الأحد 2022/02/06

آخر تحديث: 22:40 (بيروت)

المعارضة السورية المتخيلة..خارج ندوة الدوحة

الأحد 2022/02/06
المعارضة السورية المتخيلة..خارج ندوة الدوحة
increase حجم الخط decrease

هي أكبر من هزيمة تلك التي تعيشها الثورة السورية هذه الايام، مع إقتراب الذكرى الحادية عشرة على انطلاقتها. نصف الشعب السوري المهجر او المهاجر، لم ينهزم، أو بالاحرى لم يسلّم ولم يصالح ولم يهادن. أما النصف الاخر، الباقي في حضن النظام ، فهو أيضا لم ينكسر، لم يتراجع، ولم يلق السلاح.

هو نوع جديد من الهزائم، من الانقسام الشعبي، الذي يفتح مسارين للافتراق التام والنهائي، بين جمهور في الداخل يستطيع ان يكمل حياته بطريقة أفضل وأسلم من دون المهجرين والمهاجرين، وبين جمهور في الخارج يشق طريقه بلا عناء شديد، نحو حياة أفضل وخيارات أرحب من هوية تبتعد يوما بعد يوم، وتصبح ذاكرة للحفظ، وصوراً للحنين، وتفسح المجال للتكيف والاندماج السهل والبعيد المدى مع المجتمعات المضيفة. 

وبخلاف ما كان يروج في الاعوام الاولى من الثورة، عن معارضة الخارج ومعارضة الداخل، صار إسم المعارضة نفسه يحتاج الى إدلة وبراهين، بسيطة جدا، تتجاوز الصلات الاجتماعية والاغاثية المعقودة بين المشردين في مختلف أنحاء العالم، وبين الاهل والاقارب العالقين في حضن النظام. البؤس قاسم مشترك، لكنه ليس قوياً الى درجة البحث عن بدائل لما هو قائم في الداخل ولما هو سائد في الخارج.

الضربة كانت ساحقة، بالفعل، والنظام كان ولا يزال يبطش بقوة. والتحرك الشعبي في الداخل، حتى في حدوده الضيقة، شبه مستحيل، بوجود قوتي إحتلال تدعمان مؤسسات عسكرية وأمنية أجادت القمع وأتقنته. أما المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال السوري، فهي مجرد محطة مؤقتة بين هجرتين غير مكتملتين، تضع سكانها رهائن بين حديّ النيران الآتية من قوات النظام، من جهة، أو من القوى الاسلامية الخارجة على الثورة والمعارضة التي يعرف لها سوى برنامجها الضريبي على حركة عبور الافراد والسلع والافكار.

الاستنتاج قاس لكنه جائز الى حد بعيد: لم يعد هناك وجود لمعارضة في الداخل، إلا في بعض البقع والزوايا المتفرقة والمتباعدة من الجغرافيا السورية. القطيعة السياسية شبه كاملة مع الخارج. ليس هناك أحزاب أو تنظيمات او هيئات او حتى جمعيات تتصل بالخارج إلا عبر وسيط او محاور دولي. وهي نتيجة طبيعية لواحدة من أقسى الحملات العسكرية والامنية التي تعرض لها السوريون في تاريخهم الحديث.

الاعتراف بالهزيمة ضروري، يتبعه التسليم  بأن الداخل السوري خرج نهائياً من نطاق الثورة ووعيها وحتى جدول أعمالها، وبات النظام أبدياً بالفعل لا بالقول، لن يتزحزح إلا إذا إزيح الحكم في روسيا والنظام في ايران، و تغيرت معادلات الحملة الدولية التي هدفت طوال السنوات العشر الماضية الى الحفاظ على بشار الاسد رئيساً ، والتي تهدف الآن الى تطبيع العلاقات معه وإعادته الى حضن النظام العربي الذي رعاه.

وعليه يفترض ان ينتقل السؤال الى المهجر السوري، الذي كان خضوعه لمنطق الهزيمة وشروطها القاسية مفاجئاً فعلا، بل مدمراً لكل ما حملته الثورة من وعود وآمال وبرامج،  ولم تكن أمينة حتى الآن إلا على حفظ الذاكرة السورية، وخوض معارك الدفاع عنها أمام الرأي العام العالمي، وليس العربي الذي بات مغلقاً على النقاش في القضية السورية.

ربما كانت الصدفة وحدها هي التي جمعت ندوة الدوحة"سوريا الى أين؟" على مقربة من الذكرى ال11 للثورة، وعلى مبعدة من مواجهة تلك الحقائق القاسية التي يواجهها السوريون جميعا، لكي تجادل وتسترجع بديهيات ماضية، وتقدم صورة محزنة عن ذلك الشرخ العميق بين المعارضة التقليدية الهرمة، وبين جمهورها المفترض، الذي لا تستطيع أن تناديه الى تظاهرة أو مسيرة في اي من عواصم اللجوء، والاسوأ من ذلك أنها لا ترى في ذلك الجمهور مؤهلين لقيادة المسيرة..من الخارج طبعاً، وبالحدود الدنيا التي لا تتطلب إعلان حرب تحرير سورية ولا تشكيل مجلس خلاص وطني سوري.

لم تردم ندوة الدوحة زاوية من تلك الهوة السورية السحيقة، بل لعلها عمّقتها، ومهدت لاحياء الذكرى ال11 للثورة، بصدع جديد في الذاكرة، التي لم تكن تترقب حساباً سياسياً لإخلال النظام بالعهود والمواثيق وتنكره لشروط التفاوض في عملية سياسية وهمية، لا تسهم إلا في شلل الوعي السوري وإنفصاله التام عن الواقع..وتمنع تقدم الشتات السوري نحو سد الفراغ الرهيب، الناجم عن هزيمة مؤلمة، لكنها ليست أبدية.     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها