الأحد 2023/10/15

آخر تحديث: 12:45 (بيروت)

أميركا:لا صوت يعلو فوق المذبحة

الأحد 2023/10/15
أميركا:لا صوت يعلو فوق المذبحة
increase حجم الخط decrease

تماشيًا مع مقولة الشاعر الفرنسي جان لافونتين في القرن السابع عشر...حجة القوي دائمًا أقوى، تحاول أميركا أن تبتلع آثار اللكمة الهائلة التي لقنتها حركة حماس لإسرائيل في عملية طوفان الأقصى، وأن تكشر عن انيابها الإستعمارية الأوروبية المنشأ لتنقّض على قضية شعب مقهور ومضطهد، لا لسبب سوى أنه لا يقبل الذل والمهانة والخنوع ويرفض الإنبطاح أمام جبروت الدولة النووية التي تتمتع بدعم الغرب كله، ذلك الغرب الذي استفرد باليهود عندما كانوا مواطنين فيه، وجهد بعد المحرقة النازية في المانيا وأوروبا النازية، الى الصاق تهمة معاداة السامية بالعرب الذين نكبتهم الحركة الصهيونية بإنشاء الكيان الإسرائيلي على أرض عربية، فلسطينية عام 1948.

لا وجدان لدى النخب السائدة في الغرب تجاه الآخرين. وفي كل منعطف مهم أو حدث كبير لا يتورع رؤساء أميركا عن الكذب الصريح لتضليل الرأي العام وتخويفه وتنميطه. روّج الرئيس جوزيف بايدن في كلمته المتلفزة الى الأميركيين مؤخرًا جملة أكاذيب عن عملية طوفان الأقصى منها اغتصاب النساء وذبح الأطفال وابادة عائلات بكاملها وقتل شباب كانوا في حفل موسيقي للإحتفاء بالسلام، وكلها ادعاءات كاذبة لا دليل عليها واضطر البيت الأبيض لاحقًا الى التوضيح ان الرئيس لم ير بنفسه صور ذبح الأطفال، ليتبين انه كان يردد أحط الدعايات الإسرائيلية من اجل حشد الدعم لكامل لدولة الاحتلال. وبايدن ليس أول رئيس يكذب فسلفه دونالد ترامب كان يكذب يوميًا خصوصًا للتحريض على المهاجرين والملونين واللاجئين، وقبلهما كذب جورج بوش الإبن لتبرير اجتياح العراق، وكذب ليندون جونسون للتورط في فيتنام، وفي كل مرة تكذب واشنطن تتردد اكاذيبها في عواصم الغرب وكأنها كلام منزل.

مع انكشاف حجم فضيحة الفشل الإسرائيلي أمنيًا وميدانيًا أطلقت المنظومة الموالية لدولة الاحتلال، والتي تتمتع بإمكانات وموارد ومنصات هائلة النفير العام وانشغلت أميركا كلها بتغطية الأخبار، أو بالأحرى بترويج الدعاية الإسرائيلية على مدار الساعة، ولم يقتصر الأمر على المستوى السياسي المهيأ في مستهل الموسم الإنتخابي المفعم بالمزاودات والنكايات، والذي يختلف على كل شيء ويتفق على إسرائيل، بل تركز في المجال الإعلامي الذي اقتبس من الأنظمة الشمولية نظام الدكتيلو لترداد الروايات الإسرائيلية التي لم يكن عليها اجماع في تل ابيبا نفسها، وتخلت الصحف ومحطات التلفزة والمنصات الإعلامية عن رصانتها ومهنيتها وانتقلت بخفة من الوصف الى التوصيف واعتمدت أسلوب الإعلام الموجه في تثبيت مقاربة فجائعية قيامية مستخدمة مفردات غير مألوفة حتى في أصعب اللحظات الأميركية، لم يعد طوفان الأقصى هجومًا أو عملية عسكرية بل صار "فظائع ووحشية" ولم تعد حماس منظمة متشددة بل أصبحت تنظيمًا ارهابيًا.

لم يكتف الإعلام الأميركي بالكذب والتحريض وتجريد الفلسطينيين جميعًا من انسانيتهم، بل سارع الى تمهيد القبول بالمذبحة الإسرائيلية القائمة من خلال المقارنة بين ما يجري وسيجري في غزة وبين الدمار الذي حصل في معارك مدينة الفلوجة العراقية عام 2004 ، ومعارك القضاء على تنظيم داعش في مدينتي الموصل والرقة عام 2017، ولم يكلف نفسه، وهو يحاول الربط بين داعش وبين حماس لإستثارة المخيلة الأميركية، عناء الإنتباه الى أن حجم الدمار في المدن الثلاث مجتمعة لم يصل الى حجم الخراب الذي نشرته دولة الاحتلال في غزة في اليومين الأولين من حرب الإبادة التي شنتها على القطاع، كذلك تبنى مع السياسيين مقولة فارغة مفادها أن الدول الديمقراطية تحترم القانون الدولي، في الوقت الذي كان يسوّق لقرار إسرائيل اخلاء أكثر من مليون فلسطيني في مدينة غزة والقسم الشمالي من القطاع خلال اربع وعشرين ساعة، وكأنه لفتة انسانية كريمة، ويصور قرار نتنياهو منع الماء والكهرباء والغذاء والدواء عن اهل غزة كخطوة ضرورية لمحاصرة "الإرهابيين" فيما كان عتاة التطرف ودعاة العنف يتنقلون على الشاشات للتبشير بالمذبحة العظمى.

كان واضحًا من نوعية الحملة الشعواء أنها تقصد أكثر من الحدث المباشر فتعمدت طمس الأصوات التي ارتفعت داعية الى معالجة السبب الأصلي للأزمة وهو الاحتلال وتجاهل الحقوق البديهية للشعب الفلسطيني، وانبرى العديد من السياسيين والإعلاميين للرد على ذلك بلغة اتهامية مهينة، كذلك تم التصويب على حملة مقاطعة إسرائيل (BDS) التي حققت نتائج ملفتة في الجامعات وكأن النخب السائدة تريد الإنتقام بمفعول رجعي من النشطاء الشباب وخصوصًا اليهود منهم لضرب أي دور مستقبلي لهم، كما بلغ الضغط الإعلامي والمعنوي ذروته على المسؤولين المنتخبين الذي سبق لهم وابدوا اعتراضهم على السياسات الإسرائيلية لدفعهم الى اعلان تعاطفهم مع تل ابيب.

يكشف هذا الإستنفار الشامل في أميركا والتكالب الوقح على القضية الفلسطينية، والذي تماهت معه أوروبا، وسط حملات الحج الى إسرائيل على اعلى المستويات للتضامن مع الاحتلال، حقيقة أن النزعات العنصرية التي تجتاح الغرب منذ سنوات وتترجم نفسها نجاحات ملفتة للأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات الفاشية الجديدة، والتي كانت ابرز تجلياتها وصول دونالد ترامب الى الرئاسة عام 2016، لم تعد على هامش المجتمع السياسي بل صارت في صلبه، وهي تعيد انتاج أيديولوجية جديدة ترث الحقبة الإستعمارية وتستحضر روح القرن التاسع عشر، روح التمييز بين الغرب والشرق، ورؤية الآخرين كل الآخرين من منظار استشراقي وظيفي لا يقبل افساح المجال امام أي موازين عادلة تساوي بين حقوق البشر، ولا تقبل بنظام عالمي لا تكون السيادة المطلقة فيه لغير البيض ذوي الأصول والتحيزات الأوروبية. ولولا هذه الذهنية لما كانت في الحرب في أوكرانيا ضد الاحتلال...بينما في الحرب في فلسطين معه.

       

    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها