الأحد 2022/10/30

آخر تحديث: 07:27 (بيروت)

تزوير عراقي يهدد اللجوء السوري الى أميركا

الأحد 2022/10/30
تزوير عراقي يهدد اللجوء السوري الى أميركا
increase حجم الخط decrease

لا تختلف الهجرة العربية الى أميركا عن غيرها من الهجرات غير الأوروبية الا في تفاصيل قليلة أثّرت في التكوين الديمغرافي للعرب الأميركيين، فحتى مطلع القرن العشرين كانت الغالبية العظمى من المهاجرين العرب من مسيحيي جبل لبنان ووادي النصارى في سوريا والكلدان والآشوريين العراقيين، والذين قصدوا العالم الجديد بعد تغيير قوانين الأحوال الشخصية في الإمبراطورية العثمانية والتي جعلت من الشباب غير المسلم خاضعًا للتجنيد الإجباري، فيما كان المسلمون في معظمهم ينظرون الى أميركا كبلاد كفر لا يجوز السفر اليها والإقامة فيها طوعيًا (لا تزال بعض الآراء الفقهية تعتمد ذلك)، الّا أن الحرب العالمية الأولى ازالت العائق الديني وصارت الهجرة الساعية الى معيشة أفضل شاملة للجميع وازدادت كثيرًا بعد الحرب العالمية الثانية ونكبة فلسطين ودخول المنطقة في حروب واضطرابات لا تزال تتوالد وتدفع المزيد من الناس خارج اوطانهم.

في الأرقام، يبلغ عدد العرب الأميركيين حسب احصائيات رسمية يعتمدها المعهد العربي الأميركي (AAI) نحو ثلاثة ملايين وسبعمئة الف نسمة، 82 بالمئة منهم حاصلون على الجنسية الأميركية، وينحدر حوالي ربعهم من لبنان تليه في الترتيب سوريا، العراق، مصر، فلسطين، اليمن، الأردن، وبقية الدول العربية، ويتوزعون على الولايات الخمسين، لكن أكثرهم يعيشون في 11 ولاية كبيرة؛ (كاليفورنيا 373 الفًا)، (ميشيغن 277.5 الفًا)، (تكساس 196 الفًا)، (نيويورك 195 الفًا)، (الينوي 143 الفًا)، (فلوريدا 130.5 الفًا)، (نيوجيرسي 116 الفًا)، (أوهايو 115 الفًا)، (مينيسوتا 108.5 آلاف)، (فرجينيا 100.5 ألف) و(بنسلفانيا 84 الفًا). وعلى الرغم من استمرار الهجرة الكثيفة فإن أكثرية العرب الأميركيين مولودين في أميركا.

على الرغم من الاستقرار النسبي للعرب الأميركيين في مجتمعهم الجديد، ما يجعل إجراءات لم الشمل والزواج الرافد العددي الأكبر، هناك شرائح أقل عددًا تتأثر بسياسات الهجرة التي تعتمدها الإدارات الأميركية المتعاقبة والتي بلغت ذروة سلبيتها في عهد دونالد ترامب الذي استهل رئاسته بفرض حظر السفر الى أميركا من ست دول عربية بالإضافة الى ايران مما حرم آلاف العائلات من لم الشمل خصوصًا من ليبيا واليمن والسودان والصومال وسوريا التي طال الحظر برنامج استقبال اللاجئين منها عبر الأمم المتحدة، كما رفع الحصانة القانونية عن الآلاف من المستفيدين من قانون الحماية المؤقتة، الذي يمنح مواطني الدول المضطربة إقامة واذن عمل تلقائيًا، ومن مرسوم (داكا) الذي أصدره الرئيس الأسبق باراك أوباما لحماية المقيمين الذين أتوا الى أميركا قبل سن البلوغ واستقروا فيها والسماح لهم بمواصلة تعليمهم أو توظيفهم.

استبشر العرب المقيمون بصورة غير نظامية في أميركا أو المستفيدين من برنامج الحماية المؤقتة ومرسوم (داكا) خيرًا برئاسة جوزيف بايدن الذي وعد عندما كان مرشحًا بالإبقاء عليهما وبإعادة رقم اللاجئين المقبولين في أميركا الى الأرقام التي سبقت عهد ترامب الذي خفضها عشرة أضعاف لتصبح 15 الفًا بدل 150 الفًا، لكن حساسية ملف الهجرة الذي حوّله المحافظون الى كرة سياسية ملتهبة فرضت حضورها على سياسات بايدن الذي ابقى على اشنع ما مارسه ترامب وأوله التدبير "42" القراقوشي (المستورد من خمسينيات القرن العشرين) والذي يسمح للإدارة بحجة الدواعي الصحية رد المتقدمين الى اللجوء بموجب القانون الأميركي واعادتهم دون استلام طلباتهم الى المكسيك، وتاليه مواصلة المرافعة القانونية الفدرالية لحرمان المستفيدين من برنامج الحماية المؤقتة ومنهم مواطني سوريا واليمن والصومال والسودان والتي ورثتها الإدارة الحالية عن الإدارة السابقة ولم تلغها. هناك 6455 سوري، 1696 يمني، 706 سودانيون و436 صومالي مشمولون بتلك الحماية.

بلغ مجموع اللاجئين الذين استقبلتهم أميركا في السنة المالية الأولى من عهد بايدن 11411 شخصًا، أي 18 بالمئة من الرقم المعلن في الموازنة، وأقل من 9% من الرقم المنشود. يحلو لإدارة بايدن لوم سلفه لكن الوقائع تفيد بأنها تحتمي خلفه حتى لا تثير حفيظة الناخبين البيض الذين اقتنعوا بفضل شبكة "فوكس نيوز" وأخواتها بأن الهجرة شر مطلق. كان نصيب اللاجئين السوريين في السنة المالية التي انتهت آخر أيلول/ سبتمبر الماضي 1246 (مقابل 12583 عام 2016)، ونصيب السودان 513، ونصيب العراق 497، ونصيب الصومال 174.

لم تقتصر مشكلة شح استقبال اللاجئين العرب عمومًا والسوريين خصوصًا على الحسابات السياسية لإدارة بايدن، بل كان لديها مسوغ أهم وأخطر، الا وهو اكتشاف السلطات الأميركية عمليات احتيال واسعة النطاق، وصفها الإعلام الأميركي بأنها الأكبر من نوعها في التاريخ الحديث، في برنامج إعادة توطين العراقيين المستفيدين من برنامج خاص يمنح الذين تعاونوا مع سلطات الاحتلال الأميركي من سياسيين ووجهاء ومترجمين ومساعدين حقًا حصريًا بدخول أميركا والعيش فيها. اشتبه المحققون بملفات أكثر من أربعة الاف عراقي منهم حوالي 500 وصلوا الى أميركا وبينهم من له صلات إرهابية وحصل على الجنسية الأميركية. كانت أولى نتاج التحقيق وقف كل معاملات اللجوء العراقية على الفور، وتاليًا إخضاع معاملات اللجوء السورية من لبنان والأردن وتركيا لتدقيق مفصل حتى لو كانت منجزة من المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة.  

بين أميركا بلاد الكفر أيام السلاطين وبين أميركا أرض الأحلام للنصارى والمسلمين اليوم، ثمة عالم تحّول وتغّير، تغيرت مسلمات ومفاهيم كثيرة ليبقى السؤال؛ كيف تكون أرض الكفر مطلوبة أكثر من أرض الرباط، وكيف لمن لا يحقق ذاته بالحق أن يتحقق بالتزوير؟


محمد العزير


  

  

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها