الأربعاء 2019/10/30

آخر تحديث: 11:14 (بيروت)

الحريري: كبش الفداء الاول

الأربعاء 2019/10/30
الحريري: كبش الفداء الاول
دالاتي نهرا
increase حجم الخط decrease
ليست استقالة الرئيس سعد الحريري هي الوحيدة المطلوبة. فالرجل كان في العامين الماضيين أشبه بدرعٍ واقٍ للسلطة وفرقائها الاقوياء، وقناع يخفي تشوهات الرئاسة والحكومة، ويتلقى الضربات التي توجه الى الحكم من مختلف الجهات. وها هو يرتقي اليوم من رتبة موظف الى رتبة مسؤول ، وربما صانع قرار.   

الأزمة السياسية الطويلة والعميقة التي دخلها لبنان، في أعقاب إستقالة الحريري وحكومته، لن تكون بالأمر السيء أبداً، ولا الخطر طبعا. هي إنجاز لا شك فيه للثورة الشعبية الكبرى التي أطلقها اللبنانيون للمرة الاولى في تاريخهم، يحتاج الى حماية ورعاية، وتحديث دائم، لكي لا تتمكن منه قوى الثورة المضادة.

تأخرت إستقالة الرئيس الحريري أسبوعاً على الاقل. لم تأت إستجابة لصرخة الشارع المليونية التي دوت يوم الاربعاء الماضي، بل نتيجة صراع حاد بين أهل السلطة، وهو ما لا ينتقص من قيمة ما حققته الثورة الشعبية، التي باتت قادرة على صون السلم الاهلي أكثر بكثير من الطبقة السياسية، كما برهنت كل يوم منذ السابع عشر من تشرين الاول أكتوبر الحالي. وهو مكسب وطني تاريخي أيضا.

الاستقالة تركب موجة الشارع وتتنصل من مسؤولية الازمة، التي لم يكن رئيس الحكومة وفريقه مجرد شاهد عليها، وإقتراحات الضرائب دليل لا يحتمل الشك.. وتلقي العبء على صناع القرار اللبناني، الرئيس ميشال عون وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وتتحداهما، بعدما هددا الحريري صراحة بالمحاكمة، إذا إستقال، ولوحا له ولفريقه بما هو أسوأ من القضاء. وما شهده الشارع من إختراقات من جانب الحزب، امس الثلاثاء، وقبله بايام، كان بمثابة إنذار.

ولأن الثورة فككت حتى الآن الكثير من المسلمات والرموز السابقة، بات من المستحيل على سبيل المثال، اعتماد أدوات التحليل القديمة، في قراءة الاستقالة بوصفها تمرداً سنياً متأخراً على الارادة المارونية والشيعية الحاكمة، او في حصر نتائجها فقط في الاخلال بموازين القوى بين الطوائف والمذاهب. قلة قليلة من الثوار إعتبرت ان خروج الحريري من السلطة هو عزل للسنة، أما الكثرة فإنها تطلعت على الفور الى الاسماء الاخرى التي يراد لها ان تخرج من الحكم. وليس من المستبعد ان تؤدي الاستقالة الى إلتحاق المترددين السنة (البيارتة تحديداً) بالثورة التي قدمت مدينة سنية مركزية واحدة من أبهى صورها.

الاستقالة خطوة الى الامام، بلا أي جدال، ومهما كان الثمن المباشر لها، والذي لا يعادل الاثمان الباهظة التي دفعها ولا يزال يدفعها جمهور الثورة من فساد السلطة وسوء إدارتها للدولة ومؤسساتها. إضطراب العلاقة بين أهل الحكم، الذي كان في الماضي يفجر السلم الاهلي، سيكون اليوم واحداً من أمتع مشاهد الثورة وأهم مكتسباتها البعيدة المدى.

في الايام ال13 الماضية، إستمتع جمهور الثورة بالنزاعات والانشقاقات والمؤامرات التي دارت بين أهل السلطة، او داخل كل فريق من فرقائها وعائلاتها، بشكل درامي مثير. لكنه كان ولا يزال يطلب المزيد، ويترقب الكثير.. ويتوقع ان يؤدي التشقق الظاهر في جدران هياكل السلطة الى إنهيار كامل، يبشر بالغد المختلف الذي يتطلع اليه الثوار، من مختلف الطوائف والمذاهب من دون إستثناء.  

الحريري هو الان كبش فداء، قدمه عون ونصرالله امام الشارع الذي لم يتمكنا من ضبطه وإحتوائه. وعلى سلوك رئيس الجمهورية وأمين عام حزب الله يتوقف الآن مسار الأزمة وحجمها. ليس من المستبعد ان يستحضر الرجلان إرثهما العسكري والامني، وثقافتهما السياسية الضحلة، المبنية على نظريات المؤامرة، وفرضيات الصراع الاقليمي، لكي يحاولا تنفيذ إنقلاب مضاد، بحكومة دمية ، إختصاصية او عسكرية، او مختلطة.. لن يكون من شأنها سوى تصعيد الثورة، وتقديم موعد تحقيق أهدافها النهائية.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها