الجمعة 2023/03/31

آخر تحديث: 07:59 (بيروت)

ترامب ما بين السجن والرئاسة

الجمعة 2023/03/31
ترامب ما بين السجن والرئاسة
increase حجم الخط decrease

 



ترامب متهمًا...

 كلمتان وحدتا عناوين الأخبار في أميركا كلها، وفتحتا صفحة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة الذي لم يسبق لها أن شهدت الادعاء الجرمي على رئيس سابق طوال 247 سنة منذ الإستقلال. فبعد سنتين ونيّف على خروجه من البيت الأبيض، وخمس سنوات على ادانة محاميه السابق مايكل كوهين وسجنه، وثماني سنوات ونصف على انتخابه (لولاية واحدة)، وبعد 17 سنة على ارتباطه بعلاقة جنسية عابرة مع ممثلة أفلام اباحية، وجّه الادعاء العام في دائرة مانهاتن بولاية نيويورك أول تهم جنائية الى دونالد ترامب منهيًا أشهرًا حافلة من الترقب ومن التكهنات التي روجها المتهم نفسه والأوساط المحيطة به.

وكما هو متوقع استنكر ترامب قرار الادعاء عليه الذي اتخذته هيئة المحلفين الكبرى في مانهاتن بعد أكثر من ثلاثة أشهر من النظر في الأدلة والإستماع الى الشهود والمداولات، وأعتبره ملاحقة سياسية له تقودها إدارة الرئيس جوزيف بايدن والحزب الديمقراطي و "عدوانًا على الأمة" وتدخلًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتعهد بالحاق الهزيمة ببايدن وبالمدعي العام آلفن براغ، وتسابق افراد عائلة ترامب واصدقاؤه وحلفاؤه في الحزب الجمهوري لإدانة القرار ورميّه بشبهة التسييس، وفيما نأى البيت الأبيض بنفسه عن الضجة الكبيرة كانت ردة فعل الديمقراطيين متحفظة وخلت من أي شماتة أو ابتهاج وسط دعوات من قياداته في الكونغرس لإتاحة المجال أمام العدالة لتأخذ مجراها.

في الوقائع، وعلى ذمة مصادر مطلعة متعددة، وجهت هيئة المحلفين حوالي ثلاثين تهمة جنائية لترامب الأبرز فيها مخالفة القانون الإنتخابي والتحايل الضريبي وهما كافيتان للحكم عليه بالسجن والغرامة، إن لم يتوصل الى تسوية مع الادعاء العام، وهذا مستبعد جدًا، وسيكون عليه التوجه الى مقر المحكمة في أقرب وقت (توقعت المصادر أن يكون ذلك الثلاثاء المقبل) ليتم تنظيم محضر توقيف بحقه وأخذ بصماته وصورة شمسية له لضمها الى الملف قبل إطلاق سراحه بكفالة شخصية بعد تحديد موعد أول جلسة، وقال مكتب المدعي العام في بيان أنه تواصل مع محامي ترامب لترتيب إجراءات توقيفه.  وهكذا سيواجه ترامب، الذي بنى جزءً كبيرًا من شهرته وثروته في المحاكم حيث حقق رقمًا قياسيًا في عدد الدعاوى القضائية التي كان طرفًا فيها وبلغت أكثر من 1300، تهمًا جنائية للمرة الأولى في حياته.

قانونيًا، إنطلقت الدعوى المرفوعة ضد ترامب من قضية لا يعاقب عليها القانون أصلًا، فلا العلاقة الجنسية العابرة ولا دفع أموال لإرضاء صاحبة العلاقة ومنعها تعاقديًا من افشاء معلومات عنها تعتبر مخالفة قانونية، لكن الطريقة التي سدد بها ترامب المبلغ الذي دفعه، وهو 130 الف دولار لنجمة أفلام الجنس ستيفاني كليفورد، المعروفة باسم ستورمي دانيالز، تسببت له بالمتاعب. عندما احرز ترامب تسمية الحزب الجمهوري له كمرشح للرئاسة عام 2016، تناهى اليه أن دانيالز ستروي قصة علاقتها معه عندما كانت زوجته ميلانيا حاملًا عام 2006، فأوعز الى محاميه المقرب كوهين بترضيتها واسكاتها، لكنه أورد المبلغ الذي دفعه لها في كشوفاته الضريبية كأتعاب محامي، أي كنفقات عمل، وهذا ما تم اكتشافه عند فتح التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات 2016، والذي اجراه المدعي العدلي الخاص روبرت موللر وأدى الى محاكمة كوهين وادانته وسجنه ثلاث سنوات، فيما بقي الملف مفتوحًا لعدم جواز الادعاء على رئيس وهو في السلطة.

سياسيًا، سيزيد الادعاء من الإنقسام السياسي العمودي في أميركا، لكن مجرد صدوره يعني أن القضاء كجزء من المؤسسة السيادية أو ما يحلو لترامب تسميته بالدولة العميقة، يمتلك من الثقة ما يكفي للسير بالقضية حتى النهاية على الرغم من كل التهويل الذي مارسه ترامب وبلغ به حد التهديد بانتشار الخراب والموت اذا تم الادعاء عليه. واذا كان من المبكر الحكم على ردة الفعل في الشارع الذي حضه ترامب على التظاهر لـ "حماية الأمة" فإن الساعات الأولى التي أعقبت الإعلان مرت بسلام ولم تسجل أية تظاهرات أو احتجاجات أو مسيرات تذكر، ولعل ما حصل بعد هجوم انصار ترامب في السادس من كانون الثاني / يناير 2021، على مبنى الكونغرس بدعوة منه للإنقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتعرض أكثر من الف منهم حتى الآن للسجن والمحاكمة والإدانة، يدفع غلاة المتعصبين له الى التروي قبل ارتكاب اعمال مخلة بالأمن قد تودي بهم الى مصير مشابه.

إنتخابيًا، سيؤدي الادعاء على ترامب الى تكريسه كأبرز المتنافسين على تزكية الحزب الجمهوري لإنتخابات الرئاسة 2024، فالإدعاء وحتى الحكم في القضية لا يحرمان ترامب من حق الترشح، فيما سيؤدي الادعاء عليه، وإن لم يكن عن قصد، الى تحويله الى "ضحية مستهدفة" من الحزب الديمقراطي وهذا ما سيعزز تعاطف الجمهوريين والمحافظين معه ويحرم أي شخصية أخرى من أية فرصة لمنافسته في الانتخابات التمهيدية التي ستبدأ بعد أقل من سنة. لذلك بكّر ترامب بإعلان ترشيحه محاولًا إصابة ثلاثة عصافير دفعة واحدة، اولًا استخدام تهمة التسييس، ثانيًا استباق أي ادعاء كي لا يتعرض لضغوط لعدم الترشح بعده، أما الثالث فهو احتكار وضعية رأس الحربة في المواجهة مع الديمقراطيين والطعن في أي مرشح ينافسه. ولم يفوت ترامب فرصة الإستثمار الفوري في القضية وباشر باطلاق أوسع حملة تبرع لحملته الانتخابية بمجرد اعلان الادعاء.

صحيح أن الادعاء على ترامب سابقة تاريخية، وأن احتمال ادانته وارد في قضية سبق أن ادين شريكه فيهاـ لكن المتابعين لشؤون الرئيس السابق يرون أن هذه الدعوى هي أقل متاعبه القانونية شأنًا وإن كانت الأولى زمنًا، فهناك العديد من الدعاوى والقضايا المحيقة به وأبرزها التحقيق العدلي الذي يجريه المدعي الفدرالي الخاص جاك سميث عن سرقة الوثائق السرية والتحريض على اقتحام الكونغرس، والتحقيق في تدخله لتزوير نتائج الانتخابات في ولاية جورجيا، حيث العقوبات في هذه الدعاوى أقسى وأكبر.



 

        

        

   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها