الخميس 2022/10/06

آخر تحديث: 19:01 (بيروت)

فتيات إيران..تمردٌ أهم من ثورة

الخميس 2022/10/06
فتيات إيران..تمردٌ أهم من ثورة
increase حجم الخط decrease

ربما آن الأوان لإدراج انتفاضة فتيات إيران ومراهقاتها في تاريخ الحركة النسوية العالمية، وفرص تأهلها لقيادة الموجة الرابعة من تلك الحركة العالمية، التي طورت على مدى قرنين الثقافة البشرية، عندما أكسبت المرأة حرياتها السياسية والاجتماعية واضافت قيمة جوهرية على الحضارة الانسانية.

بعد ثلاثة أسابيع، بات يجوز البحث في مقارنة تلك الانتفاضة النسوية الايرانية مع ثورات نسائية مفصلية كانت آخرها وربما أهمها تلك التي شهدتها اوروبا الغربية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وتوجت نيل المرأة حق التصويت والعمل والتنظيم والحرية الجنسية.. التي "شوهتها" حركة "فيمن" الاوكرانية قبل عقدين من الزمن عندما انحدرت بها الى مستويات فولكلورية، ما تسبب على الارجح في غياب أي دور لتلك الحركة الانثوية في المقاومة الوطنية المذهلة التي يخوضها الشعب الاوكراني للغزو الروسي، من دون الحاجة الى صدور عارية.

إكتملت أوصاف الاحتجاجات الانثوية الراهنة في إيران، واتخذت شكلها الواضح وهويتها النهائية: هي بالتأكيد ليست ثورة سياسية، تشبه الثورات المتكررة التي اطلقها الايرانيون طوال السنوات الاربعين الماضي، والتي كان لها قادة وبرامج ومهام وجمهور سياسي محدد. لكنها بلا جدال حركة عصيان وتمرد أنثوي شاملة، تضعها على عتبة ان تكون "موجة اجتماعية كبرى" وان تتطور لتصبح "ثورة ثقافية" بكل ما للكلمة من معنى، حسب المعايير الايرانية طبعا.

إسقاط الرموز والعناصر والشعارات السياسية، من ذلك الحراك الانثوي، لا يقلل من أهميته أبداً، بل لعله يرفع من مرتبته، كونه يشكل تحدياً فريداً في منتهى الجرأة للنظام الحاكم، ولمجموعة قيمه السياسية والاجتماعية والثقافية التي سادت منذ الثورة الخمينية..ومن دون الاعتماد على حزب او تيار سياسي، إصلاحي او ليبرالي أو يساري، ينتصر للمراهقات اللواتي يخلعن الحجاب ويحرقنه، ويلوحن بالشعر الاسود الناعم  في ساحات المدن الايرانية وشوارعها..وهن في ذلك يتكلن كما يبدو على ما هو أقوى من أي قوة سياسية:على قوة العائلة، الأب والأم والأخ.. الذين، وبلا أدنى جدال، يدعمون ويدافعون عن كل فتاة خرجت من بيتها الى الشارع لتطالب بحقوقها الاجتماعية والانسانية وحريتها في التعامل مع جسدها. وإلا لما كانت المراهقات بهذه الجسارة في المس بما كان يبدو من مقدسات إيران ومحرماتها وصورها الرسمية، وبأساليب مبتكرة وأصابع محددة..

تمردُ الجيل الشاب في إيران واقع معاش وملموس في كل مكان، منذ ان أنضم الملايين من الايرانيين والايرانيين الى قائمة مواليد ما بعد الخمينية. لكن مختلف "الثورات" التي أطلقها الشعب الايراني في العقود الاربعة الماضية، كانت بناء على موعد سياسي، أو على وعد سياسي، أو على أمل سياسي، لا سيما منها تلك الثورة الخضراء التي جمعت مليوني إنسان في ساحة الحرية في طهران في العام 2009.

حتى الآن ليس هناك تظاهرة مليونية في أي من شوارع إيران، وربما لن يكون. لكن الشابات والمراهقات اللواتي بادرن الى التحرك، لسن بحاجة الى مثل هذه التظاهرة. فهن استقطبن الشبان والمراهقين، لاسيما من طلاب المدارس والجامعات، ليمثل الجمع، المتواضع نسبيا، مختلف عائلات ذلك الجيل الذي كسر حواجز الصمت وقيود الحرية، وحقق بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي وحدها، من دون أي إعلام تقليدي، ما لايمكن ان يحققه جمهور أي حزب او تيار سياسي: هز صورة النظام المتزمت، المنغلق على نفسه، المنسجم الى حد بعيد مع مصادره الفقهية المثيرة للجدل والشك، والمتأثر بالرياح الجافة، الآتية من البراري الافغانية القريبة.

أمام هذا العصيان والتمرد الأنثوي، الذي يتسم بجرأة كان يصعب تخيلها، حتى الأمس القريب، لا يملك النظام سوى أن يتراجع ويتخلى عن بعض أدواته وأسلحته الثقافية، لأن في كل بيت إيراني مراهقة ترفض الخضوع، لاسيما بيوت كبار رجال الدين والمسؤولين الذين جاهروا أكثر من مرة بخوفهم من فقدان سلطتهم على بناتهم وأبنائهم.
عندها سينكشف شعر الفتيات الإيرانيات، ومعه سيظهر الوجه الحقيقي لإيران ما بعد الحقبة الخمينية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها