ولم يكن هناك جدال في ان مهمة قمع الثورة وإحباطها وتفريق جمهورها ستكون على عاتق حزب الله حصراً، لأنها تستهدفه مباشرة بصفته شريكاً رئيسياً في صناعة قرار السلطة التنفيذية، لأن الجيش والاجهزة الامنية تعتمد على التمويل والتسليح الغربي، وتخضع بالتالي لرقابة الغرب ومحاسبته..ولأن فكرة تورط الحزب في نزاع مع الشارع اللبناني مغرية للكثيرين في الداخل والخارج.
ما جرى ليلة الامس على جسر الرينغ، كان معجزة حقيقية قد لا تتكرر: لم يكن يُتوقع ان تمر على خير. لم تسفك دماء ولم يظهر سلاح ولم تطلق النار حتى في الهواء. لكن المشهد لم يكن يحتاج الى شرح .النية موجودة ، والقرار جاهز، والانذار هو الاخير، بعدما سبقته إنذارات كثيرة كان مفعولها عكسياً، ومحاولات عديدة لاحتواء الثورة وإختراقها، كان مردودها سلبياً.
الاتي أعظم، أخطر. ذلك هو الانطباع العام الذي خلفته تلك الليلة الحرجة. صبر حزب الله ينفد، وكذلك حركة أمل، ولا مجال بعد اليوم للتمييز بينهما على قاعدة ان الحركة ترى أن المشكلة هي في قصر بعبدا، مع الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، بينما يعتقد الحزب أن المشكلة هي في بيت الوسط وفي الرئيس سعد الحريري وحلفائه الذين يركبون موجة الثورة ويودون المبالغة في إستثمارها.
من الآن فصاعداً بات التسامح النسبي من جانب الحزب والحركة مع الثورة دليل ضعف، لا يتناسب مع موازين القوى المحلية، ولا يتلاءم مع النموذج الايراني الذي قدم الاسبوع الماضي تجربة فريدة في البطش، كانت حصيلتها اكثر من 300 قتيل و2000 جريح وما يزيد على عشرة آلاف معتقل في إقل من 72 ساعة عزلت فيها إيران عن العالم، ولوحق المحتجون الى المستشفيات والمنازل.
كانت تلك التجربة دليل عمل لحلفاء إيران في العراق وفي لبنان، الذين أبدوا في الاسابيع القليلة الماضية، قدراً معقولاً من التساهل مع المحتجين، ما ساهم في فتح نقاش جدي حول تعديل الدستور العراقي وتغيير قانون الانتخابات وإعادة تأهيل الدولة ومؤسساتها، من جهة ، وما ساعد في توسع نطاق الثورة اللبنانية وتجذر أهدافها وبرامجها ومطالبها، بما يتعدى خطوط الفصل الطائفي والمذهبي، ويمهد لتغيير وجه النظام اللبناني ورموزه.
التوجيه واضح. البقاء في الحيز اللبناني، يؤدي الى الهزيمة أمام ثورة شعبية كاسحة. آن الأوان لتصعيد عروض القوة التي تستفيد من الالهام الايراني، وتقطع الطريق على أي بحث سياسي يتمثل الوجه الايجابي للتجربة العراقية، التي تشكل على الارجح كابوساً بالنسبة الى الثنائي الشيعي، يجسده الخوف من أن يكون إهتزاز عهد الرئيس ميشال عون، مقدمة لسقوطه وضياع كل ما راكمه الشيعة من مكاسب على مدى السنوات الثلاثين الماضية، منذ إتفاق الطائف وحتى اليوم.
عرض القوة الذي نفذ على جسر الرينغ، بالامس، لم يكن نهاية المطاف، لا بالنسبة الى الثنائي الشيعي، ولا طبعا بالنسبة الى الثورة، التي لا يبدو أنها ستتيح للتاريخ ان يعيد نفسه، ويكرر تجربة العام 2008، التي إنتهت الى إستسلام خصوم ذلك الثنائي. الثورة صارت أكبر من أن يتمكن أحد من إنهائها، أو من تعطيل أهدافها الاصلاحية التي قد يكون من الصعب الآن إقناع غالبية الشيعة أنها تفيدهم أكثر من أي طائفة أخرى.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها