الخميس 2021/06/17

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

موعد مع الرئيس عون.. ومع تضحيته المنتظرة

الخميس 2021/06/17
موعد مع الرئيس عون.. ومع تضحيته المنتظرة
الموعد مع الرئيس عون لم ينته، لأن الوداع لم يكتمل (Getty)
increase حجم الخط decrease
لم يكن اللقاء في قصر بعبدا، مع ميشال عون رئيساً، بدافع مهني فقط، لتلقي أجوبة معروفة على أسئلة مكررة. البحث اليائس عن الدولة، رأسها، رمزها الأول، عنوانها الأبرز، مآلها الأخير، كان معطوفاً على الرغبة بتبيّن حال الرجل الذي دأب على صناعة الحدث اللبناني وصدارته منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى اليوم.

كاد اللقاء ينتهي وقوفاً، عندما افتتحه الرئيس، بقراءة ما ظهر من عناوين (إفتتاحيات سابقة لي) منشورة في "المدن" في الأشهر الماضية، وفيها وداع للرئيس وللعهد وللجمهورية وللتيار، وبسؤال مباشر استبق به السلام والكلام: هل جئتم لوداعي؟ فكان الجواب العفوي: بل جئنا للبحث عن المشروع الذي كنت تمثله ولم نعد نجده. المشروع الذي كان كثيرون معه، كيف انتهى، ولماذا؟

سارع عون إلى التوضيح أنه لم ولن يمانع يوماً اللقاء والحوار مع أي مخالف أو معارض. كان ذلك بداية التسليم الضمني بأن المشروع قد انتهى بالفعل، أو على وشك أن ينتهي. ودخل الحوار في مسار طويل، يعبر في جوهره عن مرارة الرئيس من طعنات الغدر التي تلقاها من أمراء الحرب ووجهاء السياسة، الذين وقفوا وصفقوا له بحماسة لم يعهدها في أي وقت من تاريخه.. ثم حفظوا أفكاره التغييرية ومشاريعه الإصلاحية في أدراج مجلسي النواب والوزراء، وما زالوا يقفلون عليها.

سردُ تلك الأفكار والمشاريع لم يكن بحاجة سوى إلى ذاكرة جيدة، لكنه كان يستدعي بعض المقاطعة للرئيس، عندما ورد ذِكر قانون الانتخابات الذي عدّه من إنجازات العهد، مع أن اعتماد النسبية، بما هي معجزة، نُسفت تماماً بالصوت التفضيلي، أو عندما وُضعت ثورة 17 تشرين في سياق تآمر خارجي، بينما هي كانت ولا تزال عفوية جداً، بدليل أنها لم تنجح ولم تصمد، ولم تنبعث اليوم، ولم يبق منها سوى شراذم ونتف ومظاهر هي أقرب إلى الفوضوية والعبثية منها إلى الثورية.. أو عندما باح الرئيس بقوله العفوي: هذا هو الطائف الذي تريدونه! وهو ما أجاز الرد أيضاً بأن المسلمين كانوا على استعداد، في مرحلة ما، لتعديل ذلك الدستور، وإعادة بعض الصلاحيات لرئاسة الجمهورية.. وهم أصبحوا اليوم بالذات أقل تحريماً للبحث حتى في فكرة الفيدرالية، التي كانت في عُرفهم السابق، غدراً وخيانة وتقسيماً ليس إلا.  

لكن اللقاء الطويل الذي بدأ عاصفاً، انتهى باسماً، بسبب جبران باسيل بالذات، الذي وصفه الرئيس عون بداية، على سبيل المزاح والعتاب، بـ"رئيس الظل"، الذي صنعه بنفسه، ولم ينف صراحة رغبته في ترشيحه للرئاسة، ولم ينكر قيامه بدور "تيريز"، ولم يتردد، والابتسامة ترتسم على وجهه، في طلب لقائه ومحاورته، بصفته "رئيس الظل".. في ظل التوسع (المتوقع دائماً) في شرح الموقف من سعد الحريري، وتكرار النقد لرحلاته الخارجية، إلى بلدان لم يلاحظ الرئيس أن الحريري نفسه لم يعد له فيها حلفاء أو أصدقاء كثراً، ولم تصنع له زعامة سنّية، تتشكل حالياً فقط بعناية الرئيس نبيه برّي ورعايته، التي حالت ولا تزال تحول، حتى الآن على الأقل، دون إرتقائه الى رتبة شهيدٍ سياسيٍ حيٍ آخر.

لم يكن من السهل، ولا من المطمئن، أن تظل الرواية الرئاسية محكومة بعقيدة "ما خلّونا نعمل شي". التسليم بالهزيمة كان يفترض أنه من عدّة التيار العوني ومن أدوات دفاعه عن نفسه، وعن العهد. لكنه أصبح جوهر خطاب الرئيس نفسه، الذي لم تنته ولايته بعد، وما زال منها سنة ونصف السنة، وهي فترة كافية، لفك العزل المفروض الآن على العهد من جميع القوى السياسية والشعبية من دون استثناء أو تمييز بين حليف أو خصم أو محايد.

لم يستغرب الرئيس أن يختم ذلك الحوار اليائس، بالتعبير عن الحزن على مصير البلد والدولة، وعلى ميشال عون نفسه، الذي اعترض الوداع أولاً، ثم قاد إليه، لا سيما وأنه يأبى على سبيل المثال الاستجابة لرجاء شعبي عام، يسمعه كل يوم في قصر بعبدا، بأن يخرق الدستور والقانون والعرف والصلاحيات، لكي يوفر بشكل طارىء حليب الأطفال أو الأدوية أو البنزين لشعبه، أن يكرر ما فعله هو والقاضية غادة عون مثلاً في ملف مكتّف، مع متهمين ومشبوهين بالاحتكار والفساد!

أما أن يخطر في البال مثلاً، أن ثمة ضرورة وطنية لكي "يضحي" الرئيس على الأقل اليوم قبل الغد، بتسمية وزيرين مسيحيين في الحكومة المنشودة، من أجل أن يوقف الخراب، فذلك خارج النقاش، الذي لا يتيح الجهر بحقيقة أن الشيعة "نالوا" وزارة المالية، بمباركة من فرنسا وأميركا وبريطانيا وروسيا والصين والهند واليابان وكوريا.. وهو ما ليس متاحاً لسواهم من الطوائف والمذاهب!!

الموعد مع الرئيس عون لم ينته، لأن الوداع لم يكتمل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها