الأربعاء 2023/08/23

آخر تحديث: 20:35 (بيروت)

ملاحظات حول موجة المعارضة الجديدة في سوريا

الأربعاء 2023/08/23
ملاحظات حول موجة المعارضة الجديدة في سوريا
تظاهرات السويداء (صفحةالسويداء 24)
increase حجم الخط decrease
يتصاعد التفاؤل بين جمهور السوريين، خصوصاً المعارضين في هذه المرحلة، بفضل تصاعد الاحتجاجات في مناطق سيطرة النظام وتحولها إلى حالة جماهيرية مستوطنة في السويداء، وغضب في منطقة الساحل يتفجر بصيغ فردية حادة ومباغتة في جرأتها. لكن حالة الاستبشار العاطفي يجب ألا تدفعنا لإغماض العين عن المعطيات الصلبة للواقع السوري ورفع سقف التوقعات إلى مستوى إمكانية أن يسقط ذلك النظام.

إن الحالة اليوم ليست هي ذاتها في العام 2011، عندما كانت الاحتجاجات الداخلية هي التي تقود الأحداث. وذا شئنا الدّقة فهي اليوم ليست معطى ينظر فيه بجديّة من طرف صناع القرار، وانما يجري التركيز على علاقات القوة الإقليمية والدولية في سوريا وحولها، كمحدد أساس للصراع واتجاهاته. وعليه، فإننا نستطيع أن نتفاءل بأن موجة المعارضة الجديدة التي تعلو في الداخل السوري لتلاقي الموجة الأصلية التي انطلقت قبل اكثر من عقد، ستقود إلى نوع من الإجماع الوطني على فكرة أن لا حل للمسألة السورية بوجود النظام الحالي. وهذا الإجماع يمكن أن يكون مدخلاً لاستعادة التماسك الوطني وتطويره ليستعيد الشعب السوري القدرة على تقرير مصيره، وهذا سيحتاج إلى جهود منظمة ومضنية تستغرق وقتا طويلاً.

لم يبد نظام الأسد أي رد فعل استثنائي على الاحتجاجات الحالية، ولا يكمن السبب في ما قد يظنه البعض تهيباً وحذراً من خروج تلك الظاهرة عن السيطرة فيما لو واجهها العنف أو القمع الشديد، بل يعود سبب ذلك فعلياً إلى عدم الاكتراث، إذ أن مصيره لا يحدده متمردو السويداء أو محتجو الساحل، مهما بلغت مشاعر الغضب والاستياء من الشدة والاتساع. فقناعة رأس النظام ودائرته الضيقة تستند على أن بقاءه معتمد فقط على الدعم الإيراني والروسي، وسيبقى طالما أن لهاتين الدولتين مصالح في سوريا. وإذا ما فحصنا خطاب المحتجين، سنلاحظ أنه مُعادٍ بشدّة لما وصف بالاحتلالات، وعليه من الصعب أن تقدم الظاهرة الحالية لهاتين الدولتين بدائل مقبولة أو منافسة لنظام الأسد.

ما قد يبدو أسوأ من ذلك، هو أن الاحتجاجات يمكن أن تكون أداة تساعد النظام على إدارة علاقته مع حليفيه اللذين يضيقان عليه بشدة ويحرمانه من أي هامش مناورة أو سلطة. وما قد يكون الأكثر سوءاً هو أن يتعمد هذان الحليفان استثمار هذه الأزمة وتعميقها، لانتزاع مكاسب ذهبية، عبر اتفاقيات طويل المدى تطاول سيادة البلاد ومواردها.

تلفت البنادق المرفوعة في احتجاجات السويداء، كما التهديد بالسلاح المتوافر في كل بيت في الساحل من قبل النشطاء هناك، النظر إلى خيار العسكرة، وإمكانية أن تنزلق الأمور نحوه. وهو، في تصورنا، لا يمثل، حتى إن حدث، تهديداً ذا قيمة للنظام، حتى لو افترضنا أن جزءاً من الجيش أو القوى الأمنية انشقّ، كما في أمنيات بعض المتفائلين. يجب أن نتذكر أن القوة العسكرية الضاربة في سوريا هي ليست الجيش والقوى الأمنية، بل الحرس الثوري الإيراني ومليشياته متعددة الجنسيات، و"حزب الله" وسلاح الجو الروسي، وهي كفيلة بردع أي تمرد داخلي من أي مستوى ونوع كان.

إن وجود هذه القوى العسكرية لا يحمي النظام فقط من أي ضغط داخلي، بل يمنعه أيضاً من إجراء أي إصلاح أو تغيير يمسّ بمصالح وسياسات إيران على وجه التحديد في سوريا. ولا نبالغ اإذا قلنا أن بشار الأسد لا يملك حتى حق التنحي عن السلطة، وأن الترابط الشديد بين وجوده ووجود ايران في سوريا، له وجه آخر أشد قتامة، هو أن وجود إيران ومشاريعها المستقبلية مرتبط به، ومن بين تلك المشاريع تحطيم وإخضاع الطائفة العلوية، التي ما زالت تشكل مركز قوة مستقل وناتئ في الجغرافيا السياسية السورية الممهدة. وهذا يمرّ بسحق قوة الطائفة وممارسة العنف عليها كطريق لاستتباعها وجعلها قاعدة اجتماعية لدولة الولي الفقيه، وهذا أيضاً يمكن أن تتيحه مواجهة بين الطائفة ومؤسسة النظام تسمح للمليشيات الإيرانية بالتدخل وفرض إرادتها هناك أيضاً.

إن سوق هذه الملاحظات لا يرمي إلى التقليل من أهمية الاحتجاجات في حال من الأحوال، ففيها ما لا حصر له من المعاني التي يشتهيها معظم السوريين، ومنها على سبيل المثال أنها تضع مبتدأ جماع وطني حول الموقف من نظام الأسد بوصفه الإشكالية الرئيسية في الاجتماع السوري. والكلمة المفتاحية التي ما فتئت تزداد استخداماً من قبل نشطاء موجة المعارضة الجديدة، هي أن رأس النظام "كاذب"، وهذا سيقود في النهاية إلى اعتراف الفئات التي أيدت النظام بأنها "خُدعت" على الأقل. ومن هذا الباب ربما تعبر المصالحة العتيدة لاحقاً، ونقول "ربما" و"لاحقاً"، لأن الطريق ما زال طويلاً، لكن الهمم والحماس يبدوان عاليين.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها