الأربعاء 2023/01/25

آخر تحديث: 10:51 (بيروت)

مرة أخرى...لماذا لا يثور المصريون!

الأربعاء 2023/01/25
مرة أخرى...لماذا لا يثور المصريون!
ميدان التحرير بالقاهرة، آذار/مارس 2013 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
مطلع العام 2010، نشر الروائي المصري، علاء الأسواني، كتاباً بعنوان سيئ الحظ: "لماذا لا يثور المصريون؟"، ولم يمر العام حتى ثار المصريون بالفعل. بطرحه السؤال، لم يقدم الروائي ذائع الصيت، إجابة منهجية يمكن مراجعته فيها، أو بالأحرى لا تعنينا تلك المراجعة الآن. كان الكتاب تجميعاً لبعض من مقالات الأسواني المنشورة في الشأن المصري، ولم يكن حينها قد مر على نشرها وقت طويل، وإن بدت كما لو كانت من زمن غابر، مع تلاحق الأحداث وتفنيدها لمنطق السؤال، بل ولضرورته بالأساس.

في الذكرى الثانية عشرة لثورة يناير، لا يطرح أحد هذا السؤال، فإمكانية طرحة غير ورادة بالمرة. وفي استحالة الاستفهام دلالة كافية. هي تفصح عن عجز مطبق، بمعنى العجز عن فحص وضعية العجز نفسها، والتفتيش في أسبابها، كخطوة أولى لكسر الدائرة المغلقة والإفلات منها. كيف كان سؤال الأسواني، وإن كان بصيغة النفي، ممكناً؟ وإن تجاوزنا هذا التساؤل، كونه يقع في دائرة الذكرى، الممجوجة من الجميع في وقتنا هذا، فلنوجه الاستفهام نحو الحاضر... لماذا لا يمكننا طرحه اليوم؟

تلزمنا العودة إلى الأسواني، وزمن سؤاله، لتصح المقارنة، أو لنتتبع نسبه. فهو يطرح سؤاله بوصفه وكيلاً عن نخبة، فالإشارة إلى المصريين بوصفهم آخر، يتضمن تعالياً من نوع منهجي، يفصل الناظر عن الموضوع، ربما لضمان الموضوعية وتجردها، لكنه أيضاً يشي بتعالٍ موسوم بـ"التنويرية". فالسائل هنا يعي أسباباً تعجز الجماهير عن إدراكها، ضرورة الثورة التي تبدو متضمنة في السؤال تجهضها موانع لدى المصريين تحول بينهم وبينها. وهكذا يكون دور الكاتب هو فض ذلك التناقض عبر كشفه. وليس هذا التعالي بمعناه السلبي بالضرورة.

الفارق بين إمكانية السؤال في الماضي وتعطله الآني، تحدده المسافة الشاسعة في مستويات القمع بين نظام مبارك ونظام الثلاثين من يونيو. فالدوائر المعنية بالشأن العام في غاية الإنهاك، إلى حد اقتصار طموحها وقدرتها على مجرد المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وتوقيف ماكينة البطش أو حتى إبطائها. لكن هذا ليس السبب الوحيد، فقبل يناير كانت لدى النخب خطابات جاهزة-وإن لم تكن مجرّبة- بشأن الثورة. وفي سياق عجز تاريخي عن الانتظام السياسي، وَسَم البورجوازية المصرية، كانت العفوية هي خيال التنظيم المتاح، كونها الحد الأدنى من التنظيم، أو الأصح هي الدرجة صفر منه. وعلى رأس لائحة مقولات العفوية، تأتي "ثورة الجياع"، والتي ظلت مجرد تهديد أو شبح يهيم في الأفق أكثر منها خطة أو مساراً سياسياً. فعبر التلويح بها، يمكن إجبار السلطة على التفاوض مع النخب، أما ما حسم الواقع فعلاً فلم تكن معاودة انتفاضات الخبز ولا التفاوض، بل هيمنة نموذج الثورات الملونة ومبادئ الديموقراطية الليبرالية، على أفق التفكير لدى اليمين واليسار، محلياً وعالمياً.

كان النموذج الملون ركناً من أركان الهزيمة، وبفعلها أدرك الجميع هشاشة العفوية ومحدودية أثرها في المدى المتوسط. وفي غياب التنظيم والعدول عن مبدأ العفوية، لا يظهر مَخرج في الأفق. وبالتوازي ثبت أن الإجراءات الديموقراطية ليست كافية لتحقيق الديموقراطية، واليوم فإن النخب العلمانية التي داومت على المطالبة بالديموقراطية، تخشى مغبة إجراءاتها. فبقدر ما هي فرصة، اتضح أنها معضلة، وفي كل مرة جاءت صناديق الانتخابات بالإسلاميين. والحال أن آلية احتلال الحشود للميادين العامة، وعلى العكس من فورة جماهيريتها في النصف الأول من العقد الماضي. وفي الوقت الحالي لا يمكن أخذها على محمل الجد، فهي في أفضل الأحوال إما طوباوية مفرطة أو استعراضية لا تتجاوز حدود الرمزي، وقد تكون ميلاً شبه انتحاري في ظل تصعيد الأنظمة لمستويات العنف واستخدام القوة القاتلة في وجه الحشود، في كل مكان تقريباً.

على النسق اللبناني، يدفع النظام المصري الوضع الاقتصادي إلى حافة الانهيار، كآلية لمحاصرة أي بادرة للاحتجاج. وبمثل سياسة التأزيم العمدي أو غير العمدي تلك، تلوح السلطة بالخراب الكامل في وجه المجتمع. ومن جهتها، تقف المعارضة عاجزة عن وضع تصورات لما يمكن فعله في ظل نبوءات كارثية تتعلق بانهيار اقتصادي وشيك. فالوضع من السوء إلى حد أن الغالبية، بما فيها النخب المعارضة، لا ترى مَخرجاً حتى مع فرضية تنحية النظام.

لا أحد يطرح السؤال اليوم، لأن أحداً لا يعرف كيف يجب أن يثور المصريون هذه المرة، ولا من أجل ماذا على وجه التحديد.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها