الثلاثاء 2019/04/02

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

مصر: عقد اجتماعي جديد؟

الثلاثاء 2019/04/02
مصر: عقد اجتماعي جديد؟
الإجراءات الاجتماعية التي أعلنها السيسي تبدو جزءاً من برنامج صندوق النقد الدولي المتعلق بقرض الـ12 مليار دولار(غيتي)
increase حجم الخط decrease
وصفت وزارة المالية المصرية، في بيان أصدرته السبت الماضي، إن حزمة "الإجراءات الاجتماعية" التي أعلن عنها الرئيس في اليوم نفسه هي "عقد اجتماعي جديد". وكان عبدالفتاح السيسي قد أعلن في حفلة لتكريم الأمهات المثاليات، عن حزمة من القرارات، تضمنت رفع الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة من 1200 إلى 2000 جنية مصري، بالإضافة إلى علاوة استثنائية بقيمة 150 جنيهاً، ورفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 900 جنيه مع زيادة بقيمة 15%، وإطلاق حركة الترقيات في الجهاز الإداري للدولة، مع ضم 100 ألف أسرة إلى برنامج "تكافل وكرامة".

ولا يبدو من باب المصادفة أن يأتي الإعلان الرئاسي، بعدما اختتم البرلمان المصري، الخميس الماضي، جلسات الحوار المجتمعي حول التعديلات الدستورية المقترحة. وكانت شخصيات عامة معارضة قد دُعيت إلى هذه الجلسات، وأتيحت لها فرصة - أضحت نادرة وغير متوقعة - للتعبير عن آراء رافضة للتعديلات داخل المجلس. وواكب ذلك تراجعٌ لحملة الاعتقالات الأخيرة التي تصاعدت منذ الإعلان عن نية البرلمان مناقشة تعديلات الدستور. وبالطبع، ومع تصاعد الاحتجاجات المطالبة بسقوط الأنظمة في السودان والجزائر، فإن سلوكيات السلطة في مصر بدت للبعض مؤخراً، وكأنها تتحول إلى نسق أقل صدامية، ولو بشكل مؤقت، وبهدف تمرير التعديلات الدستورية.

لكن تلك القراءة، رغم وجاهتها، لا تبدو دقيقة كفاية. فحزمة القرارات الاجتماعية، التي أعلن عنها الرئيس، كان مقرراً الإعلان عنها في أي حال بنهاية السنة المالية الجارية، أي في يونيو/حزيران المقبل. وبحسب كلمته، فإن الرئيس رأى أنه لا يجب أن ينتظر الإعلان عنها كل هذا الوقت. وما يؤكد أن الزيادة في مخصصات الرواتب كانت مقررة قبل ذلك بوقت طويل، وباتفاق مع صندوق النقد الدولي، هو التقرير الذي نشره الصندوق نفسه، في شهر يوليو/تموز2018، والذي توقع فيه أن تصل مخصصات الأجور في الموازنة العامة للعام المالي المقبل إلى 306 مليارات جنيه، أي أعلى قليلاً من قيمة الـ300 مليار جنيه التي أعلن عنها السيسي. لذا، فمن الجائز أن يكون توقيت الإعلان عن الزيادات، ذا غرض دعائي مرتبط بالاستفتاء المنتظر على التعديلات الدستورية، لكن حزمة الإجراءات ذاتها تبدو جزءاً من برنامج صندوق النقد المتعلق بقرض الـ12 مليار دولار.

وتوضح بيسان كساب، في مقال نشره موقع "مدى مصر"، بشكل تفصيلي، أن نسبة الزيادة في مخصصات الأجور للعام المقبل هي في الحقيقة أقل من نسبتها في العام الجاري، وأنها لا تعني عملياً سوى تراجع في القيمة الشرائية للأجور، بسبب معدلات التضخم العالية. إلا أن هذا لا ينفي أن حزمة القرارات تلك، تساعد في تخفيف آثار التضخم لدى قطاع واسع من العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات، خصوصاً في الدرجات الوظيفية الدنيا، كما توفر دخلاً لمئة ألف أسرة إضافية من مستحقي برنامج "تكافل وكرامة". والأهم هو التأثير المعنوي لتلك الزيادات، المقترنة أيضاً بفتح حركة الترقيات.

وتنجح الحكومة في الالتزام ببرنامج صندوق النقد حتى الآن. فالزيادات المعلن عنها، تعني في الحقيقة خفض نسبة مخصصات الأجور من الناتج المحلي، مقارنة بنسبة العام الجاري. وفي الوقت نفسه، يبدو النظام وقد ضمن بتلك الزيادات إرضاءً موقتاً لبضعة ملايين من أسر العاملين في الدولة وملايين المواطنين من أصحاب المعاشات، والذين يشكلون كتلته التصويتية الأكثر إخلاصاً، والمتوقع أن يحشدهم النظام في تمرير التعديلات الدستورية المقبلة. لكن المعضلة التي يجب على النظام مواجهتها قريباً، هو التأثير التراكمي للإجراءات التقشفية لبرنامج "الإصلاح الاقتصادي"، في غالبية المصريين من غير العاملين في الدولة، وغيرهم من العاملين فيها بعقود مؤقتة أو بنظام المكافأة الشاملة واليومية، وأصحاب الوظائف الموسمية في القطاع الخاص والسوق غير الرسمي، وملايين العاطلين ممن يشكل الشباب غالبيتهم، وكذا المتقاعدين من غير المؤمّن عليهم. ففي يوليو/تموز المقبل، ستترافق زيادة دخول موظفي الدولة ومتقاعديها، مع رفع الدعم نهائياً عن الوقود والطاقة، وموجة جديدة من التضخم كما هو متوقع ستضرب غالبية الأسر المصرية، المنهكة بالأساس. ويبقى لهؤلاء في "العقد الاجتماعي الجديد"، بعض الأمنيات، وقليل من الصبر الذي له أن ينفد.
  

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها