السبت 2018/12/08

آخر تحديث: 08:00 (بيروت)

ملكة جمال سوريا الأسد الدائمة

السبت 2018/12/08
ملكة جمال سوريا الأسد الدائمة
increase حجم الخط decrease

أقيمت مسابقة ملكة جمال في الإدارة الذاتية في مدينة قامشلي، بإدارة ذاتية شعبية نسائية، فأرعدت الإدارة الذاتية الرشيدة وأزبدت لظهور إدارة ذاتية غير ذاتها الحاكمة، في شؤون الجمال والدلال، فأُكرهت مُنظِّمة المسابقة على الاعتذار للشعب عن هذا الفعل غير الحميد. الفعل الحميد الوحيد هو القتال. التقاليد العربية تأبى على النساء القتال، نجد ذلك في قول أبي عمر بن أبي ربيعة: كُتِبَ القَتْلُ والقِتَالُ عَلَيْنَا / وعلى الغانياتِ جرُّ الذيولِ، وهو قول يطابق الفطرة، فالنساء للحب، والرجال للحرب، إلا في أحوال طارئة. وهو يوافق فطرة الكرد أيضاً، والعجم، ولم يذكر العلماء قط أنّ مقاتلي سكان الغابات البدائيين كانوا من الإناث، لكن كرد الجبال الذين مزجوا "المخ" الكردي بالعقل الماركسي، والمخ هو العقل في حالته الأولية، رأوا في تجنيد النساء، القاصرات منهن خاصة، جنداً سريعي الطاعة والتضحية، ولخصوم الحزب الماركسي المدعوم حاليا من الإمبريالية الأمريكية، اتهامات كثيرة ضدهم، ويمكن ان نتذكر حلقة الاتجاه المعاكس بين عادل اليزيدي، وأورخان محمد علي أحمد. اشتد الحوار بينهما، واتهم أورخان عبد الله أوجلان بأنه كان يوصي المقاتلات الكريات بعدم التمنع وعدم التردّد في إقامة العلاقات مع الرجال. وقتها هدد الكردي خصمه التركي بقلع عينيه أن كرر هذه الأكاذيب، ولعله كان يتذكر التقاليد الكردية الأصيلة لا عقيدة الحزب.

رفع بعض "المندسين" السوريين في المسيرات صورة عبد الحليم خدام، مرة فانقضت المخابرات على رافعيها. كان الأسد شديد الغيرة، ويذكر بيت المتنبي: وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها / وتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ، ولكن بالعكس، عند الأسد المزيف بلبدة الدولة المقتدرة، العظيم في الإعلام، الصغير في الحياة، فقد كان ولا يزال يخاف من نجوم الرياضة والصناعة وعلماء الجامعات، والطلاب البارزين في المدارس، ويخشى حتى هواة برنامج "ما يطلبه الجمهور"، وكتّاب أدب الشباب، وشيوخ الجامع، فأيما شخص برز وعلا نجمه، يجب أن يظهر على الشاشة ويعلن الولاء للقيادة السياسية وعلى رأسها القائد الرمز.

أسباب تفوق أمريكا العلمي والاقتصادي والحربي كثيرة، والمقارنة ليست لمديح أمريكا، وإنما لإظهار المفارقة، أحدها؛ إنها تتيح للوافدين والمقيمين أن يكونوا رؤساء، والبرهان على ذلك هو أوباما، الذي صار رئيساً بعد 14 عاماً من بلوغه أمريكا. ويمكن أن نذكر الشيختان الجديدتان المسلمتان إلهان عمر ورشيدة طليب. في أمريكا الجمهورية آلاف الملوك: ملوك للسينما وملوك للسماد، وملوك للجمال، وملوك للهامبرغر، وملوك للبيتزا. في سوريا وما جاورها من دول الجور والظلم المباركة، التي تعمل بتوقيت بساط الريح، رئيس واحد، ملك على كل شيء، هو الرئيس، وهو القاضي الأول، والمعلم الأول، والمهندس الأول، والمقاتل الأول، والمجرم الأول طبعاً، لكن لا أحد يجرؤ على هذا الوصف الذي يطبق على الرئيس طباقاً. ويمكن أن نذكر شتيمة روبرت دينيرو لترامب من غير أن يصبه سوء. الرئيس الأمريكي يتحول بعد انتهاء ولايته إلى تحفة، في حين أن الشعوب تتحول في بلادنا إلى تحفة.

بعد هذه الديباجة الطويلة عن الملوك والعبيد، نأتي إلى مسابقات ملكات الجمال، التي لم يرحب بها النظام السوري يوماً مع أنها ملهاة جيدة عن الفساد، ومع أنه لم يكف عن الإعلان إنه قلعة للعلمانية والحداثة، وجمال النساء، يصرع ذا اللب، ويثرن غيرة النساء أيضاً.

وبعض هذه الأسباب وراء ذلك:

  • إن صاحب ثورة الثامن من آذار، ومالكها الوحيد، الثائر على الإقطاع، يضيق بالملكية، وملكات الجمال الرجعيات، لأنه نظام جمهوري ديمقراطي، كما تبرهن على ذلك صناديق الانتخابات التي لا ينتخب فيها الشعب سوى شخص واحد ملكاً للجمال والكمال والدلال وصناعة الأهوال.

  • إنه نظام تقي وورع ومنتج، وجمال النساء يعيق عجلة الإنتاج الصناعي التي كان قوامه: العلكة والدراما، التي يقوم عليها الذكور، فمسابقات الجمال ستكبح دولاب المقاومة وتعطل ناعورة الممانعة التي تجري بالطبل والزمر عادة.

  • إن السيدة الأولى ستغار من الملكة، وقد نقلت أنباء عن صراع بين السيدة الأولى زوجة الرئيس، والسيدة الأخيرة حماتها، على لقب السيدة الأولى، وهن غير قادرات على منافسة الجميلات، فالأَولى منعها، درءاً للمفاسد وجلباً للمصالح.

  • لإنه نظام "اشتراكي"، وقد أُهمل هذا الوصف في الشعارات حتى نسي. فقد عارض مسابقات الجمال لأنها بدعة من النظام الرأسمالي.

  • قد يكون النظام خائفاً من الفتنة المترتبة على تتويج ملكة للجمال، وهو يتقي منع خطفها، مثل المذيعة مريم يمق، وكانت ملكة جمال غير منتخبة عبر مسابقة، فملوك فروع المخابرات يطمعون في ملكات الجمال المتوجات وبمنعها يمنع عملية اغتصاب مؤكدة.

  • إن مسابقة ملكة الجمال تعني تنظيماً وانتخاباً، والنظام ضد كل التنظيمات خارج الجبهة الوطنية التقدمية، وضد الانتخاب غير النزيه الشعبي، ومع الاستفتاء الشعبي الديمقراطي النزيه.

  • إن قلعة العلمانية هي قلب العروبة النابض الأصيل، وهي علمانية عربية، والعرب لم تنظم مسابقات جمال في تاريخها. وكانت العرب تنظم مسابقات جمال الكلمة في عكاظ والمربد.

  • الواقع يقرّ بأن أبطال النظام الاشتراكي السوري كلهم رأسماليون و"بوط ماليون"، مع إن الأفلام التي تبثها التلفزيونات كلها أمريكانية، ويعترف هذا المقال أنّ النظام العلماني بادر إلى تنظيم مسابقات جمال على "البسطة"، فقرنها ببعض الفاكهة وأطلق عليها أسماء مثل ملكة جمال العنب وسواها من الثمار. نعود إلى الكيان الكرتون والذي يزكي جميلات الجنائز، لا الجميلات الأحياء، ونقول: إنَّ من أَكْبَرِ الكَبَائِرِ عِنْدي/ قَتْلَ بَيضَاءَ حُرّة طبول.

  • إن مسابقة الجمال سلعة بشرية وستقوم شركات الإعلان بتوظيفها في تسويق سلع استهلاكية، والنظام لم يكن بحاجة إلى تسويق تجاري، لإنّه بلا منافسين.

عموماً: ملكة الجمال السورية خلال نصف قرن من حقبة الدكتاتورية كانت السلطة، والتي يمكن اختصارها في تعفيش البرادات لحفظ النظام والشعب في الثلاجة، والغسالة لغسل التاريخ، لحفظه نظيفاً معقماً من الذكريات، والفرن الكهربائي لحرق الشعب. ملكة جمال دولة الأسد كانت: الجزمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب