الأحد 2024/02/11

آخر تحديث: 17:20 (بيروت)

إسرائيل تحرّض أميركا على عرب ميشيغان

الأحد 2024/02/11
إسرائيل تحرّض أميركا على عرب ميشيغان
لبنانيون في ديربورن يتظاهرون ضد حرب تموز في العام 2006 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لم تخض أغلب المعالجات الإعلامية في الأيام الماضية في خلفية المقال المثير للجدل عن مدينة ديربورن بولاية ميشيغان الاميركية، بعنوان "عاصمة الجهاد الأميركية"، والذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية مطلع الشهر الحالي. 

عدا أن هذه المعالجات لم تقدم تفاصيل وافرة بشأن كاتب المقال ستيفن ستالينسكي، ولا معهد "ميمري"، الذي اكتفت بالإشارة إلى أنه رئيس تنفيذي للمعهد، اعتبر ساسة ومثقفون وناشطون المقال تحريضاً على سكان ديربورن، بعد زعمه أنهم "مؤيدون" لهجوم "القسام" على غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الاول الماضي.

فالمعالجات السابقة خاضت في تفاصيل المقال وردود الأفعال عليه، أكثر من التوقف عند دوافع الكاتب وماهية المعهد الذي يعمل فيه، وطبيعة مهامه، باعتبارها معطيات تشكل دلائل إضافية على أن المقال موجه لترهيب المناهضين الأميركيين لإسرائيل وممارساتها العدوانية التي وصلت حدّ الإبادة في غزة، عبر التحريض عليهم لغاية إسكاتهم، وتعزيز خطاب الكراهية ضد المسلمين والعرب في الولايات المتحدة، خصوصاً وأن التحريض مسّ سكان مدينة ديربورن البالغ عددهم نحو 100 ألف نسمة، وتتحدر أصول غالبيتهم من دول عربية، وإن هاجروا منها منذ زمن بعيد.

ضابط إسرائيلي سابق

لكن بعض التفاصيل التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن معهد "ميمري" ومؤسسيه، يُمكن أن تقدم فهماً آخر لدوافع المقال والقائمين عليه، مضموناً وهدفاً وسياقاً، وبالتالي فهم أسباب التحريض على مدينة ديربورن وسكانها، ما استدعى استنفاراً أمنياً أميركياً؛ لحماية سكان المدينة من هجمات محتملة بدافع الكراهية والتحريض على المسلمين والعرب، بعد المقال المذكور.

ووصفت الصحيفة العبرية ستيغن ستالينسكي بـ"محلل الإرهاب"، وكشفت أن معهد "ميمري" الذي يُعدّ كاتب المقال الجدلي رئيساً تنفيذياً له، قد أنشأه الإسرائيليان إيغال كارمون وميراف ورمسر. وحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن "المؤسس" كارمون عمل سابقاً مستشاراً لحكومتي شامير ورابين في ما اعتبرتها "الحرب ضد الإرهاب"، وقالت الصحيفة أيضاً إن "كارمون" تعرض في كثير من الأحيان لـ"هجمات من شبكات عربية".

وبالبحث عن تفاصيل إضافية عن المعهد ومؤسسيه، رصدت "المدن" معلومة أخرى عن مؤسس المعهد لم تشر إليه الصحيفة العبرية،  ألا وهي أن كارمون البالغ من العمر 78 عاماً، هو ضابط في الجيش الإسرائيلي، ما يُعدّ تأكيداً آخر على الهدف الدعائي والتحريضي لمعهد "أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط- ميمري"، الذي تأسس عام 1998 ثم تعزز دوره في أعقاب هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة.

وتتركز مهمة المعهد بوصفه "مؤسسة صهيونية غير ربحية"، على رصد إعلامي لكل محتوى عربي أو فارسي، وتوثيقه وترجمته إلى الإنكليزية ولغات أخرى، بموازاة توظيفه لخدمة بروباغاندا خادمة لإسرائيل. ويتخذ المعهد من واشنطن مقراً رئيسياً له، إضافة إلى مكاتبه في القدس، لندن، برلين، روما، سنغهاي، بغداد وطوكيو. وبينما أدرج "ويكيبيديا" بغداد كإحدى المناطق التي يوجد فيها مكتب للمعهد، لا يُعرف إن كان موجوداً في العاصمة العراقية الآن، أم في وقت مضى.

كما أن تحليل المواد المنشورة في موقع "ميمري" الإلكتروني يظهر أنه يعتمد المحتوى الدعائي القائم على "القال والقيل"، بغطاء "البحث" المزعوم، وليس البحث العلمي الموضوعي.. ويكتفي بمراقبة وترجمة منشورات عربية وفارسية؛ ومحطات إذاعية وتلفزيونية ؛ والسوشال ميديا، والخطب الدينية بعدة لغات وتوزيعها عبر الإنترنت، طالما يمكنها ذلك من تجيير ذلك لخدمة الدعاية الإسرائيلية.

لماذا ستالينسكي؟
وبالتعمق في بروفايل كاتب المقال الجدلي ستيفن ستالينسكي، فإن الكاتب عُرف بتركيز كتاباته على التفاعل بين ما يسميه "الإرهاب الإسلامي" والتكنولوجيا، وخصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي.. وهو أمر خوّله كتابة مقاله المزعوم في "وول ستريت جورنال" عبر استغلال حالة التجييش الإسرائيلي للغرب ضد كل ما هو فلسطيني وعربي؛ كي يوظف ما قال إنها خطابات المساجد وآراء سكان مدينة ديربورن الغاضبة مما يفعله جيش الاحتلال في غزة، وكأنها "حالة تأييد واسعة بالمدينة لصالح هجوم 7 أكتوبر". 

وهنا، قصد الكاتب في وسم معاداة إسرائيل بـ"الإرهاب"، بادعائه أن السكان من أصول عربية يؤيدون هجوم "القسام"، من دون ان يقدم دليلاً ملموساً.

وبدا تكليف معهد "ميمري" لستالينسكي بمهمة المقال الدعائي في "وول ستريت جورنال" بمثابة محاولة لتأليب فئات سياسية ومجتمعية أميركية ضد سكان ديربورن ونظرائهم، اعتقاداً من "مُهندسي المقال" بأن ستالينسكي لديه "موثوقية بمنظور صناع القرار بأميركا"، لأن  به وزارات وجهات رسمية بالولايات المتحدة استعانت به في تعقب تنظيم القاعدة ومنظمات "جهادية" في الإعلام والانترنت. وحاول ستالينسكي توثيق ادعاءاته باجترار وقائع زمنية حدثت قبل أكثر من عقدين، لربط ميشيغان عموما ومدينة ديربورن خصوصا بـ"الجهاديين"، وذلك بقوله إن تلك الأحداث الزمنية أشارت إلى أنها "قاعدة تجنيد ودعم محتملة للمنظمات الإرهابية".

"عاصمة أميركا العربية"!
وفي الإعلام العبري، ارتأت صحف عبرية أن تضع عنواناً انتهازياً هذا السياق، ومفاده بـ"عاصمة أميركا العربية"، لكون عدد كبير من مدينة ديربورن من أصول لبنانية ويمنية، ومهاجرين عراقيين وسوريين وفلسطينيين. وجاء العنوان من أجل ترهيب أميركا من الوجود العربي، وكأنه خطر وجودي على هويتها!

وبينما عبرت أصوات إسرائيلية عن استيائها من نقد الرئيس الأميركي جو بايدن وسياسيين آخرين لمخاطر مقال "وول ستريت جورنال"، بوصفه ينمي خطاب التحريض والكراهية ضد المسلمين بالولايات المتحدة.. رصدت "المدن" منشورات إسرائيلية في موقع "إكس" في سياق تعليقها على ما نشره الاعلام العبري للترويج لمقال ستالينسكي، حيث توعد إسرائيليون بأن "صعود اليمين في العالم سيكبح هذه الموجة الإسلامية"، في تلميح إلى آمال من فئات يمينية إسرائيلية بعودة دونالد ترامب أو مدرسته الأيديولوجية إلى الحكم، كي يقمع مدينة "ديربورن" وسكانها، ويخنق كل صوت منتقد لإسرائيل.

كذبة المقال.. بتقرير سابق لهآرتس!

واللافت أن مقال ستالينسكي الذي يُعد معهد "ميمري" المهندس الحقيقي لما جاء فيه من تحريض ودعاية ضد ديربورن، سبقته صحيفة "هآرتس" العبرية بنشر مقال عن المدينة نفسها قبل نحو ثلاثة أشهر، حيث أضاءت الصحيفة اليسارية على مواقف سكان المدينة الغاضبين من دعم الإدارة الأميركية لإسرائيل، وكان منهم الطالب سام بيدون، من أصول لبنانية. وتحدثت "هآرتس" عن بيدون بأنه شاهد بغضب الهجمات الإسرائيلية على غزة، والتي قتلت مدنيين، بينهم أطفال.

ونوهت الصحيفة العبرية الى أن بيدون داعم للحزب الديمقراطي، لكنه كغيره من المسلمين في ديربورن وعموم أميركا، ممن ساعدوا بايدن في انتخابه عام 2020، يفكرون بعدم التصويت له مرة أخرى بسبب دعمه لإسرائيل. وقالوا إن "دعم بايدن الثابت لإسرائيل يؤذينا".

ولعلّ ما نشرته "هآرتس" قبل أسابيع يشكك في مزاعم مقال ستالينسكي، خصوصاً أن الصحيفة الإسرائيلية تحدثت عن مسلمين ديمقراطيين غاضبين من دعم بايدن لإسرائيل، وليس "جهاديين" بحسب الوسم التضليلي في المقال المنشور بالصحيفة الأميركية أخيراً.

ويبدو أن النشاط المتصاعد للمظاهرات والاحتجاجات بالولايات المتحدة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، قد أقلق تل أبيب، ومعها أحد أذرعها الدعائية، معهد "ميمري"؛ خشية أن تفضي الاحتجاجات إلى تغيير توجهات الإدارة الأميركية، لمصلحتها الانتخابية قبل سباق الرئاسة الموعود، وهو ما دفع المعهد إلى تكليف مديره التنفيذي بنشر مقاله المزعوم في "وول ستريت جورنال".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها