السبت 2018/06/30

آخر تحديث: 08:25 (بيروت)

روح العرب السَّم..حاء

السبت 2018/06/30
increase حجم الخط decrease

العرب من أكثر الشعوب تضحيةً وفداءً، في مونديال السياسة ومونديال الرياضة أيضاً، ويمكن معرفة مصائر مبارياتهم الكروية وأقدارها مثل نتائج الانتخابات الرئاسية قبل اللعب. ولا يحتاج الأمر إلى عرّاف مثل الهرِّ الأصم أخيل، ولا الأخطبوط المعاق بول. فقد كان العميان والمبصرون يدركون أنّ مصر ستخسر أمام السعودية، مع أنّ مصر دولة عمرها آلاف السنين. وثمة صور لكرة بالرسم الهيروغليفي على جدران الأهرام والكرنك.

تنبأ كثيرون بأن أم الدنيا ستبيع محصول المباراة قصير التيلة لرئيس الفيفا السعودية مجاناً، أو مقابل حفنة من الرز الفاسد، كما يباع السمك في البحر، فلن تغلو مباراة على جزيرتين ثمينتين مثل تيران وصنافير، اللتين كانتا تحرسان بوابة مصر البحرية، أو جزيرة مثل سيناء، التي كلّم الله فيها موسى تكليما.

لعب فريق أوكرانيا لكرة القدم في سنة 1942 مع فريق ألمانيا على أرض أوكرانيا، وحُذّر الفريق وأنذر بالوعيد، قيل لهم؛ إذا ربحتم ستموتون، فلا أحد يجرؤ على الفوز على فريق الفوهرر، لكن الفريق لعب بحماسة وبسالة، فالكرة والأرض والجمهور له، وفاز الفريق، وأُعدم، ودفنت جثث اللاعبين الشهداء في أرض الملعب. الفريق المصري لم يجرؤ على الفوز. لعب الفراعنة، وليسوا بفراعنة، كالعرجان من غير عكاكيز، وتغلب فريق "الصقور الخضر" على فريق الفراعنة، وقيل إن ثمن المباراة كان خمسة ملايين دولار، بيعت المباراة بثمن بخس، دراهم معدودة، واحتفت صحيفة عكاظ السعودية بالفوز، وكتبت عناوين ساخرة تسخر من فريق الطعمية، وسخر الصيصان الخضر من سجدة محمد صلاح، ووضعه رسامو صحيفة كراكوز وعكاظ ساخرين في طنجرة ضغط، وصنعوا منه كبسة، وأكلوا لحم أخيهم حياً فكرهناهم. صقور علينا وفي الحروب نعامات وصيصان. ثم اعتذرَتْ بعد أن شتمتْ وهجتْ واشتفتْ من الأخت الشقيقة الكبرى، التي علّمتهم الدنيا والدين.

قالت أم ريجيني: لقد عاملوا ريجيني كما لو كان مصرياً. عاملت صحيفة "كراكوز وعكاظ" الفريق المصري، كما لو كانوا كفاراً. وخشينا أن يرموا على محمد صلاح ساجداً أمعاء بعير ميت.

قادتنا يبيعون الأرض، فهي تراب في ملّتهم واعتقادهم، وباعوا السماء، وإذا بيعت الأرض يرخص العرض، وإذا بيعت السماء، رخص كل شيء، كل شيء قابل للبيع، التراب هو الأب الأول، قد يبيع المرء أولاده، وينجب غيرهم، لكن لا يبيع المرء آباءه يا جرير.

أخالف القائلين بأن الرياضة مظهر لأحوالها العلمية، فهناك دول متخلفة مثل دولنا، أو نامية على شط بحر المجاري وبمائها، أفضل منّا في كرة القدم، مثل كولومبيا ونيجيريا، فهم قوم مخلصون للرياضة، هم يلعبون بالكرة، أما نحن فنلعب بألعاب أخرى مثل البرسيس، وطاولة الزهر، والحجلة، والمصير، والشعب، والبلاد. ونلعب بنرد مستقبلنا على طاولة ماضينا، ونحتفظ بكرة الماضي من أجل إحراز نقطة التعادل. التعادل مع الغريب فوز، والفوز على الشقيق جوز ولوز. نحن الكرة التي بين قدمي الزعيم، الزعيم البلياتشو، الذي حوّل المسرح السياسي إلى سيرك.

جلونا مخزاةً ومنقصةً من شرم الشيخ إلى سعسع غروزني. كان لنا أربع فرق عربية في العرس الكروي، قلنا: إذا خسر أبناء النيل الفوز بالعروس نكاحاً وكفاحاً، فلنا نسور قرطاج في الميمنة، سينكحون، وإذا خسر الاثنان، فلنا أبطال الكبسة في الميسرة، سيكبسون، وإذا خسر الثلاثة، فلنا كراديس أسود الأطلس في الخميسين والسبعة الشهب، وإذا خسر الجمع وولّوا الدبر، فلنا الله.

حتى في الكرة، يا الله ما لنا غيرك يا الله.

ثم خرج المعزّون بعزاء عن عزّة العرب الكروية المهدورة، فانتصر متأولون للفريق الإسباني، ووجدوا أنهم أحفاد الأمويين، وأخوتنا في دم بعيد، من عرس أندلسي قديم، بل من ملك يمين، فالمونديال مسرح عالمي، البلياتشو يُدخل الأهداف على نفسه، ويسخر من نفسه، ليسعد الآخرين، وقد أسعدنا الآخرين.

أحد أوصاف المونديال هو العرس الكروي، والدعوة عالمية، هم نكحوا، هم كبسوا، ونحن ... وقعنا في الخفيسة.

حتى بطلنا الكميّ المكلّم محمد صلاح، خرج ثملاً من سكرة الذل، مهدداً بخدمة الجندية، والحجْر السياسي على أسرته، حتى إنّ المرء يستطيع أن يتسول بصورته رزاً وبرغلاً. خسر البطل كثيراً، لكنه كسب جنسية دويلة الشيشان البوتينية، التي لن تنفعه. رجل مثله كان جديراً بأن يكون بطلاً قومياً، يشفع في المساجين، ويرجع الغائب، ويمنح الجنسية، ويسقط الانقلاب. خسر البطل كل ما كان قد ادّخره من مجد تليد مؤثل، فقديروف مجرم حرب ومجرم سلام، مثله مثل بشار الأسد، وأحباء محمد صلاح البريطانيين غاضبون، وسيرتدون عن الإسلام، الذي كان سيدخلونه من أجله.

في هذا العرس الكبير، استمر النظام السوري محمياً بحماية دولية، تخفى أدلة جرائمه في بيانات الأمم المتحدة وتقاريرها. وفي أثناء حربه على درعا، ظهرت طفلة اسمها مايا، فعكّرت عرس المونديال قليلاً، فليس لها ساقان، وتمشي بأنبوبين من علب اللحمة منتهية الصلاحية، في أرض وعرة، وأبوها يزحف أمامها، ولا يأمل سوى في ساقين صناعيتين لطفلته، التي كلما رآها تزحف تفطر قلبه من الألم واللوعة.

تابعناها على صفحات التواصل، ثم صارت خبراً في أكثر من تلفزيون، ثم نسيناها، إلى أن عطف عليها رجل تركي. لم يعطف عليها عربي من برغل المحيط إلى رز الخليج. نسينا خسارة نهر النيل، ونسينا درعا، ونسينا بشار الأسد، الذي حرر بلاده من استعمار شعبه، فنحن ليس لنا مثيل في الروح الرياضية السمحة.

ملوك وزعماء كأن رؤوسهم رؤوس الشياطين، ونصفق لهم ونفديهم بالروح، والدم، والكبد، والمعثكلة والاثني عشري، ومعها "الثالث عشري" هدية.

نستحق كأساً من السمّ العالمي الزعاف الأوريجنيال، مطيّباً بالهال والمسك، على هذه الروح السم ..حاء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب