السبت 2018/07/14

آخر تحديث: 08:48 (بيروت)

حيوانات الربيع العربي

السبت 2018/07/14
حيوانات الربيع العربي
increase حجم الخط decrease

ساءت أحوال الحيوان بسوء أحوال الإنسان والعمران وتفلت الطغيان، فجاع ومات وذبح، ولن نرى مرة ثانية ذلك الكاريكاتير الذي يسخر فيه الحمار من الكبش، إلى أن جاء الزمان الذي صار فيه الحمار يركب ويؤكل، مع أن أكله محرم بالنص الشرعي.

باكراً ضجر حماة الديار من قتل البشر، فمتّعوا أنفسهم بقتل الحيوانات. يرتوي الإنسان من الماء والطعام والجنس، لكنه لا يرتوي من الدماء. شاهدنا ذلك الفيديو السوري الشهير، الذي يُردي فيه حماة الديار حميرا بالرصاص، ويدفعون حمارا من فوق تلة، وهو يقاوم ويمانع، الحمير تعي المعاني القصوى بغريزتها؛ مثل الموت والحياة، والجوع والخوف والألم، ولا تدرك معاني تلك الكلمات الكبيرة المكتوبة على زنود حماة الديار: وطن، شرف، إخلاص. وقد ضاعت الشمائل الثلاثة.

رأينا أمراً عجباً في مصر، وكم فيها من المضحكات. تخيّل غابرييل غارسيا ماركيز في رواية "خريف البطريرك" ، مشهد بقرة تعلو السدّة الرئاسية، ثم تحققت الواقعية السحرية بعد رؤية حمار في مطار القاهرة، والمطارات حقائب سيادية، وبلغ من الأمر بخير أجناد الأرض، حرصاً على سيادة المطارات أنها أوكلت أمن مطار العاصمة إلى الروس، مع إن مكافحة الإرهاب هو عمل الحكومات الوحيد.

ومن أخبار الحيوان في الربيع العربي، أن الحمير أكلت في مصر أكلاً لمّا، ورأينا مشهداً دمويا للشرطة، وهي تقتل الكلاب في الدقهلية، وأخبار غير مبهجة بتصدير عشرة آلاف حمار إلى الصين، أما الكلاب الفائضة عن حاجة مصر، فصُدّرت إلى كوريا، وقيل إن الأزهر أفتى بتصديرها حية غير مذبوحة، حتى تستفيد الصين من جلودها، ومن غير المعقول أن الصين ستهدر لحومها، فهم يأكلون كل شيء حتى العقارب والصراصير، التي تزرع مثل الأسماك في الأحواض.

كانت مصر تصدّر العلماء والأطباء والدعاة، وهي الآن تصدّر الحمير، فلله الحمد والمنّة.

و في غزة أرض العزة، المحاصرة منذ ثماني سنوات، جاعت أسود حديقة الحيوان فيها، الأمر الذي دفع صاحب الحديقة فهي خاصة إلى بيع أشبال الحديقة لتأمين ثمن طعام القرود وبقية الحيوانات، وكذلك فعل أهل الموصل بأسود حديقتها، حيث تبرعت بهم للأردن، أما في سوريا، فلم أسمع بحديقة حيوانات فيها منذ الحركة التصحيحية، وكان في حديقة حمص طائر وحيد هو الطاووس، وكان لي صديق، ثقة، خلصت إليه نجياً، ووضعت يدي في زناره وسألته: يمكن أن أفهم سبب تطيّر السلطة السورية المقاومة من أحزاب غير أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، لكني لا أفهم سبب حذرها من إنشاء حديقة حيوان، ولا أفهم سبب  تجنب ذكر الأسد كحيوان من حيوانات الغابة في كتب الأطفال المدرسية؟ الأسد يضرب به المثل في البأس والإقدام، فلمَ الحرج من ذكر اسمه يا أبا خيثمة؟

فأجاب قائلاً: تصور لو أن زائراً أو زوّاراً لحديقة الحيوان شتموا الأسد، أو خافوا من زئيره، أو رموه لا قدر الله بوردة، أو أن خطأ مطبعياً حصل، فأكل الأسد يد طفل، الأسود تحب أيدي الأطفال، سيعد توهينا لروح الأمة الهشة وإضعافا للشعور القومي الرهيف.

ومن أشهر حيوانات الثورة، الحصان الذي قدّمه الشبيح طلال الدقاق طعاماً للأسود، وتقول الأخبار إنه كان يقدم المتظاهرين طعاماً لأسوده التي اشتراها من لبنان، فليس في سوريا سوى أسد وحيد في القصر الجمهوري، فأعادنا إلى أيام تقديم الرومان المسيحينَ الأوائل طعاماً للأسود، وقيل إن بوتين نفسه استاء من المشهد، وطالب السلطات السورية بمعاقبة الغليظ.

هذه حيوانات مشهورة، وروى لي الشاعر الشهيد وليد المصري قصة فرس هاتفياً،  قتلتها قذيفة في مزرعة، فوقف المهر على جثة أمها، ثم ما لبث أن سقط ميتاً من اللوعة والحزن. وأقسم لي وليد بأنه شاهد هذا الموقف النبيل بعينيه.

روت الأخبار أن أهل الغوطة أكلوا الهررة والأرانب من شدة الجوع، مثل الفيتناميين الذين أكلوا الجراذين، وتركت الناس ، هرباً من البراميل في بعض القرى، قطعاناً من الشياه والأبقار، محبوسة في البيوت تموت جوعاً.

أما آخر أخبار حيوانات الربيع العربي، فهو موت الزرافة "روكا " في مصر، ويرتاب المحللون في أن الخبر هو لتسلية أهل المصائب.

وقد انتشرت أخبار الانتحار في مصر، والذي يعتبر شعبها رئيسهم بطل العالم في رفع الأسعار. وفي الأخبار أنّ مدرب الزرافة  قال في مقابلة "حصرية"، هكذا جاء وصف المقابلة، أنه "الكوج" بتاع الزرافة الله يرحمها، و ذكر أربع روايات عن موتها: الأولى أن أمين شرطة تسبب في موتها بدسِّ بانجو لها في الطعام، الثانية أنه بعد تحرش طلاب الفنون الطبية بها، وسخريتهم  من طولها، خجلت وانتحرت، والثالثة أنّ ورقة شجر كانت تأكلها سقطت، فتبعتها برأسها الثقيل، الذي جرّها إلى الأسفل، فعلقت بين السياج الحديدي، ثم يقول الكوج إبراهيم بأن الزرافة قالت له قبل الموت، وهنا يبكي بدمعة رايحة ودمعة جاية، ويمدّ شخص يسمع الموسيقى عبر سماعات، جالس وراء إبراهيم يده ليربّت على كتفه مواسياً: إنّ الزرافة  نظرت إليه من علٍ وقالت له: يا كوج، الدنيا دي فانية، بعد أن نفد ورق الشجر، وقال: إن الزرافة كفّت عن الصلاة، وأمست ملحدة.

في سنوات الربيع العربي العجاف، شاهدنا عمليات إنقاذ كثيرة لكلاب، في أوربا والهند وبلاد السند، منها كلاب سقطت في الآبار، ومنها كلاب نزعت من بين أحضان أفاعي البوا، وأيائل علقت في السياج الشائك، ورأينا حيوانات تنقذ حيوانات من غير فصليتها ونوعها وجنسها، وتعطف عليها، وكلاباً تروّع أسوداً، وأسوداً تركع للكلاب وتقبل أيديها.

وانقرض السيرك، بسبب تحول السياسة إلى سيرك يومي يعرض في نشرة الأخبار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب