الخميس 2023/02/16

آخر تحديث: 16:39 (بيروت)

الصرافة كمهنة..وهوية لبنانية

الخميس 2023/02/16
الصرافة كمهنة..وهوية لبنانية
increase حجم الخط decrease

 

لأن كل مواطن لبناني صرّاف، ولأن اللبنانيين تحولوا الى شعب من الصرافين، وصارت الصرافة مهنتهم الوطنية الأهم واختصاصهم الوظيفي الأضمن، لن تترك فورة الغضب التي عبّر عنها بعض ممن لم يسعفهم الحظ بعد للالتحاق بهذه المهنة،(الأقدم ربما في التاريخ)، أثراً يذكر في تلك المعركة النقدية الجهنمية التي يخوضها لبنان بأسره اليوم.

ورغم الحرائق المحدودة، وقطع الطرقات المتفرقة،  لم يعد انهيار قيمة الليرة اللبنانية سلاحاً من أسلحة الدمار الشامل، يستخدم بين الحين والآخر في المواجهة المفتوحة بين حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وبين المصارف، والصرافين، وخلفهم المسؤولين السياسيين والأمنيين.. طالما أن الجمهور اللبناني بغالبيته الساحقة متورطٌ او مشاركٌ مباشرٌ في عمليات المضاربة النقدية التي لم تعد تتوقف لا ليلاً ولا نهاراً.

  ولأن فقدان أوراق النقد الوطنية قدرتها الشرائية ووظيفتها السياسية يحظى بتلك الغالبية الشعبية التي لا ترى في الأفق أي حلول لأزمة لم يسبق لها مثيل ولا في أي بلد في العالم، ولا أي فرص لترميم الثقة بالليرة اللبنانية التي يجري تمزيقها هذه الايام بطريقة بشعة، يصبح التكهن بإن زوالها من الوجود نهائياً لن يكون مستبعداً، في المستقبل القريب الذي يفصل الدولة اللبنانية عن الافلاس التام.

ليست ظاهرة الدولرة الآخذة في الاتساع حالياً، علاجاً، ولا حتى مسكناً، بل هي عملية تأجيل لذلك الإفلاس الرسمي، وعملية إحتيال على خطط التعافي الحكومية المسحوبة من التداول، والتي لم يكن ينقصها سوى إضافة مادة تطلق حرية الصرافة الشعبية، بمختلف العملات الصعبة منها والسهلة، وتدرجها في ما بعد في نص الدستور اللبناني، مثلها مثل حرية الرأي والعقيدة والتعبير. الدولرة، التي تفرض العملة الاميركية كأساس نقدي وحيد للتعامل بين اللبنانيين، لن تكون مرحلة انتقالية بين الليرة الحالية الممزقة، وبين ليرة لبنانية أخرى (قد لا تحتفظ بهذا الاسم)، بل ستكون خاتمة لكل ما ترمز اليه الهوية اللبنانية من معانٍ، ومعالمٍ، ووظائف!

 لا يمكن نفي وجود شريحة لبنانية، من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية، تتعامل مع العملة الاميركية وتداولها المتزايد حتى في أبسط وأصغر التعاملات بين اللبنانيين، ليس فقط بإعتبارها ورقة مضمونة وآمنة مالياً وإقتصادياً، بل لإعتقادها انها توفر درجة ما من الأمان والاطمئنان السياسي..إذا ما قررت الادارة الاميركية مثلاً إرسال وحدات المارينز مجدداً الى شواطىء لبنان، لسبب أو لآخر، قد لا يكون على صلة مباشرة بالشأن الداخلي اللبناني!!        

مثل هذا التخريف ناجم عن اليأس المطلق، وعن التسليم بأن الازمة اللبنانية الراهنة تخطت كل التصورات الممكنة للحل. إفلاس الدولة وتفككها أصبح أمراً راسخاً، لا سيما بعدما اختار  المجتمع الدولي التمويل المباشر للمؤسسات كافة الامنية والصحية والتربوية والاجتماعية، لكي تستمر في تقديم الحد الادنى من الخدمات الضرورية للمواطنين، او الشرائح الأفقر والأضعف منهم.

خيار المجتمع الدولي هو أقصى ما يمكن توقعه الآن. الازمة تجاوزت فكرة البحث عن إعادة تكوين السلطة اللبنانية، عن طريق انتخاب رئيس جديد للجمهورية واختيار رئيس حكومة ووزراء يعملون معا، لاعادة اطلاق عمل الدولة ومؤسساتها. اللقاء الخماسي(الاميركي الفرنسي السعودي القطري المصري ) الذي انعقد في باريس قبل أيام، تحول الى ملتقى للتأمل الهادىء والتفكير العميق في السبل الممكنة لإقناع اللبنانيين بالإتكال على الله، ثم على أنفسهم، والاحتكام الى عمليتهم الديموقراطية التي ليس لها بديل... سوى المزيد من الفوضى!

والفوضى التي سيظل الملتقى الخماسي يحذر  منها في دورات انعقاده المقبلة في العاصمة الفرنسية، لن تخدم سوى حاكم المصرف المركزي والمسؤولين السياسيين الداعمين لبقائه في منصبه، والمصرفيين المتواطئين معه، وطبقة الصرافين التي تكاد تشمل اكثر من تسعين بالمئة من الشعب اللبناني، وهي تُضارب بالدولار الاميركي وكأنها تنتقم من الليرة اللبنانية.. التي لم ترتكب أي إثم أو خيانة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها