الأربعاء 2023/03/22

آخر تحديث: 05:54 (بيروت)

نقابة الصحافيين وسلطة مطلقة إلا قليلاً

الأربعاء 2023/03/22
نقابة الصحافيين وسلطة مطلقة إلا قليلاً
خالد البلشي الفائز في انتخابات نقابة الصحافيين المصريين
increase حجم الخط decrease

جاءت نتائج انتخابات نقابة الصحافيين المصرية بحزمة من التبعات وردود الأفعال. أوضحها كانت نبرة الأمل، والتي ارتفع صوتها على خلفية الفوز غير المتوقع للصحافي اليساري، خالد البلشي، بمنصب النقيب، في منافسة مع مرشح النظام، أو بالأحرى مرشح الدولة. الأمل يأتي من تبيان أن كل سلطة وأي سلطة لا تستطيع أن تكون مطلقة، ولا هي ملمّة بكل شيء ولا قادرة على كل شيء طوال الوقت، مهما ادعت ذلك أو سعت إليه. فـ"تيار الاستقلال" فاز، على الرغم من كل وسائل الترهيب والترغيب التي تملكها أجهزة النظام.

بوصفها مؤسسة نقابية وبوصفها فضاءً، لطالما عكست نقابة الصحافيين رمزية مزدوجة، فيها العديد من التناقضات. فمن ناحية كان مبنى النقابة في عهد مبارك، موقعاً معتاداً وشبه آمن لتظاهرات المعارضة، بل وكاد أن يكون قريناً بفعل التظاهر نفسه في مرحلة بعينها. اكتسبت صور الاحتجاجات الصغيرة على سلالم النقابة والمحاطة بأعداد كبيرة من رجال الأمن، هالة أيقونية، فيها تكون حرماً، وفيها أيضاً دلالة على عزلة المعارضة بفعل محدودية قدرتها على الحركة أو الانتشار المحكوم بنطاق درجات مدخل النقابة.

في عهد مبارك، كانت نقابات الياقات البيضاء، مصدراً لصداع مستمر للنظام، وكان يتعامل معها في معظم الأحيان بإجراءات حلّ مجالس إداراتها وتجميدها. بشكل ما، أتاحت النقابات للطبقات الوسطى المهنية والمستقلة مادياً، مجالاً للتنفيس عن طموحاتها في المشاركة السياسية، وكانت في الوقت ذاته مساحة لحصار تلك الطموحات وتعطيلها، بحكم قواعد لعبة معروفة حدودها مسبقاً. وعلى خلاف نقابات مثل الأطباء والمهندسين، التي داومت جماعة "الإخوان" على الفوز بانتخاباتها، كانت نقابة الصحافيين مثالاً على إمكانية الإفلات من خيار ثنائية النظام أو الإسلاميين.

هنا، علينا تذكّر أن جل منتسبي النقابة كانوا بشكل تاريخي من موظفي المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة. وبفعل تلك الاعتمادية شبه الكاملة على المال العام، تحدد النشاط النقابي في سياق مساومة غير متكافئة بين تسويات مالية وامتيازات معنوية مع النظام، وبين ترويض النظام لانتلجينسيا الدولة ممثلة في صحافييها.

ولئن أمسى هذا كله ماضياً، فإن الاستثنائي في الانتخابات الأخيرة هو أن تلك المساومات التقليدية لم يعد لها مكان في عرف نظام الحكم اليوم، فلا مجالات للتنفيس ولا المقايضة ولا حتى للفعل الرمزي. وعلى تلك الخلفية، فإن نتائج الانتخابات تُعدّ هزة مفاجئة لصورة السلطة بلا شك. لكن لا ينبغي تحميلها أكثر مما تحتمل، ولا الإفراط في تأويل معانيها. فالنقابة تظل ساحة سياسية من الدرجة الثانية، وبالأساس لا يقدم الفائزون أنفسهم تحت شعار المعارضة بل تحت راية الاستقلال، أي مقاومة الانسحاق الكامل أمام النظام وتعليمات أجهزته الأمنية.

بهذا، يظهر انتخاب البلشي في شطر منه، ترجمة لرغبة غالبة بين الصحافيين في أخذ مسافة أبعد من النظام، لا الخوض في معارضته. بحيث يكون الفعل الأكثر تسييساً المتوقع من مجلس الإدارة الجديدة، هو نزع التسييس عن العمل الصحافي. أي رفض السياسة بمعناها المفروض من أعلى، وذلك لصالح حد أدنى من الاستقلال المهني.

حالياً يصعب تصور أن تتكرر ظروف وسياقات انتخابات الصحافيين، في نقابات أخرى، أو أن يتم نسخ انتصاراتها في ساحات السياسة الأوسع. أما النظام، وفي سبيل التخفيف من وقع خسارته، فيلوح بالنتائج التي جاءت في غير صالحه، كدلالة على سعة صدره مع معارضيه. ويظل التحدي الأكبر أمام البلشي ورفاقه في مجلس النقابة، ومعهم المعنيون بالشأن العام، هو العمل بدأب وانتهاز كل فرصة متاحة، لحلحلة الوضع القائم وخلخلة القبضة المطلقة للنظام، عبر الاشتغال على الشروخ ومناطق البين-بين ونقاط الهشاشة في هيمنة السلطة على المجال العام، واكتساب أصغر مساحات "الاستقلال" وتوسيعها وتشبيكها بعضها ببعض.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها