الأحد 2022/04/17

آخر تحديث: 14:48 (بيروت)

حادثة الصرفند وما يشبهها..العنف الانتخابي المحتمل

الأحد 2022/04/17
حادثة الصرفند وما يشبهها..العنف الانتخابي المحتمل
increase حجم الخط decrease

حسب المعايير اللبنانية التقليدية، التي تحتمل الكثير من العنف وتتسامح معه بل وتبرره، يمكن إدراج ما حصل في الصرفند يوم السبت، في خانة الشغب الانتخابي الطبيعي، الذي يجري في كل مكان تخاض فيه معارك إنتخابية..لكنه يستدعي بالضرورة إطلاق جرس الإنذار من أن يكون ما تعرضت له لائحة "نحو التغيير" في الدائرة الثانية من الجنوب، مؤشراً على نزوع نحو إستخدام القوة ضد المعارضة ولوائحها في مختلف الدوائر ال15 الانتخابية، يهدد العملية الانتخابية برمتها، ويطعن بنتائجها.

بضع رصاصات في الهواء، ومعها لكمات وركلات، لا تكفي للقول أن "الديموقراطية اللبنانية" باتت مهددة. فهي لا تزال بخير، نسبةً الى ما كان يمكن أن يفعله حملة السلاح، أو حتى قياساً الى ما كان يوجهه هؤلاء المسلحون من تهديدات بحق المعارضة، وما كانوا يطلقونه من إتهامات بالخيانة الوطنية، أو السياسية، أو حتى "الطبقية"، للمعارضين الخارجين من رحم اليسار المنسي أو من بؤر إنتفاضة 17 تشرين المستعادة ليشكلوا خلايا متفرقة من المغامرين السياسيين الشجعان.

مع ذلك فإن التساهل مع ما جرى في الصرفند خطِرٌ. يمكن إعتباره تحدياً طبيعياً للمعارضين يكتسبون من خلاله تجربة وخبرة ميدانية ضرورية، للدورة الانتخابية المقررة بعد أقل من شهر، ولغيرها من الدورات اللاحقة.. مثلما يمكن إعتباره إمتحاناً جديداً لمختلف اللوائح المعارضة التي دخلت منفردة الى معركة إنتخابية قاسية، ولقدرتها على التواصل والتفاعل والتنسيق في ما بينها، في مواجهة سلطة موحدة في العمق، ولا يعوزها الخبث في إختيار مرشحيها وتشكيل لوائحها، والمكر في صياغة تحالفاتها، العابرة للطوائف والمذاهب، والسامية على الصراعات والخلافات السياسية السابقة.

كما يمكن تصنيف ما جرى في الصرفند سقوطاً إضافياً لقوى السلطة، التي أظهرت توترها وقلقها الشديدين، من لوائح معارضة لم تتشكل وتنتظم على هذا النحو-المتواضع والبدائي نسبياً- في أي من الدورات الانتخابية الماضية. المؤكد أن حركة أمل التي تسبب جمهورها بهذه المشكلة البسيطة طبعا، خسرت المزيد من رصيدها الانتخابي المتضائل أصلاً، عندما لم تبادر الى عرض حماية (نعم حماية) حرية لوائح المعارضة في مناطقها، بما يكسب الحركة رصيداً جديداً ، ويعزز مصداقية العملية الانتخابية برمتها.. وذلك بدلا من النفي الرسمي الذي أصدرته ولم يصدقه أحد.

معاقبة المتسببين بالمشكلة، من قبل حركة أمل، ثم من قبل الاجهزة الأمنية والقضائية، خطوة لا بد منها، ليس فقط لأنها تخدم مبدأ نزاهة الانتخابات وحرية الناخب اللبناني، بل لأنها تمس جوهر العملية السياسية، التي كان ولا يزال يُخشى أن تنحدر الى مستويات من العنف، لن يكون بالامكان ضبطها، لا في الجنوب ولا في مختلف الدوائر الانتخابية، بناء على تاريخ لبناني مجيد من تقديس القوة والتصفية للخصوم، وبناء على معطيات محلية لا يمكن لأحد أن يخطئها عن الرغبة الدفينة في تعطيل الانتخابات، في بعض الدوائر على الاقل، بحجج جاهزة منذ مدة، وعن عجز المؤسسات العسكرية والامنية والقضائية عن إحتواء الشارع في الظرف الراهن.

وبهذا المعنى تبدو المعركة الانتخابية في الجنوب نموذجية، والتهديدات التي يواجهها العمل السياسي البدائي، في ظل الهيمنة الشعبية الغالبة للثنائي الشيعي، وكأنها ذروة  حالة وطنية متسيبة، تفتح فيها قوى السلطة مراكز  الاقتراع، طالبةً التجديد والتمديد، مفسحة المجال، لقوى المعارضة المشرذمة، لكي تختبر شعبيتها الوليدة، وتجربتها الحديثة العهد، التي لا تؤهلها إلا لإختراقات محدودة جدا.. لكنها كانت ولا تزال تمتلك ورقة قوة مؤثرة، هي أن تتعامل مع ما جرى في الصرفند، كتهديدٍ يمكن ان تتعرض لمثله في زغرتا والهرمل وبعبدا وجبيل وعاليه والاقليم ومشغرة وغيرها..وأن تلوح، على الاقل، بالانسحاب من الانتخابات، وترك الصناديق فارغة إلا من أصوات الموالين للسلطة.    

فات الأوان على الجدل حول المقاطعة وجدواها، وحادثة الصرفند ليست مبرراً كافياً، لكنه لم يفت على التهديد بالخروج الموحد من الانتخابات..علّ في ذلك ما يكسب الدورات الانتخابية المقبلة المزيد من المصداقية والشرعية، ويكسب البلد المزيد من المناعة السياسية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها