السبت 2015/11/28

آخر تحديث: 17:42 (بيروت)

تمخضت "طلعت ريحتكم".. فولدت كيس نفايات

السبت 2015/11/28
تمخضت "طلعت ريحتكم".. فولدت كيس نفايات
increase حجم الخط decrease
تمخّضت حملة "طلعت ريحتكم"، فولدت كيس نفايات. ذلك هو أقصى ما يمكن أن تنتجه حملة، أخطأت النزال مع السلطة، فخذلت كل المراهنين عليها، منذ أكثر من مئة يوم. وعوضاً عن توجيه صدمة للسلطة السياسية التي تمعن في تمييع القضايا المطلبية وتسويفها، حوّلت نيرانها باتجاه المواطن نفسه. صدمته، وانتهكت فعلاً مقدساً لدى النساء، بل هو بداية الحياة نفسها، مستغلة عملية "الولادة"، من غير أن يحمل الفعل أي رسالة سياسية للسلطة.

ليس بوسع شريط الفيديو الذي تناقله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، أن ينقل أكياس النفايات الى مكانها الطبيعي. والسلطة، لن تنظر الى تمثيلية ولادة كيس النفايات في الشارع، الا كفصل من مسرحية مسلية، أضحكت الممثلة في نهاية الشريط بعد ذعر الناس في الشارع والذين ظنوا مخاضها حقيقياً فخافوا عليها، وأثارت استياء مواطنين كانوا في 29 آب (أغسطس) الماضي، جزءاً من هذا الحراك، وداعمين له.

في الفيديو، استفادت السلطة وحدها، بإبعاد الحاضنة الشعبية عن محركين للحراك، تجاوزوا استعراض الكوميديا، وصولاً الى التسلية بالمواطن، وكأنما على طريقة مقالب "الكاميرا الخفية" - وتحديداً الحلقات السمجة. وتالياً، الضحك منه، وعليه، عبر انتهاك خصوصيات نسائه في مسرحية بلا ذوق.

والانتهاك هنا، مرتبط بـ"قدسية" فعل الولادة، وآلام المخاض عند المرأة. فالشريط الذي يصور امرأة تنزف في الشارع، بداعي ولادة مستعجلة، لا يختلف كثيراً عن الاعلانات التي تستغل جسد المرأة لأغراض تجارية. غير أن الغرض هنا، ليس تجارياً، بقدر ما هو فعل عبثي، لا يستدعي تضحية بقدسية وثوابت، ولا يحمل أي رسالة سياسية، بوسعها أن تحرك السلطة (التي لا يحركها أي شيء أصلا) للاستعجال بحل أزمة النفايات، أو أن يزيد في تعبئة الشارع تحت شعار موحد.

الفكرة، صدمت المشاهد نظراً الى ترابطها الحقيقي، وتصويرها بكاميرا توحي بأنها عفوية، كما صدمت العابر في الشارع، والناظر الى المرأة وخوفه عليها، من الشرفات العالية. صدمت المواطن، وأظهرت تفاعله الانساني مع امرأة في خطر وتلد، من غير أن تمتلك أي قدرة على إحداث صدمة في صفوف المعنيين.

وعليه، لا يُقرأ الشريط الا بوصفه اضطراباً مجانياً، تبحث فيه المخرجة عن فكرة "اوريجينال" لشريط قصير، مستغلة الحراك المدني وأزمة النفايات وخصوصية النساء على حد سواء، لفعل عبثي. لكن، في الخلفية، يؤشر الشريط الى هول الاضطراب الذي يعاني منه الحراك المدني اللبناني، ومن خلفه "طلعت ريحتكم" التي تبنت الشريط، للقول "حبّل قلبنا".

"حبل قلبنا" من سلطة تسوّف القضايا، وتلهي أشياعها بالبحث في جنس الملائكة. لكن الحمل، يجب أن يولد تغييراً، المولود هو الجديد، هو الإبداع، هو الأمل، المستقبل، لا كيس نفايات، تفوح منه رائحة العفن السياسي وخلافاتنا المذهبية وتبعيتنا التي لم تحمل مؤشراتها في الاستحقاقات الانتخابية على اي تبدل فينا، مهما تضاعفت الازمات.

في الواقع، حراك مضطرب، من شأنه أن يولد محرّكين مضطربين إجتماعياً، أعمتهم المصيبة عن رعاية طفل سليم، وهو حقوق المرأة اللبنانية التي اكتسبت جزءاً منها بعد نضال دام سنوات. وإذا كان معدو هذه المسرحية، يمتلكون هذا القدر الساذج من التفكير، فلا داعي للبحث عن تبريرات لفشل الحراك المدني بأكمله. كما تكونون، يولّى عليكم!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها