الخميس 2015/03/19

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

المرض السوري في عامه الجديد

الخميس 2015/03/19
increase حجم الخط decrease

يستنكر البعض فكرة المرض السوري، ويتصور البعض انه لاوجود للمرض السوري، وللحق فان كلاهما في استنكاره وتغيبه للمرض السوري يبدو منفصلاً عن الواقع، ويتعامل معه خارج المعطيات والوقائع. فالمرض السوري امر قائم، ومستمر وقد تضاعفت مؤشراته بعد اربع سنوات من الصراع المتعدد الجبهات والاطراف في المشهد السوري.

اساس المرض السوري، سياسات نظام البعث، والتي بدأت مع الاستيلاء على السلطة في آذار 1963، وقد جعل البلاد تحت سلطة مجموعة عسكرية – امنية، اختلطت فيها التقليدية الفلاحية مع النزعات الطائفية، وكلها تتوافق مع محدودية الثقافة والتحضر والمدنية، ان لم نقل احتقارها جميعاً، وثمة كثير من دلائل واقعية في سياسات وسلوكيات المجموعة العسكرية كرستها في الواقع السوري بعد آذار 1963، وخاصة في ظل نظام الاسدين الاب والابن.

لقد فرض نظام البعث حكم الحزب الواحد، قبل ان ينتقل الى حكم الفرد الواحد في عهد الاسد الاب، وجعل من المؤسسة الامنية – العسكرية عصب النظام وقوته الاساسية، واقام نظاماً دعائياً بدلاً من الاعلام الحر، وخلق تحالفاً من الانتهازية السياسية والاجتماعية والدينية، استخدمه في سياسة السيطرة الاجتماعية والنهب الاقتصادي، وعزز قوته بمؤسسته الامنية – العسكرية، وبعلاقاته مع جماعات متطرفة، وامتلاك السلاح الكيماوي المحرم دولياً، وكلها جعلته لا يتورع عن اتخاذ اي خطوات، او ارتكاب اية جرائم في المستويين الداخلي والخارجي من اجل الوصول الى غاياته واهدافه على نحو ما كانت مذابحه ضد السوريين التي حدثت في اغلب بداية عقود حكمه، ومثلها جرائمه في المحيط الاقليمي ضد اللبنانيين والفلسطينيين والاتراك والعراقيين وغيرهم، ورعايته لاعمال ارهابية في مناطق متعددة من العالم.

تحت سلطة البعث وحكم الاسدين، تحولت سوريا الى دولة فقيرة مقارنة بامكانيات وموازنات دولة شقيقة وقريبة منها الاردن ولبنان والكويت والامارات العربية المتحدة، وصارت سوريا دولة ضعيفة بالمعنى العميق للكلمة مقارنة بمؤشرات القوة التي تتمتع بها دول ممائلة في الجوار بما فيها تركيا جارة سوريا في الشمال، والعراق جارها في الشرق، وتحولت الى دولة خطرها بسلاحها الكيماوي من جهة، ودعم ورعاية الارهاب في ضوء علاقاتها مع دول ومنظمات خارجة عن الارادة الدولية، ولاتتورع في ارتكاب جرائم ودعم اعمال ارهابية مثل ايران وكوريا الشمالية وعراق صدام حسين وتنظيمات مثل حزب الله اللبنانية وتنظيمات شقيقة للقاعدة مثل فتح الاسلام وغيرها كثير.

وسط المرض البعثي الذي اصاب سوريا، بدا من الطبيعي، ان يتسلل المرض للسوريين، ويصيبهم، وليس من المبالغة، القول ان سوريي العقود الاخيرة في عموميتهم من الفقراء، حيث نسبة من هم تحت خط الفقر قبل الثورة، وصلت الى واحد من كل ثلاثة سوريين، والبطالة زادت عن عشرين بالمائة، والامراض الاجتماعية والجرائم تجاوزت كل المعدلات المعروفة. وكله دفع كثير من السوريين للذهاب خارج وطنهم بحثاً عن لقمة العيش وعن علم ومعرفة وحرية، فاتجه بعضهم الى القريب المتاح مثل لبنان وغالباً ماتجاوز عدد السوريين فيه نصف مليون نسمة اضافة الى مئات الآف منهم في الاردن وكلاهما من الدول الاكثر فقراً من سوريا، ومن كان له حظ افضل ذهب الى دول الخليج العربية، التي غالباً ما زاد عدد السوريين فيها عن نصف مليون نسمة، استطاعوا فتح ثغرة في جدار هجرة السوريين الصعبة، التي كان مؤشرها طوابير السوريين امام السفارات الاجنبية بهدف الحصول على فيزا، التي كانت الدول تتحفظ باعطائها للسوريين بسبب سمعة نظامهم السيئة في دعم الارهاب، وبسبب رغبة السوريين في هجرة دائمة الى تلك البلدان هرباً من ظروف حياتهم في بلدهم، لكن ذلك لم يمنع من هجرة مئات آلاف الخبرات والكوادر ففي المانيا مثلاً يشكل اطباء الاسنان من اصل سوري النسبة الاكبر، والاطباء المقيمين في المشافي الفرنسية اغلبيتهم من السوريين.

امراض السوريين الموروثة عن نظام البعث وديكتاتورية الاسد ودمويته، كانت السبب الجوهري لثورتهم، وليس انطلاقة الربيع العربي من تونس، ولا اعتقال اطفال درعا وتعذيبهم، ولو ان الحدثين شجعا على انطلاق ثورة، عبرت عن نفسها بشعارات واضحة جلية وقوية من اجل تغيير حياة السوريين واعادة بناء سوريا وفق قيم حديثة ومعاصرة اساسها حقوق الانسان وكرامته وحريته وحقه في حياة ديمقراطية، يمكن ان يعبر عن نفسه من خلالها.

غير ان العنف الدموي الشديد الذي قابل به النظام نزوع السوريين للخروج من مرضهم ومرض بلدهم، استنزف اندفاعة السوريين للخلاص عبر عمليات القتل والاعتقال والمطاردة، وما تبعها من عمليات تهجير، وقد طالت ملايين السوريين، وأكتوى بنارها الشباب والشابات الذين كانوا وقود تظاهرات العام الاول، وطبقاً للتقديرات، فان مائة الف من الشباب الناشطين غادروا سوريا مع نهاية العام الاول من الثورة، الامر الذي اضعف قوة الحراك المدني وعزز فرص الذهاب الى السلاح والعسكرة الذي كان خيار النظام الرئيس من اجل افشال الثورة.

بعد اربع سنوات من حمامات الدم وعمليات التدمير والتهجير التي مارسها نظام الاسد وحلفاؤه الايرانيون ولبنانيو حزب الله وعراقيو المليشيات الشيعية، وارهابيو ومتطرفو داعش والنصرة، وبعد تراخي المجتمع الدولي وتجاهله عما يصيب سوريا والسوريين من كوارث نتيجة سياسات النظام وحلفائه والمتطرفين، يبدو من الطبيعي ان تذهب سوريا والسوريين الى مزيد من المرض ومزيد من الصعوبات في الحياة والسياسة، لكن الفرق في هذه المرة، ان وعي السوريين ومعرفتهم لامراض بلدهم وامراضهم صار حاضراً، وان ارادتهم في مواجهة المرض واسبابه، صارت اقوى من اي وقت مضى، ولعل هذه اهم ميزة في المرض السوري مع دخول سوريا العام الخامس لثورتها ضد نظام الاسد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها