الخميس 2022/01/27

آخر تحديث: 17:04 (بيروت)

الحريري رهينة الامارات..تراجيديا العائلة والطائفة

الخميس 2022/01/27
الحريري رهينة الامارات..تراجيديا العائلة والطائفة
(علي علوش-المدن)
increase حجم الخط decrease

ثبُت بما لا يدع مجالاً للشك، أن بيان اعتزال الرئيس سعد الحريري قبل أيام، هو النسخة الاماراتية المنقحة والمزيدة من بيان الإستقالة الذي أملته عليه السعودية وطلبت منه إذاعته من الرياض في الرابع من تشرين الثاني من العام 2017..والذي كان نصاً حاداً في السياسة، جافاً من المشاعر والمظالم..والدموع التي فاضت، بصدق، في بيروت.

منذ أن منحت أبوظبي الحريري حق اللجوء، وبطاقة الاقامة والعمل في قطاع تشجيع الاستثمار في دولة الامارات، التي حرمته منها العاصمة السعودية، بدا واضحاً أن مشكلته في البلدين ، ومع المحمدين، ليس لها حل، سوى أن يدفع ثمناً باهظاً لاخطائه، سواء على صعيد العلاقة السيئة مع الاسرتين الحاكمتين، أو على مستوى تردي إدارته للامبراطورية التي ورثها عن والده، والتي إنتهت الى حجم هائل من الديون المتراكمة والافلاس المالي.

وعليه، أصبح سعد بمثابة رهينة، ومطالباً من القيادتين السعودية والاماراتية بأن يعمل لكي يسدد ديونه ويفك رهونه.. وأن يقدم، في السياسة ما يثبت أعلى درجات الولاء والانتماء، يدافع عن الرياض وأبو ظبي عندما تقصفان بالصواريخ الحوثية-الايرانية، بغير البيانات الرسمية التي تتضمن أشد عبارات الاستنكار: بالمقاطعة الكاملة لحزب الله، الشريك في ذلك القصف، والمواجهة السياسية المباشرة معه، ومع جميع حلفائه، من دون تحفظ ولا تردد.

في بيانه الاخير، قال الحريري، مرتين أنه إختار الالتزام بإرث الراحل رفيق الحريري في تفادي الحرب الاهلية، قاصداً بذلك تجنب الفتنة المذهبية تحديداً، ومضى الى الاعتراف بأنه خسر هذا الخيار ، ملمحاً طبعاً الى أن حزب الله، لم يعطه الفرصة التي سبق أن أعطاه لوالده، وأتاحت له المحافظة على شعرة معاوية مع جميع الأشقاء العرب والجيران الايرانيين..وهي الشعرة التي قطعها الحزب عندما خرج للقتال في اليمن.

قرار الاعتزال لا يقرأ إلا من هذه الزاوية، زاوية سقوط الحريري ضحية صراعات كبرى، تفوق قدرة العائلة الحريرية التي وضعت نفسها، أو وضعتها الاقدار في حقول رماية مدمرة، أنهت سيرتها التراجيدية المستمرة منذ 17 عاماً، على هذا النحو المريع، الذي لا يفسح المجال حتى لأبنائها بالاقامة الدائمة أو العمل الطبيعي في بيروت..

لكنها ليست فقط تراجيديا أسرة مفككة، متهالكة، تمنعها الامارات، والسعودية، حتى من الترشح للانتخابات، كما تمنع التيار السياسي الذي جمعته طوال العقود الماضية من هذا الحق، وكأنها تفرض عقاباً وتمارس إنتقاماً منهما.. هي أيضاً مأساة طائفة كاملة، تشعر أن سبلها العربية تتقطع، فتصبح يتيمة، معزولة عن الحواضر التي تشكل عمقها وأصلها وملاذها الدائم.

في ختام بيان الاعتزال، قال الحريري، باكياً، أنه سينفذ العقاب القاسي الذي أُنزل عليه وعلى العائلة وعلى التيار، لكن دموعه كانت كافية للايحاء بأن الطائفة كلها باتت في قفص الاتهام بأنها قاصرة عن الدفاع عن نفسها، وغير مؤهلة للعمل السياسي، وغير مرشحة لأي دور وطني، عدا الضياع، أو الفراغ الذي يصعب سدّه من دون غطاء سعودي إماراتي لم يمنح لأحد حتى الآن، ولم يعرض على أحد أيضاً..وربما لن يعرض أبداً.

ومن يقول اليوم أن تلك الطائفة ولاّدة، هو إما حالمٌ أو واهم.. أو أنه لم يقرأ الشروط السعودية الاماراتية التي إحتوتها الورقة الكويتية. هي سقف مرتفع جداً لإدارة الصراع على لبنان، يُشك أن تقبل به مصر أو قطر أو سلطنة عمان أو غيرها.. لكنه يفرض على أي مرشح سني لأي منصب رسمي، إلتزاماً مسبقاً لن يستطيع خرقه، لأنه سيكون معرضاً لعقاب أقسى مما تعرض له الحريري.  

ولعل أكثر من يبتهج بهذه الشروط هو حزب الله، الذي يرقص اليوم فرحاً أمام تراجيديا العائلة، ودراما الطائفة وضيق أفقها.     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها