الأحد 2014/08/31

آخر تحديث: 17:15 (بيروت)

أنا والـ"بي أم دبليو": وظوظ وخروف

الأحد 2014/08/31
أنا والـ"بي أم دبليو": وظوظ وخروف
increase حجم الخط decrease

لطالما أحببت السيارات. أذكر أنني، عندما كنت صغيراً، كنت أنفق الكثير مما أستحصل عليه من مال لأشتري اللعب وكانت كلها سيارات. لم أمتلك سيارة تمشي بجهاز تحكم من بعد، إلا مرة واحدة، وكانت بضاعة سيئة لدرجة أنها لم تكمل النهار. كنت أشتري سيارات صغيرة عليّ أنا أن أدفعها وأحركها. أجمعها وأنتقي الأفضل من بينها وأروح أمشيها بأصابعي على قضيب حديدي أملس على طول الشرفة. هذا القضيب ظل طوال سنوات سكني في صيدا، "الأوتوستراد الطويل" الذي بإمكاني أن أمضي وقتي وأنا أسيّر عليه سياراتي. شببت بسرعة ونبت الشعر تحت أرنبة أنفي، وظللت ألعب بالسيارات. غدا الأمر غير مقبول، فدعتني أمي للخروج من عزلتي وأن أبحث لي عن أصحاب. أن أرافق فتيان الحيّ وألعب ألعابهم. "كبرت"، قالت لي.

كبرت وبقيت أشعر بما يشبه الضعف أمام السيارات. ما زلت إلى الآن أرنو إلى واجهة محل الألعاب عينه الذي مررت أمامه، مع أبي، وكنت في السادسة من عمري. كنا قد دخلنا وجُلنا بين رفوفه، وأحسست أني في الجنة. سيارات كبيرة تمشي على الكهرباء، وأخرى لها جهاز تحكم تسيّر من خلالها السيارة كيفما تريد. لا زلت أتطلع إلى واجهة المحل ويتملكني شيء من حسرة سابقة وعميقة حزّت في عنقي كالسكين، لأني خرجت صفر اليدين. أتذكر أن أبي سبقني ووقف عند ناصية الشارع يتأملني وأنا أحدق بنهم إلى واجهة المحل. لم يفعل شيئاً. كنت أعرف هذا. دعاني بحركة من يده أن أتبعه ومضى.

سأقول إني تخطيت، تقريباً، هذا الشعور. لكن تعلقي بالسيارات بلغ مبلغه. فأنا أقود سيارات الأصحاب عندما نخرج معاً. أحب السيارات. لم أستطع طوال السنين التي مضت أن أشتري سيارة. كان عليّ أن أتحمل سماجة بعض سائقي سيارات الأجرة، كلما قررت الإنتقال من مكان إلى آخر. أن أستمع مكرهاً إلى أحاديث يفتعلونها. أن أركب بجانب سائقين سكارى. أن يخترق البرد جسدي وأنا أنتظر تحت المطر في ليال حالكة حتى أعثر على سيارة تقلني إلى بيتي.

إشتريت سيارة. بي أم دبليو رياضية. جلوسي بداخلها يجعلني أبدو "وظوظ" في أبعد تقدير. مقودها الرياضي الصغير "وجنوطة" عجلاتها و"الفيميه" الخلفي، والصوتيات، تحيلني "وظوظ". أعرف من قبل أن أشتريها أني سأبدو على هذه الحال وارتضيت أن أكون هكذا. أعشق السيارات الرياضية. لكن شراءها أرهق جيبي بالديون. كنت ضحية نزوتي تلك وما زلت. قرض كبير وأعطال تنهش في جسم السيارة تقعدني عن الخروج بها لمسافات طويلة. كلما وقفت بها أمام الميكانيكي ينتابني شعور بالإختناق. أحس أن عليّ أن أرفع هاتفي وأكلّم مَن باعني السيارة وأنهال عليه بالسباب. أنا عاشق السيارات.. اقتنيت سيارة معطوبة! أشعر أني "أكلت الضرب" متقناً. يحضرني شيء ما بلغة السوق.. انا "الخروف"!

أعرضها اليوم بنصف سعرها وما من شارٍ. لا أعتقد أن أحداً سيشتريها مني. سيارتي مصيرها أن تتحول إلى خردة. وأنا أدفع ثمن "خورفتي".

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها