الأربعاء 2022/05/11

آخر تحديث: 08:34 (بيروت)

"يوم النصر": حرب الجميع التي لم تقع

الأربعاء 2022/05/11
"يوم النصر": حرب الجميع التي لم تقع
مهرجان "يوم النصر" في موسكو (غيتي)
increase حجم الخط decrease
على الرغم من النبرة الدعائية العالية، ثبتت صحة التوقعات الغربية بشأن الحرب في أوكرانيا، مرة تلو الأخرى. من توقع الاجتياح الروسي، إلى تعثره غير المتوقع، وكذا الخسائر الفادحة في الصفوف الروسية. حتى الإطناب في الثناء على بسالة المقاومة الأوكرانية، الذي عومل في البداية كبروباغاندا أطلسية، لم يعد هناك شك في فحواه، حتى ومع التشكك في مدى دقته.

إلا أن التكهنات المبالغ فيها عن خطبة "يوم النصر"، لم يقابلها سوى الإحباط. فبوتين، في ذكرى الانتصار على النازية، لم يعلن الحرب على أوكرانيا كما متوقعاً، ولا أصدر قراراً بالتعبئة العامة. من البداية، ترفض موسكو الإقرار بالحرب، وضمناً يشير بوتين بشكل متكرر إلى أن روسيا تخوض معركة على أراضيها التاريخية، تلك العلاقة الأخوية بين موسكو وكييف لا يجب أن تفسدها لفظة الحرب، وبالأخص حين يفرضها الأخ الأكبر. درجة الندية التي يمكن للحروب أن تسبغها على أطرافها، هو ما ترفض روسيا الإقرار به أو قبوله، فما تشنه على الأراضي الأوكرانية هو "عمليات خاصة"، عملية تأديب أو ما يشبه العملية الأمنية.

وبالدرجة نفسها من النفي وبأدوات خطابية مختلفة، ترفض العواصم الغربية الإقرار بوقوع الحرب. حرب بأبعاد تتجاوز الحدود القارية، وتتداخل فيها تمويلات وعمليات تسليح ومتطوعون من عشرات الدول، وبميزانية هائلة وغير مسبوقة يعدّ لها البيت الأبيض. هذه ليست سوى "حرب بوتين"، شخصنة الحرب وتأويلها كشطط ديكتاتور غير متزن ومعزول، كان الغرض منه تأليب الروس بعمومهم أو دوائر بعينها داخل السلطة ضد رأسها. لكن، ومن فرط المبالغة، تحيلنا تلك الشخصنة إلى ما يشبه الإنكار.

"علينا بذل كل ما يمكن حتى لا تتكرر حرب شاملة مرة أخرى"، يستخدم بوتين في خطبة يوم النصر تلك الحجة المبررة لكل حروب القرن العشرين. فالحرب تهدف إلى تجنب الحرب التي تستعد لها، كما أن كل سباق جنوني للتسلح، وبالأخص التسلح النووي، هو معني أساساً بجعل الحرب مستحيلة. أي أن تجنب الحرب هو المبدأ المرشد لكل حرب، والسعي الدؤوب نحو تصعيد التهديد المتبادل إلى حد الفناء هو الطريق الوحيد إلى السلام. لذا منذ بدء المعارك يلوح المسؤولون الروس بالدمار النووي، وفي احتفالات يوم النصر تحديداً تضمن البرنامج استعراضاً لطائرة "يوم القيامة" المُعدّة للرئيس الروسي لاستخدامها حال وقوع حرب نووية.

مرة أخرى، يستخدم الطرف الآخر نسخة معدلة من المنطق نفسه. فالبيت الأبيض الذي يسعى لإقرار حزمة تمويلات هي الأكبر منذ الحرب في أفغانستان، 33 مليار دولار من أجل الحرب في أوكرانيا، يعدل أهدافه الاستراتيجية للتمويل، من مجرد صدّ الهجوم الروسي، إلى إضعاف روسيا وتكبيدها خسائر فادحة في العتاد والأرواح بحيث يصعب عليها التفكير مستقبلاً في شن حرب مماثلة ضد جيرانها الآخرين. هكذا، فإن تصعيد الحرب وإطالة أمدها، يعني بالأساس منع الحرب. وكما تذهب الحكمة القديمة قِدَم أرسطو: كل حرب ضرورية هي حرب عادلة.

ولأن الحرب يتيمة دائماً في حاضرها، تبدو المعركة محتدمة دائماً على ملكيتها بأثر رجعي، أي حولها بوصفها تاريخاً. في "يوم النصر"، يصور بوتين الحرب الدائرة في أوكرانيا وكأنها امتداد لمعارك الحرب العالمية الثانية، والنازيون الجدد محل النازيين القدامى. أما المعارك التي خاضها الروس والأوكرانيون جنباً إلى جانب، فتخوضها موسكو وحدها هذه المرة. في كييف، يرفض الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، أن يدع روسيا تستأثر بيوم النصر، ليمد الاستعارة ذاتها على استقامتها، فكما انتصرت أوكرانيا على ألمانيا النازية في الماضي ستنتصر الآن على الغزو الروسي: "لن ننسى أبدًا ما فعله أسلافنا في الحرب العالمية الثانية، التي قتلت أكثر من ثمانية ملايين أوكراني".

ذاكرة أهوال الحرب، تلك التي يحيل إليها الجميع، لا يبدو أنها دافع لوقف دائرة حرب الحاضر، بل على العكس، تبدو مبرراً لها ولإنكارها معاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها