السبت 2018/06/09

آخر تحديث: 00:27 (بيروت)

إلى عايض مع التحية

السبت 2018/06/09
إلى عايض مع التحية
increase حجم الخط decrease

بعد أن اكتسب الشاب الأفريقي مامادو الذي لقب بالرجل العنكبوت، الجنسية الفرنسية في خمس دقائق بدون معلم، وصار علماً في رأسه نار، وقدوة حسنةً للشباب النازحين. غّرد شاب سعودي اسمه عايض، تغريدةً شجاعةً، فتمنى أن يبتعث سبايدرمان معلماً يعلم الدفاع المدني السعودي طرق تسلق العمائر لإنقاذ المصابين والمرضى، في أوقات الفراغ بدلا من تمضية أوقات العمل في تدبير شؤون كبسة المندي اللذيذة.

ويبدو أن  أحد ضفادع الدفاع "المندي" السعودي، كان يقوم في أوقات العمل بمراقبة تغريدات الناس، التي قال فيها الشاعر سلم بن عمرو المعروف بالخاسر: من راقب الناس مات هماً - وفاز باللذة الجسور، فرصدها، وسجلها، بل إنه "كبسها" إلى أولي النهي والنهي، وتوعد باتخاذ الإجراءات القانونية، علّه يفوز باللذتين؛ الموت هماً ولذة الإبلاغ عن البلابل والعنادل، مع إن الله أمر بالستر والعفو عمن ظلمك والإحسان لمن أساء اليك.

إن غيرة العرب على المؤسسات الحكومية جديدة ومبشرة بالخير، وكنت قد رأيت على اليوتيوب مؤسسة من مؤسسات الدفاع المدني السعودي تبادر إلى انقاد جمل سقط في بالوعة مليئة بالماء، البالوعة تشبه قبرا اعدَّ لميت، فاحضروا بدلا من الرافعة جرافة، وربطوا الجمل بحبال رقيقة مثل خيوط العنكبوت، والربط لم يكن صحيحا، ويشبه الروابط والأرحام بين الحكام العرب، فرفعوا الجمل متراً، فمال وانتكس، وصار رأسه في الأسفل ودبره في الأعلى، فجر ثقل الرأس الجسم فانقلب، فغرق.  يستطيع الجمل أن يعيش في الصحراء من غير ماء نصف شهر، وأن يعيش في الماء شهرا، وشهرين وجمعة، لكنه لم يعش تحت الماء سوى ثلاث دقائق لا أبا لك يسأم، ولو اجتمع عليه عشر رجال لانتشلوه من غير جرافة، فرحمة الله عليه، وكل التحية للدفاع "المندي" السعودي وكبستهم الطيبة.

وقبل يومين بادرت إحدى مؤسسات الدفاع المدني الخليجية ، إلى  عشرة أخشاف من إحدى مزارع الدولة بعد ان بلغت سن اليفاع، وأخذتها إلى طرف الصحراء وأطلقتها من أقفاصها لترعى في الطبيعة، وكانت تلك بادرة طيبة إلى أن تلك الجمعية شغوفة بالحيوان ورؤوفة بالطبيعة، فرأينا بعد ساعات فرسانا بواسل لا يشق لهم غبار، ولا يصطلى لهم بنار، وقد اصطادوا الغزلان الصغيرة العشرة وعلقوها على السيارة تعليقا منكرا، وكأنها سباع أو نمور،  وصورها بكاميرات الهواتف، فمثل هذه الوحوش الأليفة تستحق التصوير ، ولقطات الفروسية، وكانت دماؤها تسيل على نوافذ السيارة ، التي كانت تلمع كبارق ثغر عبلة المتبسم ، أما الدماء فحمراء كدماء بني ذبيان .

خشي عايض، أن مصيره سيكون مثل مصير الأخشاف العشرة، أو الجمل المسكين، وقرأ تغريدة الدفاع المدني السعودي، فبادر من فوره إلى تغريدة اعتذارية قال فيها بالحرف:

"ثقافة الاعتذار من شيم الكبار، ويضيف للإنسان ولا يقلل من شأنه أبدا. اعتذر لكافة موظفي الدفاع المدني فأنا لم أقصد الإساءة بعينها، أكرر اعتذاري مرة أخرى، والله ولي التوفيق".

 تحت التغريدتين المازحة الناقدة لعايض، والجادة المتوعدة للدفاع المندي السعودي، هناك تغريدة ثالثة لمصري متنكر في زيٍ سعودي سمى نفسه هاني الشريف، قرأ ما تحت السطور، بعيني زرقاء اليمامة، التي كان يضرب بها المثل في قراءة الفنجان، وضرب الودع، فكتب بالمصرية: ح توحشنا يا عايض، العيد من غيرك ملوش طعم.

منذ أيام أقرأ واسمع تهديدات سعودية لإيران بإنشاء قنبلة نووية، فأضع يدي على قلبي، وأنا أتذكر مصير الجمل الأورق، والقنابل السورية الكيماوية، ونكسة الخامس من حزيران، والانتصارات العربية.. ومعلوماتي أن القنبلة النووية لا يمكن شراؤها من سوق الجمعة، وليست كبسة مندي، إلا إذا كانت مثل ذرة حنفي في مسرحية "المتزوجون"، التي غنّى لها عند التخرج: رقصني يا جدع على ذرة ونص.

لقد تاب عايض وأناب، وليت ملوكنا بتقوى عايض، الرجل الآواب. الرجل المعتذر أفضل من الرجل المرحوم، ومن الرجل المحبوس من غير تهمة أو وطن أو عنوان، أو حتى المحبوس في قفص الريتز الذهبي. ولو ثبت عايض قليلا، وصبر، لربما صار بطلا، فهناك أربع تغريدات غيّرت العالم، واحدة منها سعودية، غرد فيها شاب سعودي، يهيب الناس بتقديم 100 وجبة لعمال النظافة في جدة، فجمع 220 وجبة من غير إعادة تغريد، ومثل ذلك حملة ابشري يالصومال التي جمع فيها 8 ملايين دولار في 8 ساعات.

لو صبرت يا عايض، لصرت أشهر من مامادو، الذي أمسى معلما في فن اكتساب الجنسية الفرنسية. وحال العرب لا يبشر بخير، وقد بشر وزير مصري بفيسبوك مصري ليس فيه سوى القلب الأحمر، وقد نرى في قادم الأيام، في دول كبسة المندي إلى جانب رموز تويتر الأربعة ( تعليق، إعادة تغريد...) رمز جديد، هو: بوسة التوبة.

المسألة ليست كبسة مندي يا عايض، الإمامة في خطر، وصفقة القرن على النار.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب