الأحد 2021/08/15

آخر تحديث: 19:11 (بيروت)

لعنة لبنان.. لا أزمته

الأحد 2021/08/15
لعنة لبنان.. لا أزمته
increase حجم الخط decrease

عندما يعجز العقل عن العمل، لا يبقى سوى الغيب: هي لعنة أصابت لبنان وشعبه. لكن السماء لا تختار أهدافها عبثاً. والطبيعة لا تحدد وسائلها سلفاً. العذاب-التعذيب المتواصل سِمة عامة، تتباطأ حيناً وتتسارع أحياناً، كأنها تتيح فرصاً متقطعة لالتقاط الانفاس..قبل خطفها.

أما متى حلت تلك اللعنة، التي يبدو أنها من صنف جديد، يمثل تطويراً وتحديثاً لفكرة اللبننة التي دخلت في الماضي قواميس اللغة ومراجع السياسة والاجتماع والأمن، فذلك خلاف لم ولن يحسم مع الجيل اللبناني الحالي..ولا مع أجيال عديدة مقبلة، سترث العذاب وربما تتناقله بوصفه طبيعة لبنانية ثانية.

أما متى تزول تلك اللعنة، وبأي ثمن، وبأي شرط، وبأي ظرف، فذلك هو السؤال القاتل، الذي يفاقم العذاب، وينبىء بأن من يتمكن في النهاية من البقاء على هذه الارض اللبنانية الملعونة، لن يشهد على الصمود، بل على أن لبنان لم  يعد مكاناً صالحاً للسكن، للعيش. لن يكون هؤلاء بمثابة الفرقة الناجية، بل القلة التي تقطعت بها السبل، لا أكثر.

إذا كانت تلك اللعنة، التي يصفونها تهذيباً بأنها "أزمة"، هي الاسوأ في العالم منذ نحو 150 عاماً، التي نزلت في بلد وشعب ما، والتي ستتحول في المستقبل القريب، كما يقال الى مادة بحثية ودراسية في جامعات العالم ومعاهده، فإن الوقت الذي ستستغرقه تلك العملية التحليلية سيكون طويلاً جداً، ولا ضمانة بأن تنتهي الى مقررات أو توصيات حول كيفية تفادي "اللبننة" بصيغتها الراهنة.

الجميع يعلم الآن أن الانتظار سيكون طويلاً، وهو لا يقل، حسب المؤسسات الدولية عن 19 سنة. هذا إذا بدأ اليوم العمل الجدي على الخروج من "الأزمة"، وهي غير اللعنة، التي يمكن ان تستمر لفترة أطول، أو بالاحرى قد لا تزول أبداً. الثابت الآن، أن العمل لن يبدأ في المدى المنظور. وما يروجه أهل السياسة والاقتصاد والمال عن نهوض حتمي بعد الإرتطام الكبير، ليس سوى تضليل وتخدير.

ما هو هذا الارتطام الكبير، ومتى يحصل؟ الاجماع، أو الاحساس العام أنه بات وشيكاً. يمكن أن يأتي بتدخل مباشر من الطبيعة وغضبها الذي لا ينتهي، بل هو يكبر مع الايام، كما يمكن أن يأتي بعفوية لبنانية تستلهم التاريخ الذي لا يرحم.. وفي الحالتين، ستكون هناك حاجة الى إستعارة لغة الاديان ورجالها، للتوضيح بان العذاب اللبناني الراهن ما هو إلا إختبارٌ للمؤمنين، ولإلتزامهم، ودرسٌ لهم، أو لمن يأتي بعدهم، وما هو إلا عملية تطهير، تيسر الفرز ما بعد الموت.

الاختلاف على موعد حلول اللعنة هو الآن بمثابة ترفٍ، بالمقارنة مع النزاع حول موعد زوالها، البعيد. ما يتردد عن إرتباط ذلك الموعد برحيل رئيس أو أكثر، أو بغياب طبقة أو أكثر، ليس سوى وهم.. لا يقلل من شأنه سوى الزعم بأن الانتخابات المقبلة، نيابية كانت أم رئاسية أم بلدية، ستكون الضوء المنبعث من نهاية النفق. أضغاث أحلام، وأمنيات، يتطلب التثبت منها وصول جيلين لبنانيين أو أكثر.

الثمن بات باهظاً جداً جداً. اللعنة تتمدد أكثر من أي وقت مضى. لم يعد البلد موبوءاً، خاضعاً للحجر، بل بات التحلل من الداخل، ومن دون أي تدخل خارجي، أشبه بعلامات الآخرة. اصبحت الجائحة الصحية أسهل المخاطر وأبسط التهديدات. بالمقارنة مع الشعور العام بأنه ليس هناك غدٌ مختلف، بل غدٌ أسوأ ، تكون فيه الحياة الانسانية الطبيعية مجرد خيال، تستعاد لدى مشاهدة الصور المنقولة من بلاد بعيدة.

يمكن نسبة هذا العدم الى دولة لم تولد يوماً، ومجتمع لم يتكون فعلاً، وسلطة لم تغادر أبداً سلوك العصابة، وثورة لم تحصل حقاً، بل كانت في شكلها الأخير أشبه بكرنفال تلاشت ذكرياته بسرعة، وضاعت معه آمال واسعة بجيل جديد لن يسمح بدوام اللعنة اللبنانية الى الابد.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها