الأحد 2019/08/04

آخر تحديث: 14:10 (بيروت)

إسرائيل إذ تجد بديلاً للحرب

الأحد 2019/08/04
إسرائيل إذ تجد بديلاً للحرب
increase حجم الخط decrease

عندما تتحول السماء الى مصدر لذلك الطنين المزعج الذي لا ينقطع، ليل نهار، ولا يتطلب إستراحة ولا يخضع لأي هدنة، لا يمكن أن ينسب الامر الى غضب إلهي او إلى توتر أمني أو سياسي ، كما لا يمكن ان يصنف باعتباره تلويثاً صوتياً متعمداً للبيئة..مع أنه يحتمل هذه الصفات جميعاً.

يصعب الاعتياد على ذلك الضجيج الخافت الذي كان في ما مضى، قبل غزو العام 1982 ، مجرد إستكشاف وإستطلاع وتصوير لا يتجاوز بضع ساعات، ومادة للتندر بإعتباره موسيقى تصويرية لفيلم إسرائيلي طويل، او محاولة يهودية خبيثة للتسلل والتطفل على البيوت والحقول والوجوه المحافظة، لكنه صار اليوم، عنصراً ضاغطاً على المشهد الجنوبي وعلى أحاديث الجنوبيين، لا يمكن تفاديه بسهولة..مهما كان الاحساس بالنصر او الهزيمة من الحرب الاخيرة، العام 2006 .

في ذلك الجدل، لا غلبة لأحد: "إذا كنا قد إنتصرنا في تلك الحرب، فكيف زادت المراقبة الجوية والتجسس الى هذا الحد، بدل أن تنقص؟ وكيف صار العدو يتجرأ على إبقاء طائراته المسيرة في سماء الجنوب بلا توقف تقريباً، من دون أن يحسب أي حساب، بعدما كانت مثل تلك الطلعات تتم في الماضي بشكل أسبوعي أو ربما أكثر؟ لعل العدو المنهزم يرد بهذه الطريقة على خيبته الاخيرة، ويسعى الى تفادي أي مفاجأة جديدة ، على مستوى على صعيد الصواريخ المخزنة في الجنوب، والتي يقدر عددها بعشرات الالاف؟".."أما إذا كنا قد هزمنا في تلك الحرب، فما الداعي الى مثل هذه المهمات الجوية المكثفة، التي لا تضاعف قوة الردع المفترضة، بل ربما تخفف منها، وتساهم في تعميم خطاب القلق الاسرائيلي الذي يسود في الوسط الجنوبي عامة، ويعتبر ان العدو لم يعد يفكر باللجوء الى مغامرة عسكرية جديدة".

الجدل بلا أفق، سوى العامل الجديد الذي أضيف الى الملاحظات الجنوبية، وهو أن تكثيف الانتهاكات الجوية المعادية باتت مؤشراً على الغارات التي تستهدف بين الحين والاخر مواقع سورية أو إيرانية أو حتى لبنانية داخل الاراضي السورية، والتي تستخدم في معظم الاحيان الاجواء اللبنانية للعبور أو للتضليل او حتى للاستعراض. هنا يتوقف الكلام، لكي لا يصل الى العناوين الحرجة مثل أسباب عدم الرد السوري أو الايراني أو حتى اللبناني على تلك الغارات، او مثل درجة تورط الروس في العمليات الأسرائيلية ، سواء من خلال التغطية أو حتى التمويه.

الإحتفاظ بالحدود اللبنانية للتحليل والتقدير، هو الملاذ الاخير الذي تنتهي عنده تلك الاستباحة الاسرائيلية المستفزة لسماء لبنان، والتي يمكن الانتقال منها الى الداخل اللبناني، وسوء إدارة الطبقة السياسية للدولة ومؤسساتها كافة، بوصفه أولوية الاولويات، والتهديد الوجودي الذي لم يسبق له مثيل منذ الحرب الاهلية، والذي يجعل الخطر الجوي الاسرائيلي ثانوياً أو ربما هامشياً، يعبر عن ذلك"القلق"الاسرائيلي، أكثر مما يعكس التوق الاسرائيلي الى حرب جديدة، ويشكل عنصر ردع مقبول، ومسلم به من الجميع.

بعض الكلام يتناول تطور الصناعة الاسرائيلية وتفوقها العالمي في مجال الطائرات المسيرة، وبعضه الآخر يلامس الاعتراف الضمني بأن لبنان ليس وحيداً في التعرض لتلك الانتهاكات الجوية الاسرائيلية التي باتت تمتد من سوريا الى العراق وصولا الى إيران نفسها. لكن يبدو أن الوقت ليس مناسباً للسؤال عن سبب عدم الرد بالمثل على تلك الانتهاكات، إن لم يكن من الجبهة اللبنانية الهشة، فمن الجبهة السورية او العراقية، لاسيما وأنه جرت محاولات حذرة آخرها في شهر حزيران يونيو الماضي، عندما إعترفت إسرائيل بدخول طائرة مسيرة مجالها الجوي في الجولان المحتلة ووصلت حتى بحيرة طبريا قبل أن تعود الى قواعدها السورية التي سبق ان قصفت أكثر من مرة..من دون أن تشعل حرباً.

المغامرة ممكنة، بل ربما واجبة. تلك الطائرات المسيرة هي عنوان حروب المستقبل، وجوهرها، وربما حصيلتها النهائية. الاستباحة الاسرائيلية الراهنة للسماء اللبنانية الجنوبية خاصة، لا تقع في باب الازعاج او الردع او الترهيب. هي أشبه ما تكون بحرب نفسية تخاض عن سابق تصور وتصميم، وتهدف الى تحقيق نصر جديد..من دون قتال هذه المرة.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها