الأحد 2020/11/29

آخر تحديث: 17:16 (بيروت)

إيران من دون نظامها..النووي

الأحد 2020/11/29
إيران من دون نظامها..النووي
increase حجم الخط decrease
بداهة القول أن الاميركيين والاسرائيليين يتصرفون مثل شبكات الجريمة المنظمة، وعصابات المافيا، لا تخدم النقاش حول الضربات المتلاحقة التي يوجهونها الى إيران، ويحولونها الى علامة تهديف ساكنة، بل تعطله. الكبرياء الوطني الايراني لم يعد له محل من الاعراب، والمصلحة القومية في الصمود والتصدي، لم يعد لها معنى.

الضربة الاخيرة التي تلقتها إيران بإغتيال واحد من أهم علمائها النوويين موجعة، وتكاد تكون قاضية لكل ما بنته على مدى السنوات السنوات الاربعين الماضية، أو على مدى سنوات حكم المرشد الحالي علي خامنئي، الثلاثين. هي، في البداية، تثير العطف، بل الشفقة، لأن مصدرها أعداء موصوفون، لا لبس في الموقف منهم.. ولأن هدفها بلد جار، من العالم الثالث، الذي يتسع لغالبية الدول العربية، ويسمو في هذه المرحلة بالذات، على كل ما عداه من هويات تاريخية ممزقة، ونزاعات سياسية مدمّرة.

سيادة القوي على الضعيف، لا تدع مجالا واسعاً للاجتهاد، خاصة إذا كانت علامات الضعف قاسية، مؤلمة لإيران، ومؤثرة أيضاً على بقية أنحاء العالم، أو على الاقل على غالبيته العالمثالثية، برغم ما تحتويه من تشوهات وإدعاءات وفضائح، في إدارة تلك البلدان المعذبة، من جهة، بكونها فريسة الدول الكبرى، دول الجريمة المنظمة الخارجة على القوانين الدولية والمعايير الاخلاقية، ومن جهة أخرى، بكونها ضحية أنظمتها العصبوية وحكامها المصابين بجنون العظمة.

ليس سوى ذلك الجنون هو الذي حوّل البرنامج النووي الايراني، الذي بُدىء بها في عهد الشاه في ستينات القرن الماضي، من عنصر تطور علمي وإقتصادي، الى تهديد مباشر على النظام والدولة والشعب في بلاد فارس. وبدلاً من أن يكون، حسب التعريف الايراني، وديعة للاجيال المقبلة في مرحلة ما بعد النفط والغاز، أصبح ذريعة، تحظى بالاجماع العالمي، لمنع تقدم إيران وخنقها. وبدلاً من أن تختار القيادة الايرانية، الحفاظ على تلك الوديعة، بالحكمة والسياسة والدبلوماسية، قررت أن تمضي قدما في حملة التوسع الخارجي الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الفارسي منذ ما قبل الميلاد، وإرتأت ان تخوض صراعها النووي في الجنوب اللبناني والسوري والفلسطيني والعراقي والسعودي..لتجنب خوضه في طهران واصفهان وتبريز ومشهد. هكذا كان قرار خامنئي الصريح، والمعلن حرفياً في أكثر من مناسبة. الجوار العربي هو مجرد خط للدفاع عن المدن الايرانية الكبرى!

كان القرار محيّراً، بقدر ما كان مسيئاً لجميع الحلفاء العرب لإيران. لم يتضح ما إذا كانت القيادة الايرانية، تزدري العرب وتستخدمهم كبش فداء لمشروعها النووي، ذي الاولوية المطلقة، أم أن ذلك المشروع هو مجرد غطاء لبرامج التوسع والهيمنة في العالم العربي، التي تحظى بالاولوية، على الاقل في هذه الحقبة. والاغرب من ذلك أن القيادة الايرانية وضعت نفسها، وعن سابق تصور وتصميم، في مرمى النيران، عندما سمحت باثارة المزيد من الشك حول برنامجها النووي، وأفقه العسكري، المحرم علناً وشرعاً، لكن المتداول في كل مكان.

هكذا، صارت تصفية العلماء النوويين الايرانيين وآخرهم وأبرزهم، محسن فخري زادة، عملاً يحفظ السلم العالمي والتوازن الاقليمي، وينال عليه الاميركيون والاسرائيليون التشجيع والتقدير.. ويتقدم على الجهود الدولية المبذولة لإعادة إيران الى داخل حدودها، وسحب شبكات الصواريخ والأمن التي نشرتها في أكثر من بلد عربي.. وهي اليوم مكشوفة ومهددة أكثر من أي وقت مضى، بعدما القضية الآن عادت الى قلب طهران، حيث يفقد النظام سيطرته على أمنه الداخلي الخاص، وتفتقد القيادة الى سبيل للرد على إعتداء صارخ وخرق خطير لسيادتها، عدا التلويح بمحاسبة المسؤولين والمنفذين ومعاقبتهم، من دون ذكر دولهم وحكوماتهم. وكأنه نزاع جنائي، فردي يدور بين عناصر أو خلايا إستخباراتية وأمنية من الجانبين.

البرنامج النووي الايراني هو أصل النزاع. هذا ما يدعيه الاميركيون والاسرائيليون الآن. الفصل بينه وبين النظام وهويته ووجوده صار مستحيلاً. هذا ما يقوله الايرانيون. ربما فات الاوان على التفاوض مع القيادة الايرانية الحالية على طبيعة ذلك البرنامج ومصيره، مثلما فات الاوان أيضاً على التفاوض على تفكيك القواعد الصاروخية الايرانية المنتشرة في معظم أنحاء المشرق العربي.

أما في طهران، وفي ضاحية جمران الشمالية، فإن الاصوات المرتفعة التي أطلقها قادة إيران، مؤشر مؤقت ربما على رد الفعل العفوي الذي يغلّب قرار التحدي والمواجهة، المرتبط بتقدير شائع، وغير مثبت حتى الآن، مفاده أن حفلة الجنون الاميركي الاسرائيلي المستمرة منذ أربع سنوات على وشك ان تتوقف، بعد أقل من شهرين من اليوم. عندها لكل حادث حديث، وعندها يمكن ان تختار القيادة الايرانية الرد في الزمان والمكان المناسبين.. قبل الاجابة على أسئلة أكثر أهمية تطرحها عملية الإغتيال الاخيرة مثل: ما نفع إيران إذا كانت تمتلك برنامجاً نووياً مكشوفاً وعارياً وتخسر أمنها وإستقرارها.. ونظامها؟ وما مكسب إيران إذا كانت تفرض سيطرتها على أربع عواصم عربية وتفقد سيطرتها على طهران؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها