السبت 2018/07/21

آخر تحديث: 06:47 (بيروت)

الميكادو السوري

السبت 2018/07/21
الميكادو السوري
increase حجم الخط decrease

لماذا أعرضت أمريكا التي أعدمت صدام حسين في يوم عيد "القربان"، عن قتل الميكادو السوري، أو إجباره كما أجبرت الإمبراطور الياباني على إنكار ألوهيته، والإقرار ببشريته، لماذا تجنبت إرغامه على التنازل عن نعيم الأبدية في القصر " الجمهوري"؟

بعد إقرار الميكادو (سيادة السماء) بالاستسلام، في الحرب العالمية الثانية، اجتاحت كبار المسؤولين والسياسيين والجنرالات حمّى الانتحار. وأخذت اليابان تستعد لحدث غير مسبوق في تاريخها، وهو استقبال قوات الاحتلال.

ألقى سيادة السماء؛ هيروهيتو، لأول مرة كلمة من الإذاعة، أعلن فيها استسلام القوات المسلحة اليابانية التام للحلفاء. كان الذي قصف هيروشيما بالقنبلة الذرية قد أرغم اليابان على الاستسلام. قال الإمبراطور: "لا يهمني ما سيحدث لي شخصياً، لكنني أريد النجاة لجميع رعاياي". وأضاف أنه يذعن لشروط المنتصرين: "من أجل إنقاذ الحضارة البشرية من الدمار التام".

كان من شروط الاستسلام، أن يظهر الإمبراطور على الشرفة، وينكر أنه إله، وسمع الشعب الياباني صوته لأول مرة في الإذاعة، وأقر مثل فتوات الحارات المصرية المهزومين: أنا مرة (امرأة)، وشهد مثل المتظاهرين المطلوبين عند الحواجز السورية بكلمة التوحيد الأسدية: "لا إله إلا بشار الأسد."  لا مانع أن يكون مع الاله بشار شريك اسمه ماهر الأسد. لكل عربة دولاب احتياطي. لعلها دراجة بعجلتين.

لم يستفد السوريون من هجاء ترامب للميكادو السوري ووصفه بالحيوان، سوى بعض الطرائف، وكان من الأجدى للشعب السوري المستعبد أن تنصّب أمريكا حاجزاً لمندوب سورية في الأمم المتحدة، وتمنعه من دخول نيويورك، بذريعة تلفّقها له، كما لفّقت تهمة للسفير الإيراني في أمريكا، وكما لفّقت تهمة لممثلة الإباحية ستورمي دانيلز، تهمة تشابه أسماء مثلاً.  وهي تهمة وباء في سورية!

أمريكا وهي تغزو، تفكر في الآخرة والثواب، ليس لستر أطماع الدنيا بالدين، وإنما لأنها دولة مسيحية مؤمنة تغار على الرب في السماء، كانت أمريكا باسلة دوماً، في حروب الوثنية والمتوحشين.  كان الأمريكيون الأوائل يؤمنون أنّ أمريكا هي أرض الميعاد، وأطلقوا على عشرات المدن الأمريكية أسماء فلسطينية، وخطّوا اسم الرب على الدولار، وفي غزوها للعراق شحنت أطناناً من نسخ الكتاب المقدس، وغزته على ضوء نبوءاته، حتى تهدي بها أهل ديانة أبي الأنبياء، إلى دينها.

لا يخلو فلم من أفلام المغامرات الاستشراقية الأمريكية من التبشير. الأمريكي يعتقد أنه مخلّص، ورائد. وكان يستبدل الأصنام "المحلية" بأصنامه الأمريكية، وهي سلع تؤكل، أو تشرب، أو تدخن، أو ترى  في صالات السينما.

الأميركي يظن نفسه أجمل من الأعراق طبعاً وأكملها، لأنه أبيض، وأقوى كائن على وجه البسيطة "في هذه اللحظة التاريخية"، وهو أقتل بني البشر. قرأنا تجليات هذا الاعتقاد في روايات كثيرة أشهرها رواية جوزيف كوراد "قلب الظلام"، وتحوّل الاعتقاد إلى فكرة نمطية في السينما الأمريكية.

يتحول مندوب شركة العاج "كيرتز" في غابات الكونغو، التي جاء لغزوها، إلى ربٍ معبود، وربما يكون أصل الفكرة، كريستوف كولومبس، التي استقبلته القبائل الهندية كمخلّص، فقد كانت تؤمن "بمهدي منتظر" يأتي من غيهب البحر.

وجد كيرتز الذي جاء ليبشر بالدين المسيحي نفسه ربّاً، فاستساغ الربوبية، ورفض العودة، لكنه عاد مكرهاً، ومات في الطريق تاركاً رسائل إلى خطيبته، التي نسيها في رحلة الأطماع، لقد أذهلته ربوبيته عن نفسه ودينه وحبيبته.

 في “القيامة الآن" الفيلم المقتبس من الرواية للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، والذي يعدُّ من أهم الأفلام العالمية، يخطو كوبولا خطوة إلى الأمام، فإذا كان كونراد يعاني من التمزق وتبكيت الضمير بين الإنسانية ونزعة الاستعمار، فإن كوبولا كان أكثر عدلاً، إذ جعل العقيد ويلارد يقوم بقتل كيرتز المرتد، عقابا على ردّته.

لا يخلو فيلم أمريكي من أفلام المغامرات، التي تكون الأرض المغزية مسرحها، من “صراع الأديان".

في فيلم "الأفاتار"، يدمّر الغزاة الأمريكان الشجرة الكبرى المعبودة، طمعاً في اليورانيوم، وفي فيلم "كينغ كونغ" يأسر الأمريكي رب الشعوب البدائية الملك العملاق كونغ نفسه، ويشحنه إلى العاصمة الأمريكية في ناقلة نفط، النفط رب أيضاً. ُشحن الحيوان الرب حتى يكون فقرة في سيرك، لإمتاع الجمهور الأمريكي!

أفلام "أنديانا جونز" مثال عن تحديث "قلب الظلام"، الذي ينيره الأمريكي بنار سلاحه، فيعيد للشعوب البدائية أصنامها المسروقة. يبلغ التحديث الديني، والتطوير مداه في فيلم الافاتار، فالأمريكي ينتصر لدين الطبيعة على دين المسيحية. في المحصلة، المسيحية نفسها صارت حلولية، ولم تعد دين التوحيد، وهو مدار أبحاث المفكر المصري عبد الوهاب المسيري.

الأمريكيون يحبون القتل، والعنف طبع فيهم، وهم أصحاب أكبر مجازر في التاريخ، ولهم كرة قدم عنيفة، مفلطحة، لا يمكن اللعب بها إلا بأزياء واقية. وقد رفع رئيسهم السابق أوباما للأسد بطاقة حمراء تشبه باللون البطاقة التي رفعت لإمبراطور اليابان، تبيّن أنها وردية، البطاقة الحمراء كانت للشعب السوري الذي سينكر دينه، سيقُّر بالأسد إبناً للشمس. الخصم هناك في تركيا وليس في دمشق، لقد كان الأسد إلهاً للشعب السوري وعبداً للأمريكان، ولا ضرورة لمعاملته معاملة الإمبراطور الياباني.

صدام -على طغيانه وجبروته- عندما أعدمته القوات الأمريكية في صباح الأضحى تذكّر ربه: وتشهّد، ومات، أما كيرتز فعندما مات نطق اسم حبيبته، الأمريكي عبد لحواسه الخمس، لكن الأسد لا يزال حياً يرزق ويلعب الأتاري، ويحتفل بعيد ميلاده، ويضحك ويلعب بعد سبع سنوات طاحنة من الحرب، ومن المظنون أنه سيحتفل بالنصر الكبير. سنحتاج إلى عيد ثالث إلى جانب تشريني التصحيح والتحرير، قد يكون اسمه تشرين التسليخ، أو تشرين التسفير، أو تشرين التدمير.

العائلة الإمبراطورية اليابانية تنقرض، بالأمس تزوجت ابنة الإمبراطور الوحيدة واحداً من الشعب، الإمبراطور الياباني يهوى البحث العلمي، وله 38 مقالاً علمياً في السمك. قال لي المستعرب الياباني نوتوهارا: في طوكيو ليس لدينا إمبراطور، الإمبراطور عندكم، هل تحب أن نزور الإمبراطور في حديقة قصره؟ من يستطع منكم أن يرى الإمبراطور السوري؟ بالأمس السوري تزوج الإمبراطور السوري سيدة سورية، لكنها خواجاية، بريطانية. ليست من الشعب . الشنتو، دين اليابانيين القديم يقدس الإمبراطور، أما دين السوريين بتقديس الأسد، فحديث جداً.

كأنما طلبت أمريكا من الشعب السوري أن يخرج إلى الشرفة، ويعلن عبوديته للرب الجديد. كأنما قذفت أمريكا سورية بقنبلتين تشبهان قنبلتي هيروشيما وناغازاكي: اللتين كان اسماهما: الولد الصغير، والولد البدين. أما القنبلتان اللتان قذفت بهما سورية، فاسماهما، الأسد الأب، والأسد الابن.

دين الرئيس الأمريكي ودين الأسد واحد، والوطن للجميع.








increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب