الثلاثاء 2022/12/20

آخر تحديث: 07:50 (بيروت)

دونالد ترامب في مرمى العدالة

الثلاثاء 2022/12/20
دونالد ترامب في مرمى العدالة
increase حجم الخط decrease

عشية الذكرى السنوية الثانية لإقتحام مبنى الكونغرس، السادس من كانون الثاني/يناير 2021، وقبل أسبوعين على إستلام الحزب الجمهوري مقاليد السلطة التشريعية في مجلس النواب، أوصت اللجنة البرلمانية الخاصة، وفي سابقة هي الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، بالإدعاء جرميًا على رئيس سابق، بملاحقة دونالد ترامب بأربع تهم فدرالية تتعلق بالتمرد وعرقلة المراسم الدستورية لتداول الحكم وعرقلة التحقيقات والتآمر الإحتيالي، منهية سنة ونصف السنة من التحقيقات المكثفة التي شملت مقابلة أكثر من ألف شاهد. وصادقت بالإجماع في الجلسة الرسمية الأخيرة التي عقدتها الإثنين، على تقريرها النهائي الذي سينشر بكامله حلال أيام.

وأوصت اللجنة، التي ضمت سبعة أعضاء ديمقراطيين وعضوين جمهوريين، بالإدعاء ايضًا على خمسة من مساعدي ترامب البارزين وهم رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض السابق مارك ميدوز، رئيس بلدية نيويورك السابق رودي جولياني، والمحامون جون ايستمان، جيفري كلارك وكينيث تشيسبورو، كما احالت الى التحقيق لدى اللجنة المسلكية في مجلس النواب أربعة أعضاء جمهوريين بينهم المرشح الأوفر حظًا لرئاسة المجلس كيفن مكارثي، والرئيس المقبل للجنة العدل جيم جوردن لعدم الإمتثال لمذكرات الإستدعاء الى التحقيق.

صحيح أن مقررات اللجنة لم تكن مفاجئة تمامًا، الا أنها بلا شك تتويجٌ ختاميٌ لائقٌ لسنة صاخبة حفلت بالكثير من التطورات السياسية والقضائية والإنتخابية التي تمحورت شخصيًا حول ترامب، الذي لا يزال، وبعد أكثر من سنتين على خسارته انتخابات الرئاسة، الوجه الأبرز وصاحب النفوذ الأكبر في الحزب الجمهوري، ويصر على لعبة عدم الإعتراف بالهزيمة وعدم التقيد بالقوانين والأنظمة والأعراف، فاتحًا باب التاريخ لتسجيل سوابق متنوعة ومتلاحقة ستترك آثارها على الحياة العامة لسنوات طويلة وتستقر في الكتب الى الأبد. لكن عمل اللجنة، الذي كلّف العضوين المحافظين فيها، ليز تشيني وآدم كينزنجر مقعديهما، لن تقتصر مفاعيله على كشف وتوثيق ما حصل في الماضي القريب بل تتعدى ذلك الى تحديد مسارات مستقبلية عاجلة وآجلة.

قانونيًا توصيات اللجنة غير ملزمة، يعود القرار النهائي بتكوين ملف جنائي وفتح تحقيق الى المحامي العام (وزير العدل) ميريك غارليند الذي سيواجه معضلة فورية تتمثل في كون ترامب حاليًا موضع تحقيق يتولاه المحقق الخاص جاك سميث المكلف باستكمال ملفي اقتحام الكونغرس وسرقة الوثائق الحكومية السرية التي صادرها مكتب التحقيق الفدرالي (إف. بي. آي) من النادي الخاص لترامب في مارالاغو في آب الماضي، وفي ظل التكتم الذي يتصف به غارليند يصعب التكهن في مآل التوصية المفتوح على احتمالات ثلاثة؛ أن يضم الملف الى مهمة سميث وتوسيعها لتشمل المخالفات غير الواردة في التكليف الأصلي، أو ان يتم وضعها في سياق اتهامي منفصل يكون رديفًا قابلًا للتفعيل اذا قرر سميث عدم الادعاء عليه، أو أن يتم اهمال التوصية والاكتفاء بالتحقيق القائم. ما يزيد من غموض المسار القضائي أن وزارة العدل غير مقيدة بمهلة زمنية محددة للبت في الأمر.

تشريعيًا، وعلى الرغم من أن مجلسي الكونغرس وافقا مبدئيًا على قانون جديد لتقنين وتحديد دور السلطة التشريعية وحصر صلاحيات نائب الرئيس في حدودها البروتوكولية عند المصادقة على تصويت مندوبي المعهد الإنتخابي- القانون في مراحله الأخيرة وينبغي أن يوقع عليه الرئيس جوزيف بايدن قريبًا-، يمثل قرار اللجنة إحالة أربعة من أعضاء المجلس النيابي الى اللجنة المسلكية معضلة أكبر لأن اثنين منهم في ارفع مناصب برلمانية، رئيس المجلس العتيد (مكارثي) ورئيس لجنة العدل (جوردن). رفض الرجلان وهما من أعتى أنصار ترامب التعاون مع لجنة التحقيق الخاصة بعدما نجحا في منع تشكيل لجنة عادية من الحزبين للنظر في اقتحام الكونغرس (وهو قرار اثار ندم الجمهوريين بمفعول رجعي). أيام قليلة ويعود المحافظون كسلطة في مجلس النواب، وهم لم يخفوا ابدًا اندفاعتهم لإستخدام صلاحيتهم الرقابية الى أقصى حد للتحقيق في كافة الملفات الأثيرة لأنصار ترامب، خصوصًا التحقيق مع ابن الرئيس هانتر بايدن، وقضايا الهجرة وسياسة مواجهة وباء "كوفيد" وملابسات التحقيق مع ترامب وانصاره.

سيكون على قيادة السلطة التشريعية الجديدة قبل أي شيء البت في توصيات اللجنة الخاصة، وتنفيذ الوعود الانتخابية بعزل الأعضاء الديمقراطيين الذين ساهموا في الادعاء على ترامب دستوريًا مرتين والذين شاركوا في أعمال اللجنة عن اللجان الرقابية الحساسة. اذا أصرت القيادة الجديدة على مواقفها السابقة ولم تأبه لإحالات اللجنة الخاصة وصعّدت في تعيينات اللجان، ستكون مصداقيتها الهشة اصلًا على المحك الشعبي، خصوصًا لدى فئة الناخبين المستقلين الذين اظهروا اهتمامًا كبيرًا بمصير الديمقراطية في أميركا وعاقبوا في صناديق الإقتراع المرشحين المتطرفين الرافضين لنتائج انتخابات 2020, في جو اعلامي مناسب لليبراليين الذين يقدمون انفسهم كرأس حربة للدفاع عن الدستور، لا بد للخشية من خسارة فادحة في الانتخابات المقبلة بعد أقل من سنتين أن تغير من ولاءات الحريصين على مقاعدهم وهم الأكثرية في الجانبين.

سياسيًا حيث تتجلى كل المعطيات وتتشابك، من السهل معرفة موقف ترامب. سيردد مقولته الدائمة عن عدم قانونية وشرعية أية خطوات تستهدفه ويعتبرها استمرارًا لمطاردة الساحرات وسيدفع بشكلية اعلانه الترشح للرئاسة لينسب الى اللجنة والى وزارة العدل والإدارة كلها الغرضية الحزبية، ولا تزال في الحزب الجمهوري أكثرية تنسج على هذا المنوال. يراهن ترامب قبل كل شيء على "هول" الموقف واستثنائية الحالة، كما فعل منذ اعلان ترشيحه الأول، ففي بلد يفاخر يالديمومة المؤسسية ويتباهى بالإستقرار الحكومي، ليس أمرًا عابرًا توجيه اتهام جنائي الى رئيس سابق، ففي نظام الحزبين يمثل الرئيس نصف المواطنين على الأقل، وفي النظام الرئاسي هو رمز الدولة والسيادة، وليس كرئيس حكومة، لذلك عندما شعر الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بأنه هدف ممكن للإتهام الدستوري بسبب فضيحة ووترغيت استقال من منصبه  عام 1973، وعندما ذاعت فضيحة نجم الحزب الديمقراطي السيناتور غاري هارت عن خيانته الزوجية ومغامراته النسائية انسحب من السباق الذي كان في جعبته عام 1988. لكن هذا لا ينطبق على ترامب.

لا يجادل سوى المتطرفين بمسؤولية ترامب عن اقتحام الكونغرس وعن جرجرة أميركا الى اعتاب الإستبداد والفاشية، لكن الحسابات الانتخابية التي تأخذ في الحسبان هيمنته على القاعدة الصلبة لليمين الديني تتغاضى عن مساوئه وترهاته وقلة اخلاقه. الآن تغيّر المشهد. هناك اتهام تشريعي موثق، جل شهوده من الجمهوريين، وأبرز المؤلفين له، ليست محافظة متزمتة وحسب، انها ابنة ديك تشيني، مرجع المحافظين الجدد وأول نائب رئيس يطغى بشخصه وحضوره على الرئيس نفسه، وكان ملفتًا جدًا أن تبدأ كلمتها في الجلسة الأخيرة بأن جد جدها صموئيل فليتشر تشيني كان من أوائل من لبوا نداء الرئيس ابراهام لينكولن للدفاع عن الإتحاد عام 1861، وشارك في كل الحرب الأهلية، وانها استحضرته وهي تتابع احداث السادس من كانون الثاني يناير 2021، ورأت أن سلوك ترامب اثناء اقتحام الكابيتول ليس غير قانوني فقط وانما غير أخلاقي وإهمال واضح. إن لم تأخذ وزارة العدل بتوصية اللجنة، سيسهل على ترامب اعلان براءته، ويجوز له ذلك.

عندما فشلت المحاولة الإنقلابية لأدولف هتلر وحزبه النازي في السيطرة على حكومة ولاية بافاريا الألمانية عام 1923، (أدت الى مقتل 16 وجرح العشرات). حكمت عليه المحكمة بعد اعترافه، بالسجن خمس سنوات، كمن يسرق دجاجة أو دراجة، لكنه كان سجينًا مدللًا يستقبل الزوار ويحتفظ بمساعدين وهناك ألف واستظهر كتابه المقيت "كفاحي" وتحول من زعيم محلي في ميونيخ الى زعيم "أبدي" لـ "الرايخ الثالث". ترامب من أصل الماني فهل يتكرر في أميركا؟



                      

     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها