الخميس 2013/02/21

آخر تحديث: 06:53 (بيروت)

كأنّ أبو عمار فرد من العائلة

الخميس 2013/02/21
كأنّ أبو عمار فرد من  العائلة
increase حجم الخط decrease
 يمكن للحظة معينة، أو تدبير سريع لصورة بورتريهات، أن تحكي طويلاً عن تاريخ شعب، وعن ثورته.

الصورة تتحول هنا إلى كتاب، بتفاصيل وقصص كثيرة. هكذا نتأمل في الصورة طويلاً، كأننا نقرأ تماماً.

حكايا كثيرة عن ثورة كالثورة الفلسطينية المعاصرة، تروى في صور المصور البريطاني كريس ستيل-بيرنكنز، التي التقطها يوماً ما، في لحظة ما.
 
هذه الصورة التي انتشرت على "فايسبوك" و"تويتر" بشكل ملفت، تنقل لحظة من تاريخ الثورة الفلسطينية، لحظة التقطها كريس عبر كاميراته من دون أي تحضير مسبق.
 
كانت الإضاءة مناسبة وكانت الترايبود ترافقه كما الكاميرا، فنصبها واقترح عليهم أن يقتربوا من بعضهم ليلتقط صورة بورتريه "عادية" للعائلة اللاجئة في إحدى مخيمات لبنان، كما قال كريس في كتابه "بيروت: قصة جبهة".
 
في الصورة نرى عشرة أطفال، بعضهم أبناء الفدائي وزوجته، وبعضهم أبناء عمهم. عشرة أطفال في صورة واحدة، بأعمار متقاربة، أصغرهم رضيع، هذا تفصيل فلسطيني بامتياز، كأنه نقلٌ مرئي لما كتبه غسان كنفاني مرة "هذه المرأة تلد الأولاد فيصيروا فدائيين.. هي تخلف وفلسطين تأخذ".
 
أطفال ينظرون إلى البعيد، خارج الكادر، أحدهم يحمل صورة كبيرة بإطارها لـ "أبو عمّار"، أرادوها أن تشاركهم البورتريه الجماعي كأنه فرد من العائلة، أو بالأحرى رب العائلة الرمزي الذي يجب حضوره في كل صورها، ولو بالصورة.

اليوميات المكررة، والعادية لحياة هؤلاء الأطفال كلها في هذا الكادر. فهنا طفل نصف عار، في ذلك المخيم الصغير والبيت الأصغر.
وفي وسط الصورة طفلة تحتضن رشاش والدها من نوع "الـ AK-47". تضمه الفتاة بين ذراعيها وكأنه "دبدوب" لطيف. تضمه وتبتسم.
 
أما الوالد فيقف بين الأولاد محتضناً إياهم، ويبرز نصف ابتسامة ومنتصباً بشيء من الإعجاب بالنفس: سنظهر في مجلة أميركية.
لحية غير مشذبه تشوّش على ابتسامة الأب، شعر "أجنباوي" مصفّف بعناية "البريلكريم"، ونظارت "الإفياشن" وضعت على عجل لتظهر معهم جميعاً في الصورة، حتى لو كانت مائلة. أما بزته "الكاكية" "السْلم فيت"، فترك زرها الأعلى مفتوحاً ليُظهر بها الشعر الداكن على صدره.
 
في كل ذلك شيء من الفدائي الحالم، الذي يعيش ثورته، كما أيامه، بكل لحظاتها وأشكالها ومعانيها ومثالياتها.
 
على الجانب الآخر من الصورة تجلس الزوحة. لم يعنِها أن تكون في الصورة كما قال كريس، بقيت منشغلة بإرضاع طفلها، لم ترتبك، ولم تتظاهر بالارتباك، كانت على طبيعتها. واستخدم كريس التعبير الحرفي "الأم مرتاحة، كما ترون". 
 
على الجدار صور لسيدة قد تكون والدة أحد الزوجين، وصورتان معلقتان لصبيتين قد تكونا شهيدتين ما استدعى تعليق صورتيهما، وهو تفصيل حاضر في كل بيت فلسطيني على الأغلب. تفصيل أخير لا بد منه: الشرشف الزهري، هو كذلك حاضر بين الفلسطينيين.
 
التقط كريس الصور‪ة‬ قرب "الخط الأخضر" (التماس) في بيروت، حيث تواجدت عدة عائلات تسكن بيوتاً مهدّمة في معظمها، تهجّروا إليها إثر الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي للمدينة، ومعظم هذه العائلات كانت فلسطينية. التقطها في أوائل أيلول/سبتمبر عام ١٩٨٢ قبل مجزرة صبرا وشاتيلا بأيام، حين كان يعمل لمجلة "تايم" أو"نيوزويك" حسبما يذكر، وكان همه الأساسي كما قال تصوير حياة الناس في بيروت الغربية، التقاط مشاهد حياتية على هامش الحرب تكون من يوميّات الناس هناك، فكان يدور بين الحارات والبيوت وكثيراً ما كان يُدعى لشرب كأس شاي ولدردشة خفيفة.
 
أما في هذه الصورة، فقال كريس بأنه "دعا نفسه" للدخول إلى هذا البيت المهدم جزئياً، فالتقى بالعائلة، وكان كأس الشاي، وكانت الإضاءة جيدة.
 
قصة العائلة قبل التقاط الصورة وبعدها، لم يعرفها تماماً كريس، لا يذكر ما عرفه. لا يعرف ما حل بالعائلة بعد التقاط الصورة بأيام، أثناء المجزرة، وبعد كل المآسي التي لاحقت اللاجئ الفلسطيني منذ النكبة إلى مخيماته في لبنان، ثم إلى مخيماته في سوريا يخبرني كريس، حيث القصص تتشابه.
 
 
 
المزيد من الصور: http://bit.ly/XnsUJz
 
 
الكتاب في أمازون: http://amzn.to/UMzbim
 
increase حجم الخط decrease