الإثنين 2023/02/27

آخر تحديث: 13:35 (بيروت)

"مُعاوية" وامتحانُ التسليمِ بالتَغايُر

الإثنين 2023/02/27
"مُعاوية" وامتحانُ التسليمِ بالتَغايُر
مسلسل "معاوية" التلفزيوني مَثارَ فتنةٍ قَبْلَ أن يُعرَض (لوحة معركة كربلاء بمتحف بروكلين- الإنترنت)
increase حجم الخط decrease

يَطْرحُ التوجّسُ الواسعُ النطاق من مسلسلٍ موضوعُه معاوية بنُ أبي سفيان أُنْتجَ للتلفزيون وأُعْلنت نيّةُ عرضِه في شهرِ رمضان المقبلِ، مشكلةً غائرةً في عمقِ العلاقةِ بين الجماعتين الإسلاميّتين الكبريين، السُنّةِ والشيعة: في حاضر هذه العلاقة وفي ما يتعدّاه إلى بنيتِها العامّة. بل إنّ هذا التوجّسَ (وهو يستبقُ الإلمامَ بما سيتكشّفُ عنه المسلسلُ من مواقفَ حيالَ الشخصيّةِ التي هي مَدارُه ومن تناولٍ للنزاعِ الفاصلِ في تاريخ الإسلام وقد كانت هذه الشخصيّةُ في الصدارةِ من الطرف المتغلّب فيه) يطرحُ موضوعَ التسليمِ أو عدَمِه بالحقِّ الأصليِّ لكلٍّ من الجماعتين في التعبير، على رؤوسِ الأشهادِ، عن مَواطنِ التغايرِ بين موقفِها والموقفِ الذي يواجِهُه في مسائلَ تنتمي إلى أصلِ الافتراق بين الجماعتين: أي أصلِ انفراد كلٍّ منهُما بهُويّةٍ لها، لا أكثرَ من ذلك ولا أقَلّ.

فإذا ظهرَ من المُعاينةِ أنّ التسليمَ بهذا الحقِّ محفوفٌ بقيودٍ وتحفّظاتٍ تودي الاستهانةُ بها إلى تأجيجٍ قليلٍ أو كثيرٍ لفتنةٍ شهِدْنا منها فصولاً قريبةً داميةً ولا تزالُ مسارحُها مهيّأةً وأسبابُها موفورة، جازَ السؤالُ عن ماهيّةِ تلك القيودِ والتحفّظاتِ وعمّا تَشي به من موقعٍ أو مواقعَ ومن إشكالٍ ماثلٍ في مضمار رئيسٍ من المضامير التي ترسم الصورةَ الأساسيّة للمجتمعات، بما فيها الوجهُ السياسيُّ: وهو مضمارُ "التغايرِ" وكيفيّاتِ قبولِه ورفضِه ودرجاتِهما ومقاومتِه للتاريخِ أو خضوعِه له والمغزى الأعمقِ أو الأعمِّ (ولنَصِفْهُ بـ"الحضاريِّ") لهذا كلّه.

ثمّة فائدةٌ في الإشارةِ إلى مفارقةٍ يوضحُها التنويهُ، ولو استطراداً، بالاختلافِ الظاهرِ والشبهِ العميقِ ما بين الأزْمةِ التي أثارَتْها تكراراً رسومٌ ماسّةٌ بنبيِّ الإسلامِ نُشِرت في بعضِ الدولِ الأوروبيّةِ وما أسْفَرَت عنه: بين اغتيالٍ للرسّام الفاعل وهجومٍ مسلّحٍ دامٍ على الصحيفة الناشرة، وتلك المتوقّعةِ الحصول أو المتحسّبِ من حصولِها، في الأقلّ، من جرّاءِ عرضِ المسلسلِ التلفزيونيِّ "معاوية". في هذه الحالةِ الأخيرةِ، نحن في العالمِ الإسلاميِّ نُواجهُ الحالَ الراهنةَ لشبكةِ العلاقاتِ بين أطرافِه وديناميّاتِها المعلومةَ أو المرجَّحة. نحن أيضاً حيالَ عملٍ تلفزيونيٍّ بما تشيرُ إليهِ هذه الصفةُ، في عصرِنا، من سعةٍ في دائرةِ المشاهدةِ والانفعالِ يزيدُ منها كثيراً وقوعُ الموضوعِ في أصلِ الشقاقِ المذهبيِّ الذي بقيَ، على اختلافِ الفصولِ والتجلّياتِ، يخترقُ العالَمَ الإسلاميَّ في مَدى تاريخِه.

تدلُّ المقارنةُ على أنّ سِمَتينِ تميّزانِ حالةَ الرسومِ والرسّامينَ قَصّرَتا (بخلافِ ما قد يُفتَرَضُ) عن دَرْءِ العنف أو عن الحُؤولِ دونَ بُلوغِه ما بلغَ من ذروة. السمةُ الأولى انحصارُ شرارةِ النزاعِ في رسمٍ وصحيفةٍ (بِما يَسِم هذينِ من ضيقٍ نسبيٍّ في دائرةِ التأثيرِ بالقياسِ إلى تأثيرِ الروايةِ المتلفزةِ) والسِمةُ الثانيةُ وقوعُ الفعلِ في خارجِ "دار الإسلام": في ديارٍ يجدُ المسلمون أنفُسَهم قلّةً فيها، يحمِلون، في صورتِهم عندَ أهلِها وفي تصوّرِهم لأنفُسِهم، أوزاراً من إرثِ المغالبةِ التاريخيّةِ بين بلادِهم الأصليّةِ والبلادِ التي حطّوا فيها رحالَهم وأصبحوا بعضَ مُواطنيها. يجوزُ التذكيرُ ههُنا بما لَقِيَه سلمان رشدي أيضاً، وهذا مع أنّ أصْلَه الإسلاميَّ، مقروناً بانتمائه البريطانيِّ المكْتَسبِ، مثّلَ بعداً مضافاً إلى ما نقعُ عليه من أبعادٍ لحالاتِ الصحف والرسوم.

هذا كلُّه لا يُبْطلُ ما للتلفزةِ من امتيازٍ لجهةِ الاتّساعِ في نطاقِ التأثيرِ وتنوّع الأوساطِ المتلقّيةِ ولكنّه يشير، عند المقارنة بين حالة الرسوم الأوروبيّة تلك وحالة المسلسلِ الذي نحن في عين عاصفته اليوم، إلى وجودِ الصاعقِ، في كلِّ حالةٍ، في موقعٍ بعينِه هو، على التحديدِ، موقعُ الاختلاف المعتبر أصليّاً بين مجتمعاتٍ أو جماعاتٍ تحتجُّ وتهدّدُ وأخرى يستهدفُها التهديدُ والوعيد. جديرٌ بالتنويه، من بعْدُ، أنّ "الأبحاث"، أي ما يُنْسَبُ إلى "العِلْمِ" (بالحقِّ أو بالباطلِ) من أعمالٍ منشورةٍ يبدو واقعاً بمعزِلٍ من هذه المنافسةِ بين الرسومِ والأشرطة، إذ لم يؤثَر أنّ ما ينْشرُ في خارجِ العالَمِ الإسلاميّ من كتبٍ ومقالاتٍ موضوعها الإسلام تخالف صراحةً أسس المعتقَدِ الإسلاميّ (وهذا يحصُل من قرونٍ وأصبَحت حالاتُه لا تُحْصى) قد أثارَ يوماً، لا الردّ بالعنْفِ وحَسْبُ، بل الشهيّةَ لمجرّد المناقشة. هذا أيضاً (وقد أشرنا إليه في مقالةٍ سابقةٍ) أمرٌ له دلالتُهُ وعواقِبُه.

بّيِّنٌ، في واقعِ الحالِ، أنّ نبيّ الإسلام هو العنوان الأمثلُ للمواجهةِ حين تكونُ المواجهةُ بين مسلمينَ وبين غربٍ مصنَّفٍ على أنّه خصمٌ لهم. فإلى تاريخِ الاستعمارِ الغربيِّ وإلى تواصُلِ الشعورِ السهلِ التحصيلِ بدونيّةٍ تَصِمُ مواقعَ البلادِ الإسلاميّةِ في عالَمٍ يبدو الغربُ قابضاً على مقاليدِ نظامه، يسودُ جماعاتِ المسلمينَ، وهي المعرِّفةُ نفْسَها بدِينها، فَرْضيّةٌ مفادُها أنّ الغربَ مسيحيٌّ "ولو طار!"، وهي فَرْضيّةٌ لا تُعْوِزها الأسانيدُ... ولا تُعْوِزُ ضِدَّها بطبيعةِ الحال.  تحسُنُ الإشارةُ – استطراداً، مرّةً أخرى! – إلى شَبَهٍ حاصِلٍ ما بينَ هذه الفرضيّةِ "الإسلاميّةِ" وتلك "الشيعيّةِ" القائلةِ بأنّ أهلَ السُنّةِ "أمويّونَ" "ولو طاروا" أيضاً! وهذا مع أنّه لا يوجدُ موقفٌ تصحّ نسبتهُ إلى هؤلاء أو إلى فقهائهم المتصدِّرينَ أجْمَعينَ من شرعيّةِ "الخلافةِ" الأمويّةِ أو شرعيّةِ ما تَلاها من "خِلافات". ولكنّ "أهلَ السُنّة" هم من اخترع الخلافةَ الراشدة (وهو ما حَصَرَ "الحقلَ التاريخيّ" للخِلافِ السنّيّ الشيعيّ، وهو أيضاً ما أبطَنَ مُثولَ نوعٍ من "الغَيِّ" الأصليِّ في ما تَلا مَرْحلةَ "الرُشْدِ" تلك) ولكن غلبَ عندَهُم المَيلُ إلى تَسليم الأمر لولِيِّ الأمر، وإن جارَ، وهذا درْءاً للفتنةِ ودَفْعاً للسَيْبِ وحِفظاً  لـ"بيضةِ" الإسلام أن يَشدَّ الخروجُ على السلطانِ من أزْرِ عدُوّه. هذا فيما اختلفَ الموقفُ من السلطانِ، عبر تاريخِ الإثني عشريّة من الشيعةِ، ولكن مع البقاءِ على إنكارٍ غالبٍ لشرعيّةِ الخُلفاءِ المتعاقبين.  فَبْعَد أن عبَرَ الشيعةُ مرحلة "الثورات" التي استغرقت العصرَ الأمويَّ، على التحديدِ، ثمّ شهدت علاقةُ أئمّتهم بالأوائل من خلفاء بني العبّاس بعض التقلّب، شاعَ، على وجهِ الإجمالِ، بينَ الأعلامِ من فقهائهم، مع انقضاء عهدِ أئمّتهم الظاهرينَ وعبور جماعَتِهم من حالةِ "الحزبِ" المُعارضِ إلى حالةِ "المذهبِ" التامِّ الأوصافِ، ميلٌ إلى لزومِ السكينةِ ممتَنِعينَ عن جهاد السلطان، وإن لم يُقِرّوا له بالشرعيّةِ، وإلى الأخذ بالتَقيّةِ بانتظار ظُهور المنتظَر.

أهَمُّ ما في الأمرِ اختلافُ موقعِ "الجرح" النرجسيّ بين الحالة والأخرى: حالةِ التغايرِ في الدينِ أو في "الحضارةِ" وحالةِ التغايُرِ في المَذهب. فيَقَعُ الجرحُ في شخصِ النبيِّ حيثُ يكونُ "الغربيُّ" في المواجهةِ ويَقَعُ في شخصِ "الإمامِ" حيثُ تكون المواجهةُ سُنّيّةً شيعيّة. وذاكَ أنّ "معاوية" المسلسلِ ما كانَ ليستثير هذا الغبارَ كلَّهُ لولا أنّ حديثَ معاوية يوجبُ التطرّقَ حُكْماً إلى حديث عليّ. بل لعلّ "المسلسلَ" ما كان ليستوقفَ كثيراً لولا التحَسُّبُ الضِمْنيُّ من أنّه، وقد اتّخذَ معاويةً موضوعاً له، لا بدَّ أن ينطوي على محاولةٍ لفكِّ أَسْرِ الرجُلِ من الصراعِ مع عليّ وللعثورِ في سيرته على أبعادٍ أخرى، سابقةٍ أو لاحقةٍ،ِ قد يكونُ بينها – مثلاً – إحصاؤهُ في عِدادِ كُتّابِ الوحيِ، على عهدِ النبِيِّ، ثمّ استئنافُ الفُتوحِ (التي كانت قد توقّفت في خلافةِ عليّ) بعد استتبابِ الأمرِ له. وقد يكونُ بينها أيضاً الإرهاصُ بأبنيةٍ للدولةِ الإسلاميّةِ لم يكُنْ عرَفَها عهدُ الراشدين، وقد تابَعَها، بعْدَ معاوية، بَعْضُ مَن خَلَفَه من بني أميّة. بل إنّ الأنكى قد يكونُ أن يوفّقَ مخرِجُ المسلسلِ إلى عبارةٍ سينمائيّةٍ مستَمْلَحةٍ عن شَرَهِ معاوية المشهورِ أو عن تلكَ الشعرةِ الذائعةِ الصيتِ التي كان المذكورُ يشدُّها ويُرْخيها، إلخ : أي عن أيّ شيءٍ يُظهِرُ للرجُلِ وجهاً مستَظْرَفاً (ولو مُدْرَجاً بين وجوهٍ غيرِ محَبَّبة!) أو يُبْرِزُ ما كانَ عليه من مقدِرةٍ سياسيّة، مثلاً. 

هذا النوعُ من وقائعِ التاريخِ محظورٌ أن تسلّطَ الأنظارُ عليه فيَخْرجَ تاريخُ الإسلامِ من المَحْبَسِ المؤبّدِ الذي حَصَرَ الشرعيّة ومعها القيمةَ بينَ جُدرانِهِ وحَصَرَ النزاعَ عَلَيها في بضعةِ عُقودٍ واقعةٍ، على التقريبِ، بينَ سَقيفةِ بَني ساعدة وموقعةِ كربلاء، ثمّ غادر سائرَ القُرونِ الإسلاميّةِ في عُطْلٍ من القيمةِ أو في عُرْيٍ من الشرعيّةِ الأصليّةِ، سيبقى يَلُفُّها إلى يومِ الدِين!

ليسَ أدنى أهمّيّةً من ذلك كُلِّه أنّ اللهَ نَفْسه لا يستثيرُ، في وجهِ الغَرْبِ، حَمِيّةً إسلاميّةً اسْتَثارها رسولُه. فمَعْلومٌ أنّ ما يُنْسَبُ إلى الإلحادِ، بما فيهِ ما ينطوي على الطعنِ الصريحِ بالذاتِ الإلهيّةِ، لا تُحْصَرُ حالاتُه، في تلك الديارِ، ولا ما أثمرَهُ من أعمالٍ، سواءٌ منها ما تَعلّقَ بـ"الآبِ"، في الفهمِ المسيحيّ، أو بـ"الإبنِ" الذي لا يؤلّههُ المسلمونَ ولكنْ يُقَدِّسونَه.. أو أيضاً بإلهِ اليهودِ، ربِّ "إبراهيم وموسى". يَتْركُ المسلمونَ للهِ عقابَ من يُقْدِمُ على إهانتِهِ ولكنْ يَهْتفونَ: "إلّا رسولُ الله!". في نطاقِ العالَمِ الإسلاميِّ أيضاً، يحْصُلُ كثيراً أن يَجُرَّ التجديفُ على الأفرادِ عُقوباتٍ قُصْوى، ولكنّ الحذَرَ من فتنةٍ تُقْبِلُ عليها الجماهيرُ شيءٌ آخَر: وهذا حَذَرٌ لا يظهر إلّا حين يُطْرحُ في الساحةِ العامّةِ كلامٌ يتناولُ "الشَيْخَينِ" أو أمَّ المؤمنينَ عائشة، على الخصوصِ، بِما يُخالِفُ موقفَ أهلِ السنّةِ، أو كلامٌ يتناولُ الإمامَ عليّاً وأهلَ بيتِهِ بما يعارض موقفَ الشيعة.  هذا ولا يغيّرُ في الأمر شيئاً أن يُقْرَأَ هذا الإخفاقُ في قبولِ التغايُرِ على أنّه عَرَضٌ من أعراضٍ مؤدّاها تَرَكُّزُ عالَمِ الجماعةِ الاعتقاديّةِ في ذاتها وأنّ التركّزَ مُنْتَهٍ بدورهِ إلى اقتناعٍ ضِمْنيٍّ بالانفرادِ بالحقِّ وبالقيمةِ... بل أيضاً بالانفرادِ بالوجود!

في هذا مشكلة! أو هُما مشكلتانِ، بالأحرى. الأُولى أنّه لا يَسَعك أن تدعو كُلّاً إلى الإدلاءِ بِما عندهُ في هذه الأُمورِ وأنتَ عالِمٌ بما لإطلاقِ العِنانِ هذا من عَواقبَ يبقى نصيبُ العَفْويّةِ ونصيبُ الافتعالِ فيها مَحَلّ نظر. عليكَ تَرْكُ الدعوةِ إلى إطلاقِ العِنانِ باسمِ حُريّةِ الرأيِ، إذن: يَرْدعُك عنها داعٍ واقعيٌّ أو عمَليّ. وأمّا المشكلةُ الأخرى، فهي في أنّ هذا التوجُّسَ بالذاتِ، يشي (أيّةً تَكُن وجاهتُه العَمَليّةُ) بضعفٍ أصليٍّ – فادحٍ! – في الرُشدِ العامِّ ويُصْدي لنقصٍ جَسيم في حُرّيّةِ التعبيرِ عن المعتقد. ففيهِ، في نهايةِ المَطافِ، ما يشبِهُ، مثلاً، مَنْعَ المسيحيّينَ، في بعضِ العهودِ الإسلاميّةِ، من دَقّ النَواقيسِ: بما ينطوي عَلَيهِ الدقُّ من إشهارٍ مُعَمّمٍ لعبادةٍ يُطْلَب كَبْتُها مع المعرفةِ بحُصولها. الخلافُ السُنّيُّ الشيعيُّ على ماجَرَيات "الفتنةِ الكبرى" معروفٌ هو أيضاً بتفاصيلهِ من الجِهَتَين. غيرَ أنّ مُسَلْسَلاً يَعْرِضُ بعضاً من قول جهةٍ من الجهتينِ في موضوعِ "الفتنةِ" تلكَ لا يُنْظَرُ إليهِ على أنّهُ "روايةٌ" تُقابِلُها أخرى، بل هو يُعَدُّ مَثارَ فتنةٍ قَبْلَ أن يُعرَض. وهو، مع الأسف الذي لا يُحَدُّ، قد يكون فعلاً فصلاً آخَرَ من فتنةٍ جارية...

بلتيمور في 26 شباط 2023

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها