الأربعاء 2018/10/24

آخر تحديث: 06:08 (بيروت)

التعليم الخاص: تواطؤ الوزارة والمدارس على الأهالي والأساتذة

الأربعاء 2018/10/24
التعليم الخاص: تواطؤ الوزارة والمدارس على الأهالي والأساتذة
تمنع المدارس الاهالي من الاطلاع على الميزانية والتوقيع عليها (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
المعضلة ذاتها تتكرر مع كل مطلع عام دراسي، وها هي تعود إلى الواجهة: مشكلة الأهالي الاقتصادية مع المدارس الخاصة، والتي كانت قد تفاقمت منذ العام الفائت، عندما أقرّت سلسلة الرتب والرواتب، لتتذرع بها المدارس وتعمد إلى رفع أقساطها على نحو غير مسبوق، بحجة تغطية نفقات السلسلة، بل وصلت في بعض الأحيان إلى فرض زيادة بحوالي مليون وسبعمئة ألف ليرة.

وعلى الرغم من أن الزيادات التي عمدت المدارس إلى فرضها على الأهالي سنوياً منذ العام 2012، كانت بحجة تغطية نفقات احتمال رفع الرواتب والأجور، إلا أنها لم تأخذها بالحسبان، حين عادت وفرضت الجزء الأكبر من زيادة الأقساط العام الفائت، تزامناً مع اقرار السلسلة، علماً أن معظم المدارس تتمنّع حتى اليوم عن تطبيق القانون 46.

مثلث الأزمة
يقول الأمين العام لنقابة المعلمين في لبنان وليد جرادة في حديث إلى "المدن"، إنّ المدارس التي منحت جميع الحقوق للأساتذة، أي الرواتب وفق السلسلة الجديدة والدرجات الست، ما زالت لا تشكل نسبة مئوية يعوّل عليها. ومن ضمن هذه المدارس هناك من قام بدفع الدرجات منذ السنة الفائتة والبعض الآخر قام بتقسيطها على ثلاث سنوات. أما الجزء الكبير من المدارس فقد رفعت رواتبها وطبّقت غلاء المعيشة ورفضت منح الدرجات. إلى ذلك، ما زال العديد من المدارس يرفض تطبيق القانون برمّته. ويوجد أكثر من 1500 أستاذ متقاعد في السنتين الأخيرتين، يتقاضون تعويضاتهم من دون الدرجات، لأنّ مجلس إدارة صندوق التعويضات ما زال يتحفظ على دفعها.

في ظل هذه المشكلة المتفاقمة ينقسم أصحاب المصلحة إلى ثلاث فئات. فالمدارس من ناحيتها ترفض تطبيق القانون من دون إيجاد حلول للنفقات، سواء عبر فرض زيادة على الأقساط أو قيام الدولة بتمويل السلسلة. والأهل يطالبون ليس بوقف زيادة الاقساط فحسب، بل حتى بمراجعة جميع الزيادات التي حصلت في السنوات الست الفائتة. فيما يصر الأساتذة على تطبيق القانون 46 بكامل بنوده مع تساهل كبير لناحية تقسيط دفع الدرجات. أما الطروحات التي خرج بها اتحاد المؤسسات التربوية لتعديل القانون 46 عبر اللجان النيابية، كي يُصار إلى تطبيقه على أساتذة التعليم الثانوي من دون أساتذة التعليم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فـ"سيواجَه بشتى الأشكال"، حسب قول جرادة.

جردة حساب فاضحة
على الأرجح، الأهالي هم الواقعون في هذا المأزق. فهؤلاء عالقون بين فكّي كماشة المدارس الخاصة من جهة أولى، والتي ترفض الكشف عن الميزانية العامة السنوية، ووزارة التربية من جهة ثانية، التي "تغطّي" أو تتجاهل تجاوزات المدارس. فوفق أمين سر اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان جورج خير القارح، لا تكمن مشكلة الأهالي في سلسلة الرتب والرواتب بل في عدم احترام المدارس القانون الذي ينظم علاقة الأهل بالمدارس. فالأخيرة تمنعهم من ممارسة حقوقهم في الاطلاع على ميزانية المدرسة والتوقيع عليها، قبل إرسالها إلى وزارة التربية. إذ لطالما كانت المدارس تأخذ تواقيع الأهل على الموازنة "بالمونة" من دون الاطلاع عليها. لكن، منذ العام 2012، عمدت جميع المدارس إلى رفع الأقساط سنوياً بنسب فاقت حتى 10 في المئة، تحسّباً لإقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب، بيد أنّ المشكلة بدأت عندما أقرت آخر زيادة في العام 2017، حينها عمدت بعض المدارس إلى رفع الاقساط بنسب تفوق 30 في المئة. حسابياً، هذا يعني أن المدارس في السنوات الست الماضية نالت من رفع الأقساط لا ما يغطي سلسلة الرتب، بل أرباحاً كبيرة تستدعي اليوم مراجعتها، على نحو يؤدي إلى خفض الاقساط لا رفعها.

مخالفات موظفي "التربية"
ليس هذا وحسب، بل يتّهم القارح موظفين في وزارة التربية بالتواطؤ مع المدارس الخاصة. فمحامو الأهالي يتابعون مخالفات قام بها موظفون في وزارة التربية، إذ عمدوا إلى منح إفادات إلى بعض المدارس لتبرئة ذمتهم في الموازنة السنوية، تحت مسمّى أن النسبة المئوية صحيحة، بمعنى تثبيت 65 في المئة للرواتب و35 في المئة للأمور التشغيلية. لكن الخدعة تكمن هنا، فصحة النسب المئوية في الموازنة لا تبرّر صحة الميزانية في ما يتعلق برفع الأقساط. ما يريد الأهالي معرفته ليس النسب المئوية وكيف توضع في الميزانية لتبرير صحتها، بل معرفة الأرقام والمبالغ وكيف تصرف. الأمر الذي ما زالت المدارس تتشدّد في عدم الإفصاح عنه، رغم إلزامية القانون.

ووفق القارح، تعمد بعض المدارس إلى التلاعب بميزانيتها عبر تسجيل 21 أستاذاً لديها يدرسون مادة معينة برواتب خيالية تفوق 9 ملايين ليرة شهريا، لكن في الكشف الفعلي على تلك المدارس تبين أنّ لديهم 5 اساتذة فقط وبرواتب متواضعة.

وهذا مثال على مأزق الأهل بين فكيّ كماشة مدارس لا تكشف عن ميزانيتها، ووزارة التربية تغطي عليها.

أمام هذه الواقع أقنعت لجان الأهل بعض الأهالي بتسجيل الاعتراض في الوزارة، كي تسلك الأمور طريقها إلى المجالس التحكيمية. وعلى الرغم من تأخر الوزارة في إرسال طلبات الاعتراض وعدم المبادرة إلى تعيين أعضاء المجالس التحكيمية في المحافظات، استطاع الأهالي- عبر اللجوء إلى المجلس التحكيمي الوحيد في جبل لبنان وإلى قضاء العجلة- من وقف تجاوزات بعض المدارس، التي رفضت دخول التلاميذ إلى الصفوف أو عدم تسليم الإفادات، ووقف زيادة الأقساط الى حين حل المشكلة. لكن "خشبة الخلاص" هذه ليست كافية للأهل، وهناك محاولات لتعطيل المجلس التحكيمي الوحيد في بعبدا، إذ تبادر إلى مسامع لجان الأهل أن الأب بطرس عازار المسؤول عن اتحاد المدارس قد ينسحب من المجلس كي يصبح معدوم الصلاحية في اتخاذ القرارات.

التعليم الرسمي ليس بديلاً
في المقابل، ليس جديداً القول إن نظام التعليم الرسمي في مرحلتيه الابتدائية والمتوسطة في حال سيئة، ويفتقد إلى أبسط المقومات لتشجيع الأهل على تسجيل أبنائهم في مدارس الدولة. فالأخيرة لا تلبي طموحات الأهل في توفير مستوى تعليمي لائق لأبنائهم، خصوصاً لمتوسطي الدخل وميسوري الحال منهم. وأبلغ دلالة على هذا الواقع أن معظم اساتذة التعليم الرسمي أنفسهم يلجأون إلى تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة، لتلقي العلم بالمستوى المأمول. وليس من السهل تخطي الواقع الحالي، حيث يوجد في لبنان أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة خاصة، تضم أكثر من 700 ألف تلميذ وطالب وأكثر من 45 ألف أستاذ، بينما تضم المدارس الرسمية فقط 300 ألف تلميذ وطالب، حسب احصاءات العام الدراسي الفائت.

حقيقة صادمة
وفق دراسات وضعتها لجان الأهل، يجب ألا تتخطى أقساط المدارس أربعة ملايين ليرة كحد أقصى. فمجموع الأقساط بهذه الحال لكل 12 تلميذاً في الصف الواحد تغطي جميع التكاليف التشغيلية والرواتب، بينما أقساط بقية التلاميذ في الصف ذاته تعتبر ربحاً صافياً للمدرسة (قد يتسع الصف لثلاثين تلميذاً). وحدها المدارس التي تستوعب ما لا يفوق 300 طالب قد تحتاج إلى رفع الأقساط، لكن المدارس التي تحتضن أكثر من ألف طالب فهي تجمع أرباحاً سنوية تفوق الـ12 مليون دولار.

هل تعرف وزارة التربية هذه الحقائق؟ ربما، لكن "المعرفة" أمر منفصل عن "الإرادة". وحتى يحين وقت المبادرة سيبقى التعليم عرضة لتجاوزات "بيزنس" المدارس الخاصة و"أسرارها" المالية، طالما أن تحسين مستوى التعليم الرسمي مجرد حلم وسراب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها