الأحد 2023/11/12

آخر تحديث: 06:51 (بيروت)

غزّة تهزم بايدن

الأحد 2023/11/12
غزّة تهزم بايدن
increase حجم الخط decrease

ما هو الثمن الذي سيدفعه الرئيس الأميركي جوزيف بايدن جرّاء دعمه المطلق لإسرائيل؟ هذا السؤال لم يعد مقتصرًا على همسات خافتة في الأروقة الحزبية ولا المراسلات الداخلية بين مديري ومسؤولي الحملات الانتخابية، خصوصًا بعد صدور نتائج عدد من استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسات بحثية وإعلامية مرموقة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، والتي أظهرت بوادر تصدع واضحة في التحالف الإنتخابي الذي أوصل بايدن الى البيت الأبيض عام 2020، ولن تقتصر مفاعيلها على سباق الرئاسة وحسب، بل تنذر بخسارة الحزب الديمقراطي لغالبيته الضئيلة في مجلس الشيوخ، ما سيعني في خروجه من السلطتين التنفيذية والتشريعية معًا.

مع استمرار الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة، وإصرار بايدن وادارته على رفض طلب وقف اطلاق النار أو الدعوة اليه، ومع سقوط المئات من المدنيين والأطفال الفلسطينيين المحاصرين يوميًا، بسبب القصف الوحشي الذي لا يوفر المستشفيات ودور العبادة والمؤسسات الإنسانية، وامتناع واشنطن عن ادانة تل ابيب أو حتى لومها، ومع مواصلة الجسر الجوي الذي يرفد إسرائيل بالأسلحة الفتاكة والذخائر المتطورة، تستمر حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني والمناهضة للحرب والإحتلال في جميع المدن الأميركية خصوصًا في واشنطن التي شهدت السبت الماضي أكبر مسيرة تضامنية شارك فيها أكثر من 300 ألف من العرب الأميركيين وانصارهم من البيض واليهود والملونين، في نيويورك التي اقفل ميدانها الرئيسي في وسط مانهاتن للمرة الثانية بألاف المحتجين وغالبيتهم من يهود المدينة. وكانت اللافتات السياسية التي رفعت في التظاهرات واضحة المغزى مثل "سنتذكر في نوفمبر" وهو شهر الانتخابات، "نحن هنا ... نحن نصوت"، و"صوتنا قوتنا".

لا يمكن للحزب الديمقراطي ولا لحملة بايدن الانتخابية تحديدًا التقليل من شأن هذه المواقف المعلنة نظراً لنتائج استطلاعات الرأي التي بيّنت تراجعًا كبيرًا في دعم شرائح واسعة له في ولايات حساسة ومتأرجحة الولاء، ستكون نتائجها حاسمة للوصول الى البيت الأبيض. ففي استطلاع اجراه المعهد العربي الأميركي (AAI) قال 17 بالمئة فقط من الناخبين العرب الأميركيين أنهم سيصوتون لبايدن مقابل 57 بالمئة عام 2020، كما انخفضت الموافقة على أدائه من 74 بالمئة عام 2020، الى 29 بالمئة فقط. كما انخفضت نسبة العرب الأميركيين المؤيدين للحزب الديمقراطي في الفترة ذاتها من 68 بالمئة الى 23 بالمئة، والملفت ان الذين تركوا الديمقراطيين لم ينضموا الى الحزب الجمهوري الذي لم يحقق اية مكاسب، بل فضلوا اعتبار أنفسهم مستقلين. تمثل هذه الأرقام معضلة حقيقة لحملة بايدن خصوصًا في ولايات ميشيغن وبنسلفانيا واريزونا التي يعتبر الصوت العربي الأميركي فيها مرجحًا، والتي فاز فيها بايدن بأقل من واحد بالمئة من الأصوات.

ولا يقتصر هذا التحول على العرب الأميركيين وحدهم، بل يمتد الى شرائح أوسع من فئة الشباب والسود والملونين الذين أبدوا تضامنًا ثابتًا مع قضية فلسطين، والذين زادت التطورات الأخيرة من امتعاضهم من بايدن والديمقراطيين، يظهر استطلاع أجرته شبكة (PBS) فالقين كبيرين يهددان حظوظ بايدن الأول بين الأجيال حيث يؤيد إسرائيل 86 بالمئة ممن هم فوق الستين من العمر مقابل 48 بالمئة ممن هم دون الثلاثين، والثاني عرقي، حيث يؤيد البيض إسرائيل بنسبة 72 بالمئة مقابل 51 بالمئة من البقية. كذلك تدهور تأييد بايدن بشكل ملفت بين الناخبين السود الذين كانوا حتى ما قبل طوفان الأقصى مستائين من سياساته الداخلية حيث تضاعف في عهده عدد العائلات الأفريقية الأميركية المصنفة تحت خط الفقر، ولا يجدون تجاوبًا مع مطالبهم الإنمائية والمعيشية بحجة عجز الموازنة وهم يرون تخصيص الإدارة لعشرات مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرائيل.

وما يفاقم معضلة بايدن أكثر أنه بنى إستراتيجيته النافرة على حسابات انتخابية تبين هزالها بسرعة. فهو عندما اتخذ موقفه الحاسم الى جانب إسرائيل، واندفع الى ابعد الحدود لإثبات ولائه الصهيوني الكامل، كان يهدف الى استعادة ما خسره الديمقراطيون من دعم تقليدي بين اليهود الأميركيين الذين صوتوا لترامب في انتخابات 2016 و2020 على خلفية إعطاء إسرائيل كل ما تريد، وحقق أكبر اختراق في التحالف المتين بين مؤيدي إسرائيل وبين الحزب الديمقراطي الذي كان الحصن التاريخي لهم. راهن بايدن على هذا المعطى كليًا الى درجة دفعته لزيارة تل ابيب على عجل، ومن غير الطائرة الرئاسية لمعانقة بنيامين نتنياهو الذي ينظر اليه كثير من اليهود الأميركيين كخطر حقيقي على إسرائيل نفسها من خلال اطلاق العنان لليمين الديني الفاشي في تحالفه الحكومي، كما راهن على قدرة إسرائيل على حسم الحرب بسرعة كافية للسماح له بترميم الجسور مع المعارضين قبل الإستحقاق الإنتخابي لكن صمود غزة وبشاعة الجرائم الإسرائيلية التي لم يعد الإعلام قادرًا على تبريرها أو تفسيرها زاد من نفور المعتدلين والليبراليين من اليهود الأميركيين الى درجة جعلت خسارته المحققة حتى الآن أكثر من ضعفي ما يمكن أن يكتسبه. الى ذلك يواجه الديمقراطيون انتخابات مفصلية السنة المقبلة للإحتفاظ بغالبيتهم الضحلة في مجلس الشيوخ الذي سينتخب ثلث الأعضاء، حيث سيواجهون معارك غير مضمونة في وست فرجينيا (الجمهورية عمومًا) وميشيغن واريزونا (المتأرجحتين) ما يعني أنهم سيتحولون الى اقلية بدون معجزة في زمن قلت فيه المعجزات.

في مقال نشرته مجلة (The Nation) التقدمية قال أستاذ العلوم الدستورية الأسود ايلي مستال ما حرفيته: "يجازف بايدن بوصم نفسه كرئيس مؤيد للإستعمار، مستعد للتعامي عن الإبادة العنصرية وجرائم الحرب وهذه وصمة لن تمحى إذا ترسخت في اذهان الجماعات الملونة. الناخبون الملونون لن يدعموا أي رئيس لا يهتم لشعب يُحاصر ويُجوع ويُقصف حتى الفناء... هؤلاء هم الناخبون الذين يخسرهم بايدن الآن، والذين إذا خسرهم لن ينجح ابدًا". هذا كلام مهم ولا يزال في بدايته.



                           

   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها