الخميس 2019/08/08

آخر تحديث: 09:04 (بيروت)

التيار العوني..إنقلاب أبيض

الخميس 2019/08/08
التيار العوني..إنقلاب أبيض
increase حجم الخط decrease
ما زال يصعب إدراج السابع من آب 2001 في روزنامة النضال الوطني اللبناني الحافلة بالمناسبات التاريخية، مع أنه كان يوما مشهوداً، حافلاً بقدر لا بأس به من الوعي والتصميم والتحدي، لسلطة لم تكن على سوية مرتفعة من القهر والبطش، تجاه ذلك الجمهور الذي خرج في ذلك اليوم الى الشارع لمواجهة النظام الامني اللبناني السوري المشترك.. ودخل منه المئات الى سجون ذلك النظام، بغير ما يخرج المعتقلون عادة من السجون الاسرائيلية او السورية.  

كان عملاً سياسياً مفصلياً. إتخذ الاحتجاج شكله وموقعه الطبيعي. بيئة كاملة، تتعرض للعزل والتهميش، تقرر ان ترفع صوتها عالياً، وأن تمد الجنرال المنفي ميشال عون بالزخم الشعبي لمتابعة المعركة من فرنسا، وأن تحمي الدكتور سمير جعجع من الخطر الداهم، وأن تصون بقية القيادات والرموز المسيحية من خطر الزوال، في ظل شعور عام بآثار نكسة اتفاق الطائف.. من دون أن يكون البناء على بيان البطاركة والمطارنة الشهير، الصادر قبل عام من التظاهرة، أولوية المتظاهرين، ومن الاستناد على مصالحة الجبل التي كانت ولا تزال خارج حسابات الغالبية العونية من المتظاهرين، المناهضين أصلاً لتلك المصالحة، بإعتبارها تتمة للانقلاب السياسي على عون.

كان الاحتجاج في طابعه الأعم هو التفاعل العملي الاول بين الجمهور العوني وبين القائد المغيب، الذي كان قد إعتمد طوال عشر سنوات ونيف على "الكفاح الدبلوماسي" لا سيما في واشنطن، وعلى  فتح خطوطه الهاتفية الفرنسية مع رموز التيار وخلاياه، فقرر أن يختبر قدرة ذلك الجمهور على ملء الشارع وعلى تلقي الضرب من العسكر وعلى التعرض للاعتقال من الأمن.

نجحت التجربة التي كان ينظر إليها من "بيروت الغربية" يومها بعين الرضا، كونها موجهة ضد  النظام السوري وجيشه الباغي ووكلائه اللبنانيين الذين تولوا مهمة إضطهاد تلك البيئة.. فكان ذلك الموقف الصادر عن الطرف الاخر من  خطوط التماس السابقة العلامة الاولى على أن المصالحة قد تحققت والحرب الاهلية صارت وراء الجميع ، وبات يمكن الحديث عن مرحلة ما بعد سوريا ، بعد زوال وجودها العسكري"الشرعي والضروري والمؤقت" حسب شعار أثير من تلك الايام، أودى في ما بعد بحياة عدد من القيادات اللبنانية، أبرزهم الراحل رفيق الحريري.

لكن النظرة الايجابية المتعاطفة الى حد بعيد، ظلت محكومة بالاشتباه بأن التيار العوني تحديداً الذي تقلب على مختلف الدروب والتحالفات السياسية، يمكن أن ينقلب في أي لحظة على ذلك الحراك، ليقفز الى دمشق، التي كانت تميزه عن سواه من القوى المسيحية، وتعامله باللين حينا، وبالاغواء أحياناً على أمل إستيعابه في صفوف حلفائها، برغم أنه كان يقود حملة شعواء من أجل معاقبة سوريا ومحاسبتها على ما فعلته بالمسيحيين اللبنانيين، وبالجنرال عون خاصة.

ولعل مصدر ذلك الاشتباه هو المسعى العوني، الذي بدأ في تلك الفترة وما زال مستمراً حتى اليوم، للتخفف من حمولات العداء لسوريا ورموزه داخل التيار، الذين لم يبق منهم أحد الآن، وإستبدالهم بالمتنقلين على "الخط العسكري" المؤدي الى دمشق، وعددهم يكاد يوازي الآن زوار العاصمة السورية من حزب الله. وقد كانت العودة من المنفى الفرنسي وظروفها وشروطها، في العام 2005، الدليل على ان العونيين، لن يكونوا الا في الحضن السوري.. والارجح أنهم لم يكونوا يوماً خارجه، حتى وهم يلوحون بلافتات تدعو الى تحرير لبنان من "الاحتلال السوري"، والتي كانت دمشق متسامحة معها ومع إستخدام تلك العبارة المشينة، والتي كانت بقية القوى السياسية اللبنانية تتحفظ في إعتمادها.

طوال السنوات ال18 الماضية درج التيار العوني على إحياء ذكرى السابع من آب، لكن إسم سوريا تساقط مع مرور الزمن، ومع عبور الجنرال عون الى دمشق وبراد متوجاً زعيماً لمسيحيي الشرق.. حتى غاب نهائياً لتحل محله، صورة أجهزة أميل لحود الامنية وقسوتها "المستغربة" في التعامل مع العونيين، حسب شهاداتهم المتكررة سنويا، لا سيما بالامس أيضاً، برغم ما كان يجمع بين الجانبين كما روى بعض الشهود، من تحالفات وشراكات وصداقات، ولينتهي الامر بإعلان الحرب العونية الآن على وليد جنبلاط وسمير جعجع، وهما الأشد خصومة مع النظام السوري، بل الخصمين اللبنانيين الوحيدين له.

 لعله لم يعد يجوز إختزال السياسة اللبنانية ببعدها السوري فقط، ولاسباب سورية معروفة. لكن التيار العوني كان وسيبقى محيراً في "نضاله" من أجل السلطة التي نالها من دون أن يكون يوماً في صفوف المعارضة، بل بالقيام ب"إنقلاب أبيض"على السلطة، من داخلها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها