الأحد 2019/06/16

آخر تحديث: 06:47 (بيروت)

في جدلية إحتقار المرأة

الأحد 2019/06/16
في جدلية إحتقار المرأة
أقنعة نرفتيتي مع قناع واقٍ من الغاز، ارتداها مشاركون في مؤتمر "أمنستي" 2013 في برلين تضامناً مع المصريات المعنفات (غيتي)
increase حجم الخط decrease
ربما ليس للروائي المصري، أشرف الخمايسي، معرفة كافية بجدلية الكون المثالي "fine tuning of the universe argument"، أو ربما لا يعرفها على الإطلاق. لكن الجدل الذي يحرص الروائي على إطلاقه من حين إلى آخر، فإذا به يطلق الغضب والسخط، كأنما يعود في معظمه إلى تطبيق غير واع بنقد هذه الجدلية، ويصبّ دائماً في شكل احتقار للمرأة، يندر أن يجرؤ عليه المتعلمون في القرن الحادي والعشرين.

اختار الروائي أن يشتبك مع جدل أثارته تصريحات شيخ الأزهر حول "َضرب الزوجة"، الذي أباحه الشيخ "شرط أن يكون رمزياً"، بغرض "جرح كبرياء المرأة التي تتعالى على زوجها"! وفيما اتسعت ردود الأفعال، بين الغضب والسخرية، وبين استعراض أرقام ضحايا العنف الزوجي وضرورة تجديد الخطاب الديني، فإذ بالروائي الخمايسي يكتب ما يكاد يكون غزلاً في ضرب الزوجات، في صفحته الحافلة بالمتابعين في "فايسبوك"، ليعلن بأن "الضرب كان شاهداً على الحب يا أولاد الكلب"(!). ويتابع إن "زوجات كتير فاهمين الحالة اللي باتكلم عنها، وغالباً هما الزوجات الطيبات، السهلات الكريمات الدلوعات، أما بتوع المساواة وحقوق المرأة، فاحذروهن، إنهن شر مطلق، وراء كل مطلّق ومطلّقة".

يصعب تصور أن تلك الكلمات، التي تبدو كما لو كانت صادرة من فم رجل أُمّي قبل قرن من الزمان، أو على الأكثر، كأنها جزء من مونولوج للفنان "الملتزم" حسين صدقي في الثلث الأول من القرن العشرين، هي لروائي "مثقف" وصلت روايتاه "منافي الرب" و"انحراف حاد" إلى لائحة البوكر الطويلة لعامين متتاليين في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وكأنما هو دليل جديد على تباعد المسافة بين "سوق" الكتب، والثقافة بمعناها التنويري أو حتى المعاصر.

غير أن المقتطفات السابقة ليست إلا مزقاً صغيرة من المنشور الطويل للروائي البوكري. إذ سبقتها محاولات إقناع "إيروتيكية" بأهمية ضرب المرأة، فيكتب واصفاً الحال بعد الضرب الضروري "والصلح يكون بالليل، وفي الصبح تقوم الزوجة مبسوطة وتقول: ضرب الحبيب زي أكل الزبيب، والرجالة كانت تلمس أن غنج المرأة بيزيد في الفراش لما تكون مضروبة، وتقعد تدلل قبل المنام، ويحصل أحلى وأمتع شغل. فالراجل ينصح صاحبه ويقوله: إضربها واركبها"(!).

لم تفلح هذه الكلمات الشبيهة بكتب النصائح الجنسية في العصور الوسطى، إلا في رفع موجة السخط أكثر، لكن الخمايسي اعتاد إثارة الجدل وتوجيه سهامه "الفكرية" إلى هذا وذاك. في العام الماضي، أعلن أن المرأة ليست مبدعة بل "ليست مهيأة لاختراق مجال الإبداع"، وكان ذلك إعادة لما كرره من قبل بأن تركيبة المرأة لا تسمح لها بأن تكون مبدعة، وإن سرّ وجود بعض المبدعات هو أن "لكل قاعدة شواذ". لقد دافع الخمايسي عن "آرائه" تلك لسنوات، وكانت مهما تمادت في رجعيتها، تجد أنصاراً. غير أن موجة السخط والهجوم رداً على  منشور "إضربها واركبها" كانت أعلى من كل مرة، ربما لأن الأفكار الرجعية هذه المرة  لامست حدود الانتهاك الجنسي، الأمر الذي دفع بالروائي إلى التراجع خطوة ثم خطوات. فتارة يتهم القراء بسوء الفهم، وتارة يقول إنه كان يقصد "الزمن الماضي"، قبل أن ينتهي به الأمر إلى إزالة المنشور أملاً ربما في محو الغضب.

لكن، ببقاء المنشور أو إزالته، وبأفكار الخمايسي المنشورة هنا وهناك، لماذا يعتقد الروائي –والرجعيون عموماً - في أفكارهم العنصرية؟ ما الشواهد التي يبنون عليها قناعتهم؟ نعود هنا إلى "جدلية الكون المثالي- أو جدلية التوافق الدقيق"، وتقوم الجدلية باختصار على الانبهار الشديد بالدقة المذهلة للقوانين الكونية، والاعتقاد بأن تلك الدقة كانت حتمية لوجود الكون على هذا النحو، ولولاها لما وُجد على الإطلاق. في المقابل، ثمة فرضية تعدد الأكوان "multiverse"، والتي تعني، باختصار، إنه في حالة التعدد اللانهائي للأكوان، فإن وجود كون صالح للحياة ليس أمراً غريباً، بل هو حتمي، ومن ثم لسنا في حاجة لأن نفترض أنه كون وحيد صُنع خصيصاً بدقة مذهلة.

هكذا، ترى النظرة الرجعية العالم/المجتمع كما هو عليه، وتقدس قوانينه، معتقدة أنه لم يكن ممكن الوجود على أي نحو آخر. فهو مثلاً، حين يرى أن "عدد المبدعات أقل من عدد المبدعين"، يعتقد أن تلك طبيعة الحياة، وليست ما نتج عن كبت النساء لآلاف السنين وعدم منحهن الفرصة للتعليم والعمل والحياة المستقلة، وليست لأن ذلك الكبت ظل مستمراً حتى في العالم المتقدم إلى فترة قريبة جداً بمعيار التاريخ. أما في العالم العربي، فحدّث ولا حرج عن الأمّية والقمع وجرائم الشرف. وكذلك، حين يستعيد الروائي بكل حنين "زوجات زمان" اللواتي لم يكن يزعجهن الضرب "الشاهد على الحب"، فإنه لا يدرك أن الزوجات المضروبات المقهورات أولئك وُجدن في الكون على هذا النحو، كنتيجة للقمع لا كسبب للوجود، وأن وجودهن المقهور ذاك ليس حتمياً، وإنه، مع تغيير المعطيات، كما في نظرية الأكوان، يمكن  لحيواتهن أن تكون على ألف نحو آخر.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب