الثلاثاء 2018/10/30

آخر تحديث: 11:56 (بيروت)

نتنياهو يتسلّق "شجرة الحياة"

الثلاثاء 2018/10/30
نتنياهو يتسلّق "شجرة الحياة"
الصلاة من أجل ضحايا مجزرة الكنيس في بيتسبرغ (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في اجتماعهم، الأحد الماضي، وقف أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي دقيقة حداد على ضحايا هجوم كنيس بيتسبرغ، بحصيلة 11 قتيلاً. وقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي تعازيه لأسر الضحايا كما كان متوقعاً، وأضاف إلى ذلك إشادته بموقف الرئيس ترامب ضد معاداة السامية، "ولتعهده بمحاربة من يسعي إلى تدمير الشعب اليهودي".

لكن فحوى رسالة نتنياهو لا يبدو بعيداً جداً من منطق روبرت باورز، المسلح الذي اقتحم كنيس "شجرة الحياة" وفتح النار على المتعبدين أثناء صلاة السبت الصباحية. وكذلك، ومع أن ترامب الذي يقدم دعماً غير مسبوق لدولة إسرائيل ويرتبط بصلة نسب مع عائلة زوج ابنته ومستشاره جاريد كوشنر اليهودية، يصعب اتهامه بمعاداة السامية، فإن ما يجمع الرئيس الأميركي مع باورز ليس بالقليل.

فلماذا تحدث أكبر مذبحة ضد اليهود في التاريخ الأميركي في عهد ترامب تحديداً؟ ولماذا تصبح الولايات المتحدة، وهي البلد الأكثر أمناً لليهود تاريخياً، مكاناً يُقتل فيه المسنون في الكنيس خلال تأدية صلاة السبت، وفي الوقت نفسه تبالغ الحكومة الأميركية في دعم إسرائيل بشكل مطلق؟ ربما تكون الصدفة بالطبع، وكان هذا التفسير ليبدو جائزاً، لولا أنه، وفي خلال 72 ساعة، ارتكب سلسلة من جرائم الكراهية الفادحة، الواحدة تلو الأخرى. فبالإضافة إلى مذبحة الكنيس، فإن مسلحاً أبيض، فشل، ليلة الأربعاء، في اقتحام كنيسة للسود، ففتح النار على مجموعة من الأميركيين الأفارقة، وقتل منهم أثنين. وفي يوم الجمعة، وعلى خلفية تلقي عدد من الشخصيات المعارضة لترامب طروداً مفخخة، أوقفت السلطات متهماً نشطاً في ترويج خطاب الكراهية ضد الأقليات عبر الإنترنت.

يتحدث نتنياهو، في رسالة تعزيته، عن "الشعب اليهودي"، وبشكل واعٍ يؤكد منطق القاتل وخطاب معاداة السامية بشكل عام. فبما أن اليهود "شعب"، فاليهود الأميركيون ليسوا أميركيين تماماً، ومكانهم ليس هناك. وكما أن لليهودية شعباً، فإن لها دولة أيضاً، وهي مكان اليهود الأميركيين وغير الأمريكيين، أي أن مكانهم في إسرائيل.

لا تخلو دعاية ترامب، التي تقتات على الكراهية، إلى إشارات معادية للسامية مباشرة، لكن الأهم أن خطابه المُحرّض على الأقليات والمهاجرين واللاجئين يصب ضمناً في مصلحة معاداة السامية. فاليهودي، الذي كان لوقت طويل في العالم الغربي، رمزاً لفكرة الاغتراب والاختلاف واللجوء والعزلة، يمكن له أن يتحول إلى هدف سهل لنظريات المؤامرة والتفوق الأبيض ودعاوى النقاء العرقي، في وقت تتعالى فيه موجاتها. فالدعاية المعادية للعولمة، التي يعتمدها ترامب، للتشكيك في الانتماء الوطني لـ"النخبة" العابرة للحدود وأيديولوجيتها غير المرتبطة بمفهوم الأمة، تتطابق في جوهرها مع منطق هؤلاء الذين في الماضي، كانوا يبحثون في الماضي عن حل لـ"المشكلة اليهودية"، ويقلقهم هذا الوجود المتناثر للغريب والمختلف عبر الحدود والملوِّث لأممهم "المتجانسة".

يريد ترامب أميركا للأميركيين فقط. ويريد كثُر من مؤيدويه أميركا للبيض فقط. أميركا نقية لا تلوثها ولاءات العولمة غير الموثوق فيها. ويريد نتنياهو ومؤيدوه أيضاً، إسرائيل لليهود فقط، أو على الأقل أن تكون السيادة المطلقة فيها لهم. ولا يبدو أن روبرت باورز، حين فتح النار في الكنيس، كان يرغب في أقل أو أكثر من هذا: عالَمٌ منتظم وبسيط ونقي، حيث تَمنع الأسوار المهاجرين من الحركة، ويموت اللاجئون في أماكنهم، وللأميركيين بلد لهم وحدهم، وتعود عظيمة كما كانت، وكذلك بلد لليهود حصراً، وهكذا. وبالطبع لن يكون مفاجئاً أن يتضح لاحقاً، مثلاً، أن باورز، رغم ما فعله، مؤيد مخلص لفكرة إسرائيل ولسياسات بلاده تجاهها. فبشكل أو بآخر، الصهيونية هي الوجه الآخر لمعاداة السامية.

يعلق ترامب على المذبحة بأنه لو لكان هناك حارس مسلح على باب الكنيس، لما وقعت الجريمة. وهذا بالضبط ما يرغب فيه نتنياهو، أن تكون أميركا "الآمنة"، مكاناً يخاف فيه المرء أن يكون يهودياً، وأن يتحقق الهدف النهائي، أي أن تكون إسرائيل وطناً لكل اليهود ولليهود فقط، فخارجها ليس أمامهم سوى الرعب والمذابح. وإثر الجريمة، إذ يدعو ترامب إلى مزيد من التسلح، يواصل نتنياهو هجماته على غزة. فكل مذبحة أو ذكرى مذبحة، في مكان آخر وزمن آخر، تبدو مبرراً مناسباً لقتل المزيد من الفلسطينيين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها