الأحد 2018/06/03

آخر تحديث: 12:26 (بيروت)

تقاسيم على مرسوم التجنيس

الأحد 2018/06/03
تقاسيم على مرسوم التجنيس
increase حجم الخط decrease

يغيب عن الجدل المحتدم حول مرسوم التجنيس الاخير  عنوان لافت هو انه يمثل في هذا الوقت بالذات دفعة معنوية مرغوبة  للوطنية اللبنانية، وللهوية وجواز السفر  وإخراج القيد وكل ما يحمل شعار الارزة. وليس بسيطاً أن  في هذا العالم العربي البائس،أناساً طبيعيين ما زالوا يطمحون الى إكتساب الجنسية اللبنانية، ويعتبرونها أرفع شأناً من جنسياتهم الاصلية وأضمن  لهم ولمستقبل أولادهم، ويناقضون بذلك الكثير  من اللبنانيين الذين يحلمون بالغرب وهوايته وجوازات سفره وإقاماته.

هناك مكسب جدي للوطنية اللبنانية، لا بد من تسجيله والاعتراف به أولا.  المواطنون الجدد الذين إنضموا أخيرا الى الاجتماع اللبناني الاستثنائي، يزيدونه غنى وتنوعاً وتعدداً، بلا أدنى شك. وهذه المعطيات في العالم المعاصر هي من شروط الاستقرار والازدهار ، بل هي درب من دروب المدنية ومسالك التحضر  في أي مجتمع، وأي دولة.. برغم ان مكتسبي الجنسية يأتون من بلدان وبيئات وثقافات لا تختلف كثيرا عن الثقافة اللبنانية ولا تتميز عنها في شيء، لاسيما الآتين من سوريا وفلسطين.

ومن اللياقة والكياسة الترحيب أولا باولئك الضيوف الذين صاروا من أهل البيت، وبالرجاء لهم أن يندمجوا بسرعة في المجتمع اللبناني وطرق عيشه، وأن يفترقوا بسرعة أيضاً عن عيوبه وعلله، وأن يحافظوا على خصوصياتهم وموروثاتهم وتقاليدهم، وأن لا يبالغوا في التعبير عن الامتنان والعرفان للمسؤول أو التيار أو الحزب أو  رجل الدين الذي ساعدهم في نيل هذا الحق الطبيعي، والبخس الثمن ..بالمقارنة مع جنسيات أخرى كان يمكنهم الحصول عليها ، لكنهم فضلوا، كما يبدو ، البقاء على مقربة من أرض الاجداد، وفي بيئة تحفظ ثقافة الاحفاد، حتى وسط جبال النفايات، ومن دون الخدمات البدائية مثل الماء والكهرباء والنقل والاتصالات.

الغالبية المسيحية التي تضمنها مرسوم التجنيس الجديد ليست من شوابئه أبداً، كما هو رائج في بعض الاوساط. فقد فاضت الكمية الاسلامية في لبنان عن الحد الذي تسمح به الطبيعة الجغرافية والمقدرات البيئية والمجالات السكنية،وبات التوازن العددي بين ابناء الديانتين حاجة تكوينية جوهرية..برغم ان أجمالي عدد المسيحيين المجنسين قليل، يربو على المئتين. وهو عدد يمكن للمسلمين تخطيه بسهولة فائقة وطيبة خاطر ، وفي فترة زمنية قصيرة جدا.

عنصر الاثارة او حتى الاستغراب الوحيد في المرسوم، هو ان غالبية المواطنين الجدد هم من الاغنياء الذين كان يمكنهم شراء جنسيات أهم، وأقوى، وأقل تلوثاً ،من الجنسية اللبنانية..لكن لبنان أغواهم لسبب لا يبدو مفهوماً ، وجعلهم يطلبون الانضمام الى النادي اللبناني، الذي كان على مر العصور محطة عبور للهجرات والهجرات المضادة.. توقف فيها بشكل خاص كثيرون من السوريين والفلسطينيين في طريقهم نحو العالم الحر ، الراقي .

وحدها الكتلة السورية من المواطنين الجدد الاتين من سوريا ، تثير علامات الاستفهام. من الطبيعي جدا ان يطلب أي مواطن سوري الحصول على جنسية بديلة، رديفة، في ظل الحريق الهائل الذي يشتعل في وطنه الاهم. فهي ضمان أكيد له ولأولاده، وخيار منطقي وعفوي وسريع. لكن السكن في لبنان لا يبعد كثيرا عن ألسنة اللهب السورية، ولا يشكل ملاذاً آمناً  ولا مفراً من الملاحقات، ولا مهرباً طبعا من العقوبات الدولية، المفروضة على بعض المجنسين السوريين.. ولا يفيد في ترسيخ الاعتقاد بأن لبنان كان وسيبقى (الى الابد كما يبدو ) مرتعاً للنظام السوري. فهذا الواقع الثابت، ما زال يجد الكثير من العوامل اللبنانية التي تدعمه وتغذيه، وما زال يحتمل الكثير من العناصر التي تتحداه وتنكره.

كان يمكن التخفيف من وطأة هذا الواقع، لو تم التجنيس في إطار صفقة تبادل سكاني بين البلدين الشقيقين، بحيث يرحب لبنان بالمجنسين السوريين الجدد مقابل ان تجنس سوريا عدداً موازياً من اللبنانيين العاشقين لسوريا الأسد، والحالمين دوماً بالعيش في دولة أسدية قوية مقاومة وممانعة، بدل البقاء في دولة هزيلة ومفككة  ومفتعلة، أو منتزعة من الوطن الأم.!

لكنها مشيئة القدر، الذي سيظل يحكم هذه البقعة الملعونة من العالم الى الابد.    

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها