الثلاثاء 2018/10/02

آخر تحديث: 00:47 (بيروت)

السرطان يطير في هواء الكورة

الثلاثاء 2018/10/02
السرطان يطير في هواء الكورة
السرطان أصبح شبحّاً يخيّم على أهالي الكورة ويهدد أبناءها (الوكالة الوطنية للاعلام)
increase حجم الخط decrease

هل أصبح السرطان يطير في هواء الكورة؟ نعم. فهذا السؤال ليس ضرباً من المبالغة، بعدما بات عمل مصانع اسمنت شكا والمقالع والكسارات التابعة لشركتي "هولسيم" و"الترابة الوطنية"، لاسيما في كفرحزير، ينذر بالموت المحتّم لأبناء القرى الكورنية. الوضع في هذه القرى يُرثى له. في كلّ بيتٍ مريض مصاب بالسرطان. وفي أحسن الأحوال، تقتصر الاصابات على الأمراض الصدرية والجلدية والتنفسية ومشاكل في العيون.

يعود الحديث عن الكوارث الناجمة عن صناعة الاسمنت في الكورة لعشرات السنين. لكنّ "بطش" المقالع والكسارات في عملها، تفلّت من جميع الروادع والحدود. أخيراً، شهدت الكورة على سماع دوي انفجارات قويّة في بلدة كفرحزير، تبيّن أنّها ناتجة عن تفجيرات صخور داخل مقالع مصانع الاسمنت في شكا. ما أثار غضباً كبيراً، دفع أهالي كفرحزير للنزول إلى الشارع وقطع الطريق أمام شاحنات تابعة للشركات، مطالبين بوقف الفوري لعملها. فماذا يحدث؟

يشير رئيس لجنة البيئة في التجمع الوطني الديموقراطي جورج العيناتي، في حديثٍ إلى "المدن"، إلى أنّ دوي الانفجارات يُسمع يوميّاً بشكلٍ متواصل، على مسافة قريبة جدّاً من دير مارتقلا وبيوت المجيدل، "في المقلع الكبير والمرعب الواقع على مجرى نهر العصفور، الذي أصبح مفخخاً ومحفوراً لأطنان المتفجرات، تفجّر مجرى النهر، لتزيل تاريخه التراثي والأثري من الوجود". في هذه المقالع، تكون التفجيرات أقرب لهزّة أرضيّة يشعر بها أهالي المنطقة، وفق العيناتي، وهي جريمة من المفترض أن يعاقب عليها القانون، لاسيما أنّ مقالع مصانع اسمنت شكا مخالفة للفقرة 1-4 من المرسوم 8803 لتنظيم المقالع والكسارات.

يبدأ المقلع من مجرى نهر العصفور، وهذه جريمة بيئية بحدّ ذاتها. إذ كيف يقع مقلع على مجرى نهر بعدما أزالوا مجراه نتيجة المتفجرات؟ يسأل العيناتي مستنكراً، ويعتبر أنّ ثمّة جريمة موصوفة تعاقب عليها القوانين اللبنانية والدولية، بهدف إزالة التراب وصناعة الإسمنت. لكنّ الأدهى، "أنهم يصدّرون هذا التراب إلى الخارج، للدول التي أحسنت الحفاظ على ترابها وتحترم بيئتها وصحة أهلها، مثل الهند والدول الإفريقية وغيرها كثير".

الغبار والسرطان
عمليّاً، لا يكلف طن الاسمنت إلّا دولارات قليلة بالطريقة التي تعمل بها مصانع شكا. وهو ما يعتبر مسبباً أساسيّاً لمختلف أنواع الأمراض. ذلك أنّ "رمي الأتربة من ارتفاعات شاهقة ممنوع ومحرم دوليّاً، لأنّ الغبار الناعم الذي يتفاعل مع رطوبة الجو يسبب أمراض الدم". أمّا التخلص من الغبار السام، وفق العيناتي، فيكلّف دول العالم مئات ملايين الدولارات لدفنه بطرق آمنة، سواء أكان تحت مستوى المياه الجوفية أو بطرق أخرى. بينما في الكورة، "ينتشر الغبار السام فوق المياه الجوفية وبين البيوت السكنية، مع استخدام الوقود النفطي الثقيل في مصانع الاسمنت الذي يجري بين البيوت السكنية وعلى الشاطئ. ما يعتبر جريمة إبادة جماعية لسكان هذه القرى، في الوقت الذي يُباع فيه طن الاسمنت في لبنان بـ100 دولار أميركي، من أجل ارضاء المستفيدين ومرتزقة الفساد".

السرطان أصبح شبحاً يخيّم على أهالي الكورة ويهدد أبناءها. ففي كلّ بيت من بيوت كفرحزير هناك حالات مرضية واصابات سرطانية، نتيجة صناعة الأترنيت الذي يؤدي إلى غشاء في الرئة وأمراض صدرية وسرطانية. فبأي حقّ تعمل المقالع في كفرحزير وهي مصنفة مناطق بناء؟

غياب السلطة
يدرك أبناء الكورة وبلدياتها أن طبيعة هذه المنطقة فيها كثير من الموارد بامكانها أن تقدّم مئات أضعاف ما تقدّمه صناعة الاسمنت، وهي موارد بيئية دائمة ومتجددة يمكن استثمارها بعد تطهير أرضها من بؤر الدمار البيئي الشامل.

سابقاً، أخذ مجلس بلدية كفرحزير قراراً بمنع شركات الاسمنت من القيام بأعمال الحفر ونقل الأتربة في كامل أراضي كفرحزير، وتوقفوا عن العمل بضغط من أهالي البلدة، ثم اتخذ اتحاد بلديات الكورة قراراً يمنع إنشاء مقالع في جميع قرى الكورة. لكن ذلك لم يجدِ نفعاً. فكيف يجب أن تتوقف هذه المقالع؟ يعتبر العيناتي أنّ توقيف المقالع نهائياً عن العمل هو الحلّ الوحيد. فـ"مصانع الاسمنت يجب نقلها إلى السلسلة الشرقية، لأن من يستخدم وقود النفط الثقيل وفق قانون البيئة الدولي، يجب أن يبتعد عن التجمعات السكنية ما لا يقل عن 120 كيلو متراً متربعاً".

الخطيب يوضح
في الواقع، وقف عمل المقالع والكسارات يجب أن يكون بقرار يصدر عن محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا. وفيما يرفض نهرا التعليق، يشير وزير البيئة طارق الخطيب في اتصال مع "المدن" إلى أنّ الوزارة تخضع هذه المصانع للرقابة مع اتحاد بلديات الكورة، لاسيما مع انتشار كسرات البحص التي لا ترخيص لها. لكن، أين تقع مسؤولية الوزارة؟ يجيب الخطيب: "سبق أن قدمنا كتاباً نطلب فيه من المحافظ توقيف عمل المقالع والكسارات. وذلك، لأن وزارة البيئة لا تملك الضابطة البيئية والأداة على الأرض لتنفيذ قراراتها، التي هي من مسؤولية المحافظ وقوى الأمن والسلطات المحلية".

ما يحدث في الكورة، وفق الخطيب، يعود لعشرات السنوات. "نحن ضد ما يحدث بطبيعة الحال. والكورة من أكثر المناطق التي أعطيتها وقتاً وجهداً ومتابعة حثيثة". لكنّ ما تحتاج إليه، "هو قرار حازم من المعنيين بالتنفيذ، لوقف عمل المصانع والمقالع التي يعمل معظمها من دون تراخيص".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها