الثلاثاء 2018/11/13

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

خوف جبران باسيل كما لم نعهد

الثلاثاء 2018/11/13
خوف جبران باسيل كما لم نعهد
تلقّف التيار الوطني الحرّ كلام نصر الله بمنتهى الهدوء (علي علوش)
increase حجم الخط decrease


ارتبطت صورة جبران باسيل، وصعوده السياسي، بجملة المكاسب التي حصدها رئيس التيار الوطني الحرّ (قبل عشر سنوات) ميشال عون، من التحالف مع حزب الله.

بقوّة الحزب، استطاع عون تعطيل تشكيل الحكومات لأشهر عديدة، كرمى عيون "صهر الجنرال". وعطّل حزب الله فيما بعد الإنتخابات الرئاسية لسنتين ونصف السنة، كرمى عيون الجنرال.

 

غذاء الحزب

اكتسب باسيل نموّه السياسي من غذاء الحزب. ووصل إلى مكانة "الوزير الأول" في لبنان، كنتاج تسوية دولية مع حزب الله، كان شعارها الحفاظ على الإستقرار اللبناني. وهذه التسوية هي التي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. همّ باسيل الآن الحفاظ على هذه التسوية والمعادلة التي تحكمها، للحفاظ على حظوته، راهناً ومستقبلاً.

 

توّج باسيل مساره السياسي تحالفاً مع تيار المستقبل، فمدّ يداً للحزب وأخرى للرئيس سعد الحريري، متأملاً البقاء ما بين المنزلتين، متوازناً على حبل تسوية، لا تهتز ولا تتعرض إلى تغيرات دراماتيكية. المسار السياسي في السنوات الأخيرة، وتحديداً في حقبة الربيع العربي، عمّق تحالف حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وصلّب التلاقي بين رؤيتيهما، ووسع مساحة التقريب بين جمهوريهما، تحت شعار مواجهة "الإرهاب والتكفير". لعب حزب الله على حساسيات شيعية، فيما لعب باسيل على حساسيات مسيحية، وما زالت مستمرة في مقاربة ملف اللاجئين. كان حزب الله في ذروة استفادته مسيحياً، بالإستناد إلى مواقف باسيل، التي حوّلت الحزب في الساحة المسيحية إلى قائد التحرر العربي من الإرهاب السنّي. فتلاقت غايات "الأقليات" على تطويق "الأكثريات".

 

لم يكن ذلك بعيداً عن توجهات دولية، وإن لم تكن معلنة. لكنها سمحت للحزب وباسيل تحقيق ما يريدانه، الأول في لبنان والخارج، والثاني في طموحاته السلطوية. لكن اليوم، ثمّة معادلات جديدة تطلّ برأسها، وتهدد طموحات باسيل جدياً.

 

ما كان قائماً في السنوات السابقة، لبنانياً وإقليمياً، استنفد حظوظ استمراره الآن. هذا ما تعلنه رزمة العقوبات على إيران بوضوح صارخ، وتسبب القلق والتوتر لحزب الله. وهذا ما يدفعه إلى التشدد مع حلفائه، لإلزامهم الوقوف إلى جانبه، في مواجهة أي موجة تغييرية جدّية في المعادلات المحلية والخارجية.

 

"ولّى زمن الدلع"

ما هو جليّ أن المنطقة تقف بين إبرام تسوية، أو الذهاب إلى تغيير المعادلات برمّتها. لبنانياً، يفضّل جبران باسيل الحفاظ على المعادلات كما هي، وتجديد التسوية الداخلية بأبعاد خارجية، على نحو يزيل الخطر الوجودي على حزب الله. فأي انقلاب على هذه التسوية، قد ينزع عن باسيل صفة "رجل المرحلة" وربما ينهي طموحاته الرئاسية.

 

اختصر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كل السجال بعبارة "ولّى زمن التواضع". وإذا ما قوربت هذه العبارة - المعادلة الجديدة، بلقاء نصر الله باسيل الذي لم يكن إيجابياً، فسنصل إلى خلاصة جديدة مفادها "ولّى زمن الدلع."

 

موقف نصر الله بالغ الوضوح، ويتوجه إلى الحلفاء والخصوم: "قفوا أمام المرآة، ليعرف كل شخص حجمه". ويكاد النائب آلان عون أن يختصر المشهد، بقوله: "حزب الله شو ما عمل بيخوّف، وهو كالأسد إذا نظرت إليه يشعرك بالخوف فكيف إذا غضب". تلقّف التيار الرسالة، وفحواها "ممنوع التلاعب".

 

في الترجمة السوسيولوجية لهذا الكلام، يعني أن الأقليات تخاف من بعضها البعض، وفق منطق القوة، لكنها لا تخشى الأكثريات. ويعبّر الكلام عن نظرة دونية تجاه الذات بمواجهة القوي (ما يذكّرنا بتهمة "الذمّية الجديدة")، بخلاف النظرة المقدّمة تجاه الأكثرية "السنية" التي يسهل تهشيمها سياسياً وإجتماعياً.

 

ومضمون "ولّى زمن التواضع"، يتضح في تلقّف التيار الوطني الحرّ لموقف نصر الله، ضمن حدود التأويل المهذب: وضعُ حدٍّ للتمادي وفتحُ باب الحلول. يسعى باسيل عبر تكريس هذا التفسير، إلى إبقاء نفسه كلاعب خط وسط، وكصانع للتوافق بين وجهات النظر، صوناً لحظوظ تجديد التسوية، التي تحفظ ما بناه.

 

المرجعية العليا

هذا يفسّر المبالغة، التي اعتمدها التيار الوطني الحرّ، في تلقّف كلام نصر الله بمنتهى الهدوء، والتي تدلّ على تحسسه خطورة ما هو عليه حزب الله، وما يغضبه، وما يطلبه، وما يشترطه كاستحقاقات لا يمكن تجاوزها. وعلى سبيل المثال والمقارنة، ما تجرأ باسيل على إطلاقه كلاماً بحق برّي في مطلع هذا العام، مستحيل أن يتفوه به تجاه نصر الله. أيضاً، هجوم (أو تهجّم) باسيل على رؤساء الحكومات، وضرب الطاولات في عين التينة، أو السراي الحكومي، لا يستقيم عند حزب الله. لأن الحزب، ببساطة، هو السلطة الفعلية في نظره ونظر الجميع، وهو المقرّر في اللحظات المفصلية التي تحتاج إلى مرجعية عليا في البلد، خصوصاً أن من أتى بعون إلى الرئاسة، هو حزب الله، ولا أحد غيره.

 

تأبّى نصر الله في خطابه لفظ اسم جبران باسيل، أشار إليه كـ"رئيس التيار الوطني الحرّ". هذا دليل على غياب الودّ الشخصي، ودليل سوء الإجتماع الأخير بينهما، خصوصاً أن باسيل ألقى في الفضاء العام عبارة مستهجنة: "حلّ العقدة السنية الشيعية". ما أثار حفيظة حزب الله. وتأكيد نصرالله أكثر من مرّة أنه "استقبل رئيس التيار الوطني الحرّ، لأنه مبعوث من قبل رئيس الجمهورية"، يعني أن اللقاء لم يتم بسبب العلاقة الثنائية كما كان في السابق.  

 

هذا هو مأزق التيار الوطني الحرّ الآن، كيف يمكن إبقاء الربط قائماً بين باسيل والجهات الغربية (والدولية) من ناحية و"التفاهم" مع حزب الله من الناحية الأخرى؟

أغلب الظن، هذا ما يفسر تحوّله من أكثر الهجوميين إلى أكثر العاملين على الوساطة واجتراح الحلول. يستميت لإبقاء المعادلة القائمة في لبنان، التي توفّر له تحقيق طموحاته، وتدبير علاقته بحزب الله، وعدم تجاوز الخطوط الحمر معه، بالتوازي مع صون العلاقة بالحريري والمجموعة الدولية.

جديد صفات باسيل: راعي التسويات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها