الجبهة أعلنت مسؤوليتها عن 11 و15 اعتداءً بين العامين 1980 و1983، ووردت في قاعدتي المعلومات الأكثر قيمة ودقة بشأن الإرهاب، وهما "راند كوربورايشن" و"ستارت". وقد خصصت قاعدة البيانات صفحة عن الجبهة ووصفت بالتفاصيل الاعتداءات التي وقعت بين 17 أيلول و1 تشرين الأول 1981 والتي أوقعت 122 ضحية ومئات الجرحى. علماً أن اعتداءات هذه الجبهة مثّلت، خلال هذين الأسبوعين، نسبة 40% من مجموع القتلى جراء الإرهاب في العالم أجمع على امتداد العام 1981.

وأسف الكاتب إلى أن النقاش الشعبي لكتاب برغمان تناول استخدام الإسرائيليين القوة فقط في اطار صراع إسرائيل ضد "الإرهاب"، وكأن حملة الاعتداءات التي نفذتها "جبهة تحرير لبنان من الغرباء" غير موجودة، أو كأن الفلسطينيين لم يكونوا ضحية حملة اعتداءات "إرهابية" واسعة وقف خلفها مسؤولون إسرائيليون.

وختم الكاتب بالقول إنه في كل مراجعات الكتاب، والمقابلات والمداخلات العامة، لم تُذكر تلك العملية السرية التي قام بها إيتان وبن غال وداغان وشارون ولو مرة واحدة. حتى أن فكرة إمكانية تورط مسؤولين إسرائيليين في "الإرهاب" في مطلع 1980، تمّت معالجتها على أنها بعيدة الاحتمال. أي، بمعنى آخر، كأن المعلومات التي كشفها برغمان في "انهض واقتل أولاً" لم تنشر ابداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها