الثلاثاء 2014/09/02

آخر تحديث: 19:55 (بيروت)

الخوف والإحتجاج.. والهيبة المفقودة

الثلاثاء 2014/09/02
الخوف والإحتجاج.. والهيبة المفقودة
increase حجم الخط decrease

 لم يكن إحراق علم "داعش" في ساحة الأشرفية في بيروت، السبت الماضي، تحدياً للتنظيم، بقدر ما هو رسالة إحتجاج على أفعاله. قد تنطوي على إعلان الخوف من "داعش" الذي يواصل تهديد عسكريي لبنان بالذبح. هي رسالة رفض، لها مبرراتها. تنصل من أفعال وحشية. كما تتضمن الإعلان عن أنه يشكل تهديداً لجميع اللبنانيين، وليس لفئة واحدة منهم. هي رسالة متماثلة مع ما يرد في مواقع التواصل الإجتماعي من فعل حرق رمزي لعلم، لا يحمل من تعاليم الإسلام، إلا إسماً يشرعن الخوف، كما يشرعن للغيارى على الدين رفض إحراقه.

"داعش" (وأخواته)، لم يكن إلا فكرة طريفة للتندر، قبل أن يمس جوهر البقاء اللبناني، ويستهدف وحدته الوطنية. سار الإحتجاج اللبناني عليه، في سكتين متصلتين. الأولى عبر مواقع التواصل التي لم تتعرض لحجب أو لمنع أو إدانة. فيما سار الإحتجاج الآخر في سكة إحراق العلم في الهواء الطلق. الأول لم يُدَن، كونه مطلباً محقاً. والثاني تمّت إدانته عبر وزارة العدل، بذريعة المس بالرموز الدينية. هل إستفز إحراق العلم الدولة لحماية المعتقدات، والحق فيها، ولم يمس فعل التنظيم هيبة الدولة وكرامتها وشرفها وتضحيات جيشها؟

السؤال كان خاضعاً للنقاش قبل الإعلان عن ذبح الجندي علي السيد، وقبل التهديد بذبح آخر، واحد من تسعة وردت صورتهم اليوم في حساب المسؤول عن الذبح في "تويتر"، في إبتزاز آخر لهيبة الدولة. فقد نشر اليوم حساب "أبو مصعب حفيد البغدادي" في "تويتر" صورة لتسعة جنود لبنانيين محتجزين لديه، قائلاً: "أظن أن الدولة اللبنانية مستغنية عن أحدهم؟؟" واضاف: "الدولة الإسلامية سنت السكين لذبح أحدهم.. هل ستفاوضون أم لا؟؟؟".

ماذا ستفعل الحكومة اليوم جراء هذا التهديد؟ الحكومة التي أجبرت، على ما يبدو، على التفاوض، لم تنتفض لكرامتها الممسوسة. إنتفضت لحرق علم، في سلوك إحتجاجيّ على فعل الذبح، وعلى وضعها أمام اختبار هيبتها. إنتفضت لراية إسلامية مزعومة، لا تأكيد على أنها كانت راية الإسلام الأولى. راية أحرقت أيضاً على أيدي متشددين إسلاميين ومعارضين سوريين، من غير أدنى اعتبار للفظ الجلالة عليه، كون الإسلام وإلهه "بريئاً من حامل الراية". فإذا كان المتشددون على هذا الرأي، وكانت الحكومة "بريئة" من هذا التنظيم الذي يُعدّ الإسلام "بريئاً منه"... يصبح اي فعل إدانة لسلوك إحتجاجيّ، خارج السياق الديني والوطني.

من يتصفح مواقع التواصل اليوم، يخلص الى هذه النتيجة. حملة على الإعتراض، تخف وتزداد بحسب الإعتبارات السياسية وانتماءات المستخدمين. وتتضاعف عند كل سلوك إلغائي يتخذه تنظيم "داعش" في حق الدولة وهيبتها وبحق اللبنانيين. وبقي فعل الإحراق إحتجاجياً، لأنه عاجز عن الردّ والتحدي. على الأقل، تؤكد لنا وسائل الإعلام ذلك عبر تصريحات تنقلها عن مسيحيين، فيما تنقل عن الشيعة تحضيراتهم لرد هجمات متوقعة، في مكابرة على الرفض، مصحوبة بفعل قوة تعلن الطائفة إمتلاكها لها.

وفي مقابل الإحتجاج الصرف، ردّ المتضامنون مع التنظيم "الإرهابي" بإحراق صلبان، وبكتابة شعارات دينية إلغائية، على الكنائس، كان آخرها صباح اليوم. ولا يعدّ ذلك إلا نتيجة طبيعية لفعل الإدانة الصادر عن وزارة العدل للإحراق الأول. منح القرار القضائي هؤلاء المتشددين تبريراً، ما وضع السلم الأهلي على المحكّ، في أخطر حادثة تحيل الصراع السني – الشيعي في لبنان، الى صراع سني – مسيحيي.

اليوم، هل سيُدان حارق علم، في ساحة ما أم في مواقع التواصل، إذا إحتج اللبنانيون على تغريدة "حفيد البغدادي"؟ ولماذا لم يقفل حساب مهدد الدولة حتى الآن؟ ولم تتم السيطرة عليه؟ ألا يهدد الوحدة الوطنية ويحرض طائفياً بنشره صوراً ومزاعم وادعاءات عن الجيش اللبناني، وهي المؤسسة الحافظة للسلم الأهلي؟

كل الإجابات على تلك الأسئلة، يحيلها رواد مواقع التواصل الى الدولة، بتخصيص بعض وزرائها بوسوم لا جدال في انها مسيئة... لكنه إحتجاج لم يخرج عن قاعدة رد الفعل، طالما أن صاحب الفعل ما زال يبتز الحكومة ويحقرها!

increase حجم الخط decrease