تعززت الحملة غير المسبوقة حجماً وتأثيراً ضد الأونروا في الإعلام العبري والدولي والسوشال ميديا على حد سواء، في الأيام الأخيرة، بزعم ضلوع 12 موظفاً بالوكالة في هجوم كتائب "القسام" على منطقة "غلاف غزة" في 7 أكتوبر الماضي.
الصحافة الدولية.. مُبادِرة للدعاية
اللافت أن الوكالات الدولية كانت المُبادِرة، وقبل الإعلام العبري، في تسويق دعاية إسرائيل، وقد خصتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بـ"السبق" المزعوم، كوسيلة لإضفاء "مصداقية" عليها؛ بهدف إنجاح مخططها الرامي إلى إنهاء الوكالة، أو تغيير جوهرها، كما لحشد رأي عام ضد المنظمة، سواء في الداخل أو في الاروقة الدولية، وهي وسيلة ضغط اضافية لضرب المنظمة.
ولم تلتزم الوكالات والصحف الدولية بطرح الأسئلة المهنية البديهية والاستباقية قبل نشر ما يوصف بـ"السبق الصحافي"، أبرزها: "لماذا اختارتني جهة أمنية إسرائيلية بمعلومات خاصة؟ وما غايتها من النشر الآن تحديداً؟ ومَن المستفيد الأكبر من النشر: أنا كوكالة؟ أم إسرائيل؟ أم الجمهور؟".
وبدا الإعلام الدولي خائفاً أو متردداً في طرح الأسئلة الصحافية المتعلقة بدوافع النشر الإسرائيلي، وانتقاد المعالجات الدولية التي تضر بالمواطن الفلسطيني الغزّي في أخطر ظرف يعايشه جراء حرب الإبادة.
وسارعت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى اعتماد رقم الشاباك الإسرائيلي بشأن صلة "10 في المئة" من موظفي الأونروا في غزة بـ"منظمات إرهابية"، ولم توضح الوكالة للقارئ معنى هذه "الصلة"، خصوصاً أن إسرائيل أدرجت بهذا التوصيف كل شخص ينتمي إلى الفصائل الفلسطينية، حتى لو لم يكن له أي نشاط عسكري.
بينما ارتأت وكالة "رويترز" أن تُفصّل تهمة كل موظف في الأونروا بناء على "ملف الشاباك"، في حين، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن وقف أميركا تمويل الوكالة الأممية لم يكن بناء على ما قدمته المخابرات الإسرائيلية، وإنما تحقيق أجرته الاستخبارات الأميركية بالمزاعم منذ فترة. ولم تتردد الصحيفة في بناء موقف بناء على دعاية إسرائيل عبر لصقها وصف "الفضيحة" بالأونروا.
لقد غابت في معظم معالجات الصحافة الدولية للمزاعم الإسرائيلية أي إجابة للأسئلة الصحافية الخمسة؛ باعتبارها كفيلة بتعميق فهم القارئ الغربي بأسباب وسياق ودوافع الحملة ضد الوكالة الأممية المعنية بملايين اللاجئين في القطاع والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.
الإعلام العبري.. المُحرّض
أما الإعلام العبري، فالتَحَمَ مع الدعاية الرسمية في التحريض ضد الأونروا، وجاءت مهمته بعد النشر الأولي في الإعلام الدولي، مُروّجاً لمزاعم تل أبيب الأمنية بشأن انخراط موظفين بالوكالة في هجوم 7 أكتوبر، في محاولة لمنح الدعاية "صدقية"، وإنجاح أهدافها التي تتعدى مسألة "معاقبة الوكالة" إلى تحقيق حلم إسرائيل القديم بإنهاء وجود الوكالة أساساً، كمقدمة لطمس كلمة "لاجئ"، وبالتالي إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر حلول تستبعد عودتهم إلى أرضهم.
وكان من أبرز عناوين الصحافة العبرية "الأونروا تقف وراء التحريض"، و"الأونروا ذراع مدني لحماس في غزة"، كما أعادت نشر الربط المزعوم من قبل المسؤولين الإسرائيليين بين تمويل الأونروا ووصول الأموال إلى حماس، كونها جُملة "ترعب الدول الغربية"، وتجبرها على تجميد المساعدات بأقسى سرعة، وهذا ما حصل فعلاً.
ثم أخذ الإعلام العبري يُحصي تباعاً، عدد الدول الغربية التي جمدت دعمها للوكالة الأممية، بدءاً من أميركا، وذلك بأسلوب لا يخلو من التباهي بما وصفتها "صدقية إسرائيل"، وتأثيرها في قرارات الدول الغربية الفاعلة. وتجلّت المفاخرة بعنوان لتلفزيون "مكان" العبري، ومفاده: "دول عديدة تعلق تمويلها للأونروا بعد تقديم إسرائيل أدلة".
وفي السياق، راحت جريدة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية إلى تقدير نسبة دعم الأونروا المالي الذي جمدته دول غربية بارزة، ومآلاته الوجودية بالنسبة للوكالة، إذ قالت إن نحو 80 في المئة من ميزانية الأونروا تم وقفها، متسائلة: "هل ستؤدي الخطوة هذه المرة إلى إغلاق المنظمة الدولية؟".. بموازاة تصاعد القراءات الإسرائيلية بشأن مدى حسم الحملة الإسرائيلية لأمر الوكالة.
الحال أنه يُستشف من معالجات الإعلام العبري أن الدعاية لم تنتهِ عند اتهام موظفين بالوكالة أمنياً، بل أظهرت أنها بداية لحملة إسرائيلية مُنظمة ستستمر حتى إنهاء الأونروا، وهذا ما يُفهم مما ورد في صحف عبرية عديدة، مثل صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من بنيامين نتنياهو، حيث وصفت ما لدى إسرائيل من معلومات "تدين" الوكالة الدولية، بأنها "معلومات عالية جداً".
في حين، ادّعى موقع "واينت" أن لدى الشاباك، والجيش، ووزارة الخارجية، "كثير من المعلومات قد تُدين المنظمة، لكنها سرية، ولم يُكشف عن كافة المعلومات للجمهور، وإنما سُرّب جزء منها فقط". وتابع أنّ كثيراً من المعلومات تم نقلها إلى المتحدثين في جلسات استماع بالكونغرس الأميركي، وأيضاً الى أروقة أممية بعنوان "فتح ملفها القديم والجديد".
الهدف الحقيقي
وضخّم الإعلام العبري ما لدى إسرائيل من مزاعم، بقوله إنها "كفيلة بإغلاق الأونروا، أو إضعافها بشكل كبير على الأقل". والواقع أنّ حملة إسرائيل الدعائية كشفت بنفسها، أن دوافع العداء للأونروا سياسية، وليست أمنية، وأنها وجدت ضالتها باتهام موظفين فيها بالمشاركة في هجوم أكتوبر، أو الانتماء لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وهذا ما يُستدل عليه عند التمعّن في تصريحات مسؤوليها، وما نشره إعلامها، إضافة إلى مقالات محللين إسرائيليين، فكلهم أجمعوا على أن "لدى إسرائيل فرصة للتخلص من الوكالة، أو تغييرها جوهرياً، لأول مرة منذ 75 عاماً"، كما رصدت "المدن" مقالات في صحف عبرية اعتبرت أن استمرار التعاون الإسرائيلي مع وكالة غوث اللاجئين يُعد "فشلاً تاريخياً".
وشكلت تغريدة وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في موقع "إكس"، دليلاً واضحاً على الغاية السياسية للحملة الإسرائيلية، إذ اتهم الوكالة بإبقاء ملف اللاجئين مفتوحاً، وأن هدف وزارته هو استبدال الأونروا بجهة أخرى في اليوم التالي للحرب، وهذا يعني أن مشكلة إسرائيل "ديمومة قضية اللاجئين ببقاء الوكالة"، وأن الاتهامات الأمنية مجرد ذريعة لتحقيق الهدف "المنشود".
بيدَ أنّ الإعلام العبري بدا غير متأكد بالنسبة لـ"يوم الحسم" لمصير الوكالة، وماهية الجهة الدولية "البديلة" في غزة ومواقع وجود اللاجئين، إذ قال إن هناك إسرائيليين ما زالوا يعتقدون أنه "يجب أن تستمر إسرائيل في هذه الأثناء بالعمل مع الأونروا، لأنه لا يوجد أحد آخر في غزة"، ولم يخلُ من التساؤل عما إذا كانت إسرائيل وأميركا متوافقتين على إنهاء الوكالة، بينما تحدثت تحليلات إسرائيلية عن رغبة واشنطن وتل أبيب بإنهاء الأونروا، ضمن مرحلة جديدة تجري صياغتها في الشرق الأوسط.
بدوره، برز دور السوشال ميديا كمنصة وظفتها صفحات إسرائيلية لمساندة الدعاية الرسمية ضد الأونروا، إذ نشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" في "فايسبوك" رسوماً كاريكاتورية، أظهر أحدها مقاتلين فلسطينيين في طابور التوظيف في "الأونروا"، وفي رسم كاريكاتوري آخر عددت الصفحة المدعومة من الخارجية الإسرائيلية خمس مهام للوكالة وفق المنظور الدعائي المزعوم، وهي: "تدفع معاشات للمغتصبين، تضمن دخلا ًللإرهابيين، توفر المأوى للتغطية على القتلى، تحرض على مزيد من الكراهية، تكرس صفة لاجئ".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها