الأربعاء 2014/03/12

آخر تحديث: 02:53 (بيروت)

نحن إمرأة واحدة؟

الأربعاء 2014/03/12
نحن إمرأة واحدة؟
إمرأة واحدة.. أنا أم نحن؟
increase حجم الخط decrease
 إنتماءات، تجارب، وجوه، ابتسامات، وظائف ومواقع مختلفة لكنها كلها تجتمع في نساء عربيات تواجهن التحديات عينها. كلها تجتمع في إمرأة عربية واحدة موحدة، تحزن لحزن بنات جنسها، وتفرح لفرحهن وتتضامن معهن.. ويحلمن جميعاً ليشرقن دوماً معاً.
 
هذه هي الرسالة التي توجهها أغنية "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" تحت عنوان "إمرأة واحدة" والتي ما زالت تحظى باهتمام الشبكات الاجتماعية رغم مرور أيام على اليوم العالمي للمرأة وتبقى الأغنية صالحة جداً للنقاش على بُعد أيام من عيد الأم، التي لها الدور الأبرز في دفع موضوع حقوق المرأة إلى الأمام.
.. جهد فني واضح يستحق التنويه في "إمرأة واحدة"، كما يمكن التوقف عند بعض ثغراته. وقد يكون ظُلم الكليب الذي أُطلق في حفلة المكتب الإقليمي للدول العربية ومكتب مصر لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في "دار الأوبرا" المصرية، وسط كلمات المشاركين والفعاليات الرسمية.
 
"إمرأة واحدة" هي النسخة العربية من الأغنية العالمية التي تحمل العنوان نفسه وأطلقتها الأمم المتحدة العام الماضي للمناسبة عينها بالإنكليزية. والفرق بين النسختين واضح لجهة الكلمات والموسيقى وتوزيعها والكليب.. وقد نفذتها وأشرفت على إنتاجها شركة "مقام" للإنتاج الفني. وشارك فيها أكثر من خمسين فناناً وفنانة بينهم مشاركات فنية مميزة من عبير نعمة ومكادي نحاس وشربل روحانا وغيرهم. ويقف الأخير وراء اللمسات المميزة في التوزيع الموسيقى للأغنية، ويقول لــ"المدن" إنه "اعتمد على إدخال الآلات الموسيقية الشرقية من العود والقانون والرق، لإعطاء النسخة العربية طابعاً شرقياً وجعل موسيقاها أليفة لآذان الجمهور العربي".

trre-(1).png

الأغنية التي تدعو إلى التغيير والمساواة بين المرأة والرجل وإفساح الفرص للنساء لتحقيق أنفسهن..هي فعلياً دعوة لإنتفاضة المرأة العربية. انتفاضة تبدأ من وحدة بين النساء في ما بينهن "نحن إمرأة واحدة أسمعك حين تبكين.. أتألم، تتألمين، أملُك أملي وسوف نشرق معاً".
 
وجوه نسائية متنوعة في حيواتها اليومية ومهنها، بين الهندسة والنسيج والمصنوعات اليدوية وتنسيق الزهور والخبز والزراعة.. ترافقنا في الكليب البسيط والمباشر الذي يوصل رسالته من دون تكلف. وإن كانت المقاطع الترميزية، التي تصور شابات وسيدات يتخفين بأقنعة في حافلة واحدة ومن ثم على الكورنيش، وبعدها تخلعنها تدريجياً تعبيراً عن رفضهن للخوف والتردد وسكوتهن عن حقوقهن، هذه المقاطع تقطع انسيابية قصص النساء اليومية وابتساماتهن العفوية للكاميرا والتي تتكفل وحدها بانسجام الأغنية مع المادة البصرية ولا تحتاج إلى ترميز أو حبكة "كليبية" إن أمكن القول.
 
تبقى الأغنية في كلماتها المتفائلة، لكن الواقع بعيد جزئياً عن هذه الوحدة التي نراها في "المُرّة" ولا نراها في "الحلوة". المرأة الواحدة في الأغنية، ليست واحدة إلا في المعاناة. امرأة واحدة في مسيرات تطالب بأن يقر قانون العنف الأسري وبكف أيدي الرجال وطناجرهم وأدويتهم القاتلة وركلاتهم عن أجساد النساء كما رأينا في مسيرة منظمة "كفى" في بيروت السبت الفائت.
 
نحن "إمرأة واحدة"، ربما، لكن وحدة النساء غالبا ما تأتي بعد القتل والعنف الذكوري الذي قضى على حياة 24 إمرأة بين الأعوام 2010 و2013 في لبنان. هن واحدة بعد وقوع الواقعة وبعد تعرض المرأة للضرب والتعذيب في ممارسة متزايدة بحسب منظمة "كفى" التي تشير إلى الـ 172 حالة من التعنيف الأسري في العام 2011 ارتفعت إلى 197 في العام 2012 ومن ثم إلى 291 في العام 2013. 
 
المرأة واحدة، في المسيرات والحلقات التلفزيونية والمؤتمرات بعد أن يقع كل هذا العنف، لكنها قبل خروجه إلى العلن ليست واحدة.. ليست سوى إمرأة مشتتة، تائهة بين القوانين المجحفة والعادات المستمرة، والصورة المجتمعية و"العيب". ليست بعد إمرأة قوية إلا معنوياً.. أما في السلطة القانونية وفي التطبيقات الشرعية المشوهة.. فهي إمرأة ملغية.

cha.png
 
بهذا المعنى تبدو كلمات الأغنية متفائلة نسبياً، أو لنقُل بعيدة من الواقع القاسي للنساء العربيات الغارقات في حالات متزايدة من العنف والقتل والإغتصاب والإهانة والإستغلال والتحرش والزواج المبكر. هذه كلها لا نجد لها أي إشارة، لا في الأغنية العربية ولا تلك الانكليزية، وفي كلتا الحالتين تقف الأمم المتحدة وراء العمل الفني الذي يمكن أن يكون أقرب إلى المعاناة اليومية ويسمي الأمور بأسمائها وأبعد من العموميات والأحلام والتمنيات.
 
كان يُنتظر أن نرى ما بعد الصور المكررة للمرأة الناشطة في كل المجالات ومن كل الطبقات والإنتماءات والأديان. فهذا كله معالج حد الاستعراض، لكن ما يحتاج إلى المعالجة والإشارة حتى لو في أغنية، هو نتائج هذا العمل، نتائج الشراكة المرأة في المجتمع وفي الدخل الأسري وفي المسؤوليات. نتائج هذه "الوان واي تيكت" التي تقطعها المرأة وحدها بالتقدم مهنياً وبدعمها المجتمع والشريك والأب والأخ مادياً ومعنوياً من دون أن تستطيع حماية نفسها منهم عندما تخرج أنياب سلطتهم، وعندما يرفعون سكاكين القانون والأحكام الدينية ليقطعوها بدم بارد.
 
نزلت آلاف النساء اللبنانيات إلى الشارع لإقرار قانون العنف الأسري، وقبلها نزلن مطالبات بحقهن في منح الجنسية لأطفالهن، وقبلها كانت المرأة العربية في الصفوف الأولى للثورات العربية.. لكن في المقابل، في لبنان وفي العالم العربي، هناك أخريات بالملايين لا يكترثن لهذه الحقوق ولا يكترثن لموت نساء تحت أقدام أزواجهن وأمام عيون أفراد عائلاتهن.. أو أنهن يتأثرن لكنهن يطبقن الصمت، ويعدن ليجدن أسباب تخفيفة للجناة أو مبررات لقتلهم زوجاتهم.. مكررات جملة مقززة "مدري شو بتكون عاملة" أو "بتكون عاملتلو فضيحة".
 
بهذا المعنى تأتي الجملة التالية كترنيمة جميلة في أغنية، من دون أن تنعكس واقعاً حتى الآن في العالم العربي: "مع كل الفرق بيننا، متحدات أنت وأنا. نحن إمرأة واحدة، إنتصاراتك ترفعنا. أنا أعلو معك، دنيايَ دنياك، سنشرق دوماً معاً.. رجل يقف معها، رجل يحارب معها. يوما بيوم طريقه ينير إمرأة إمرأة". كم عدد الرجال الذين يقفون مع المرأة؟ ربما عدد الرجال المتزايد في الاعتصامات المناصرة لحقوق المرأة يبعث على التفاؤل، لكن أين أصوات الكتل النيابية لإقرار قانون العنف الأسري؟ مات وعاش المجتمع اللبناني حتى بات يرى عدداً من النواب الرجال يقفون في صف قضايا المرأة.. ومع هذا، ما زال هؤلاء غير قادرين على تشكيل صوت حاسم في وجه الطوائف والحسابات السياسية لتشكيل قوة ضاربة توقف إزهاق الأرواح. ولو فكّر المرء في رفض بعضهم تعنيف المرأة وتأييده عدم إقرار قانون منحها الجنسية لأولادها.. لفهم أنهم مع قتلها معنوياً بسلخها عن أولادها، لكنهم ضد قتلها فعلياً.. فالأمر نسبي!
 
الأهم من ذلك أن وقوف الرجل مع المرأة أو عدمه لا يلغي أن في صف المرأة العربية الواحد تكمن العداوة الأهم للمرأة وحقوقها. ففي قلب وعقل بعض النساء العربيات، ذكورية تنعكس أساساً على بنات جنسهن، وكن قد ورثنها عن أمهاتن ولا يتردد في توريثها لبناتهن ولأبنائهن. وحتى عندما ثار عدد من النساء لحقوقهن، جاءت "ثورتهن" مجتزأة.. نزلن إلى الشارع وبعدها شاركن في إنتخابات لطالما أنتجت نواباً ونائبات يسكتون على قوانين تحلل العنف الأسري. وفي بلدان عربية شهدت إنتفاضات، رأينا المرأة المعتقلة والأرملة والنازحة وفي مقابلها وقفت المرأة الشبيحة، والمُقدسة لـ"السيد الرئيس العظيم"، من دون أن يعني ذلك أن ما أنتجته الثورات التي طغى عليها الوجه الإسلامي المعتدل وذاك المتطرف.. لم تسلب المرأة بعض مكتسباتها أو اعترضت على حقوق لم تنلها بعد.
 
بعيدة المرأة عن الوحدة مع بنات جنسها وقضاياهن. بعيدة بُعد كلمات الأغنية عن الواقع، وبُعد خطط الأمم المتحدة البيروقراطية عن حال المرأة في العالم العربي. بعيدة بُعد المرأة عن سلطة القرار والتي لا تصلها إلا متسلقة على ظهر إرث ذكوري سواء في السياسة أو في المؤسسات الخاصة. بعيدة بُعد أمهات عن تربية عادلة بين الجنسين وسماحهن بتعنيف بناتهن أمامهن (أو بأنفسهن) أو قمعهن. 
تحدي المرأة الأول لتحقيق وحدتها هو مع نفسها، لا مع مجتمعها ولا عائلتها ولا سلطتها الدينية ولا السلطة السياسية. أنا إمرأة واحدة.. ومن ثم نصبح نحن إمرأة واحدة.

umm.png
increase حجم الخط decrease