السبت 2018/06/23

آخر تحديث: 23:08 (بيروت)

المونديال سرٌ لم يدركه العرب

السبت 2018/06/23
المونديال سرٌ لم يدركه العرب
increase حجم الخط decrease

ليست الهزائم المتلاحقة التي منيت بها الفرق العربية الاربعة المشاركة في مونديال روسيا، مدعاة للسخرية. لعلها فرصة للتأمل في ذلك العرض الكروي الذي قدمه اللاعبون العرب أمام جمهور دولي واسع، وكان بمثابة تحدٍ للصورة التي ترتسم في أذهان العالم حول العرب، لاسيما حول الدول الاربع الممثلة لهم أي مصر والسعودية وتونس والمغرب.

تقييم تلك التجربة العربية لا يجوز ان يكون سياسياً أو حتى إجتماعياً، مع ان الرياضة بشكل عام وكرة القدم بالذات تحتاج الى مرتكزات موضوعية توفرها السلطة ويستفيد منها المجتمع وتتحول الى ثقافة وتربية وتقليد وأسلوب حياة، وتصبح بالتالي جزءاً من الهوية الوطنية والقيمة الحضارية.. بدلا من ان تكون هواية الحاكم وغواية المحكوم، ووسيلة لتنظيم العلاقة بينهما وضبطها في الملاعب الكروية.

الهزائم العربية لم تكن مخيبة، لأنها لم تكن مفاجئة. هي في جانب منها تعبير عن تلك المأساة الكبرى التي يعيشها العالم العربي من المحيط الى الخليج، في علاقته مع الآخر، مع بقية الامم والشعوب، التي تصم العرب بالارهاب والتطرف والتخلف والعجز  عن بناء دولة مستقرة وآمنة، وتصنف جميع بلدانهم، بأنها مربع للحرب الاهلية او مصدر للتهديد الامني او مركز لتصدير المهاجرين.  صحيح أن الدول الاربع المشاركة في المونديال لم تلعب مبارياتها تحت علم العروبة (الخيالي)، ولم تدخل المنافسة العالمية بوصفها مواجهة مع غير العرب، لكنها تمثل غالبية سكانية عربية واضحة، وتعبر بشكل أو بآخر عن أحوال الكرة العربية خاصة، والرياضة العربية بشكل عام. 

كان السفر الى روسيا إنجازاً رياضياً يستحق التسجيل، ليس فقط لانه خروج من حالة البؤس العربية الشاملة، بل لأنه لم يسفر عن فضيحة فيما  لو عمد أحد الفرق أو أحد اللاعبين أو أحد المشاهدين العرب الى خرق القواعد الصارمة للاتحاد العالمي ورفع شعارات سياسية أو أطلق هتافات سياسية أو لوح بصورة الملك او الرئيس في الملعب. قضي الامر ، و تم الالتزام بالاعلام الوطنية وحدها.. وترك الانطباع بأن ثمة فرقاً  ولاعبين ومتابعين أتيح لهم السفر الى روسيا لانهم ليسوا مضطرين للقتال في الحروب والنزاعات التي تخوضها بلدانهم، سواء على حدودها او في الداخل ، وليسوا مطلوبين للامن او الاستخبارات بوصفهم معارضين او متمردين، وليسوا متخفين وراء كرة القدم لكي يفروا من دولهم ويطلبوا اللجوء أو يتوسلوا الهجرة..

مرت التجربة بسلام. وتوافرت للجمهور العربي الفرصة لكي يشارك في ذلك المهرجان الرياضي العالمي، ويقدم مجموعة من شرائحه المهتمة بالاندماج في تلك اللعبة ومنافساتها الكبرى،ويعرض، مثله مثل بقية بلدان العالم المشاركة في المونديال ، عدداً من اللاعبين البارزين، الذين يطمحون للسير  على خطى نجوم اللعبة، نحو الشهرة والثروة والانتقال الى الفرق العالمية. فهذا هو سر المونديال  الذي لا يدركه سوى المحترفين، سواء كانوا في الملعب الاخضر ، او على المدرجات يصطادون الشبان الجدد الجديرين بالاستفادة من تلك الفرصة الذهبية، التي لا تتكرر إلا مرة كل أربع سنوات.

إذا خرج العرب من مونديال روسيا بعروض مغرية لبعض اللاعبين العرب الجدد، على غرار العروض التي تلقاها من سبقهم من النجوم الذين تحولوا الى مشاهير وأثرياء عالميين، مثل المصري محمد صلاح وغيره، تكون التجربة العربية التي شارفت على الانتهاء الى نتيجة مؤلمة، قد حققت أحد أبرز أهدافها. وهو هدف لا يحط من شأن أي بلد او أي فريق عربي. فهذا هو حال الدول الكبرى والفرق العريقة في اللعبة، التي تسمح للاعبيها النجوم  ان يتواضعوا في أدائهم ، وأن يفسحوا المجال لجيل كروي جديد يتسلم الراية ويكمل الحلم..   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها